​يحدث في الزمن صفر

>
استنادًا إلى المنطق، فإن البديهية أو المسلمة هي بيان يعتبر بديهياً. يُفترض أن البديهيات والمسلمات صحيحة دون أي دليل أو إثبات. في الأساس، فإن الشيء الواضح أو المعلن على أنه حقيقي ومقبول، لكن ليس له دليل على ذلك، يسمى بديهية أو مسلمة. تعمل البديهيات والمسلمات كأساس لاستنباط الحقائق الأخرى.

البديهيات مقابل المسلمات استنادًا إلى المنطق، فإن البديهية أو المسلمة هي بيان يعتبر بديهيًا مثل أن نقول 1+1= 2 يُفترض أن البديهيات والمسلمات صحيحة دون أي دليل أو إثبات.
البديهيات هي افتراضات بديهية، وهي مشتركة بين جميع فروع العلم، بينما ترتبط المسلمات بعلم معين أو نظام معين.
بعد هذا اللغط المذكور أعلاه، والذي فرضته الحاجة لتوضيح ما نعايشه من معاناة كشعب من خلال أبجدية البديهة والمسلمة، دعونا نفند الأمور. من البديهي أن يكون لكل شعب دولة تسير أموره الداخلية والخارجية وتعمّر البلاد وتصون وتكّرم العباد وتُعلي شأن البلاد والأمة بين الأمم في هذا العالم. ومن المسلم به أن تكون للدولة أجهزتها المتخصصة وهي المسؤولة عن القيام بأداء دورها في خدمة منظومتي الدولة والشعب.

المسلمات تؤخذ بشكل أساسي على أنها صحيحة ولا تحتاج لإثبات، ومن هنا جاء اسمها (مسلمة)، فهي تعتبر مسلمة الصحة ضمن سياق (النظام الشكلي) الذي يتشكل بناء عليها. بطبيعة الحال هذا لا يمنع التساؤل عن مدى صوابية هذه المسلمات خارج النظام الشكلي الذي بنيت عليه، وهذا ما يدفع آخرين لتبني نظام جديد من المسلمات ينتج عنه نظام شكلي جديد وقواعد جديدة. ونحن هنا نتكلم عن المنطق وفلسفة المنطق ومنطق السياسة إن صح التعبير.

في بلادي بديهية الدولة سقطت وأُسقطت ليس اليوم، بل قبل ثلاثين عاماً في نفس لحظة ولادتها، في لحظة من عمر الزمن هي الأتعس في تاريخ هذه الأمة، في لحظة الصفر تلك وُلدت ما يشبه الدولة، لكن بمضامين لا تنتمي للحضارة ولا لمجريات العصر الذي تعيشه الخليقة. وكان من البديهي أن تنتهي تلك التركيبة في أول منعطف في حرب صيف 1994. وكان من البديهي أيضاً أن تولد معارضة المهزوم عسكرياً، فهو لم يخسر سوى معركة عسكرية ولم يخسر بديهية تقول ما ضاع حق وراءه مطالب، فكيف من يُنتزع منه وطنه؟. البديهية الأخرى هي أنه كان من اللازم أن يثور الشمال على حكامه، وهو يرى الدولة تتحول تدريجياً إلى مملكة عائلية بمسمى جمهورية. فهناك عائلات ترى أحقيتها بالملك.

كان لا بد من ظهور بديهية المقاومة في الجنوب والشمال، وكان من البديهي أيضاً أن يقفز الجيران من الدول المحيطة لاحتواء ما يحدث في اليمن قبل أن تلسعهم نيران الثورة. جاؤوا إلينا بمشاريع وبمسميات ما أنزل الله بها من سلطان، ودسوا فيها جملة من المسلمات التي تتسق مع النظام الذي تبتغيه تلك القوى في اليمن.

ولأن المسلمات لا تكون صحيحة إلّا في سياق محدد أو علم محدد بذاته، فقد اصطدمت بالصخور التي تزخر بها هذه البلاد، فقد تهاوت وانتثرت أشلائها حتى صعب جمعها. كان من البديهي أن تظهر في الجنوب قيادة تقود البلاد والعباد نحو الحرية والاستقلال غير أن اختلاط مسلماتها مع مسلمات الشمال ومعهما مسلمات دول الجوار. كل هذا وشوش على مرسلات ومستقبلات الشعب الجنوبي، فاختلط الحابل بالنابل وتشعبت الطرق وتماهت الأهداف، ولن نركز هنا على الخطب الرنانة ودقدقة طيران وطبول المطبلين، لكن سنسمي الأمور بمسمياتها.

أؤمن بأن انتصار القضية الجنوبية قادم، فهو بديهي ومسلم به، لكن ذلك سيحدث فقط حينما نواجه الحقائق بالحقائق وشريطة أن نغادر الزمن الصفري المستقطع من أعمار هذا الشعب خداعاً وغشاً، والذي فقد إحساسه بالزمن، وأخشى أن يفقد إيمانه بقيادته التي يجب أن تغير مسلماتها طبقاً لما تطمح إليه الأمة، وليس طبقاً لما تبحث عنه الدول المتآمرة على هذا الشعب الصابر الذي لا يحتمل أن يخطئ قادته في البديهيات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى