> تمهلوا، عزيزتي الأم وعزيزي ألاب، ولا ترموا أبناءكم إلى المجهول، دعوا أطفالكم (بنات وأولاد) يعيشون طفولتهم ومراهقتهم حتى لا تسقوهم من كأس الطلاق المبكر وتشربون مرارته.

بعد عقدين من الزمن سيكون لدينا جيل متعب نفسيًا، ويعاني التفكك الأسري، ومن ظلم زوج الأم أو زوجة ألاب، فضحايا الطلاق المبكر كثيرة، ولن نجني غير جيل جديد مفكك أسريًا فما هو الطلاق؟ ولماذا يحصل الطلاق بين الزوجين، كثيرة هي الأسئلة التي تراودنا كلما سمعنا عن حالة طلاق أو خلع أو تفريق، نرى أمامنا انهيار أسر، وتشرد أطفال، يتقسمون الحياة بين أم وأب، كل منهما له طرق تربوية مختلفة على الآخر، ما يؤثر على الأطفال سلبًا.

الطلاق في الإسلام هو انفصال أحد الزوجين عن الآخر، وعرفه علماء الفقه بأنه: "حل عقد النكاح بلفظ صريح، أو كناية مع النية، وألفاظ الطلاق الصريح، هي كل لفظ احتمل الطلاق وغيره" مثل: ألحقي بأهلك، أو لا شأن لي بك، ونحو ذلك، فإن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا.. وكما يحدث أيضًا أن ترفع قضية للمحكمة، وهناك أيضًا دعوى التفريق هي دعوى تُقدّم من أحد الزوجين، يطلب فيها التفريق بسبب الضرر الناشئ عن الشقاق والنزاع أو سوء العشرة.

ازدادت نسب ومعدلات الطلاق بسبب الحرب وظروف النزوح، واختلفت أسباب ومسببات الطلاق، وفي عدن سعت كثير من المنظمات إلى التقليل من مخاطر الزواج المبكر، أحد نتائجها الطلاق من خلال تكثيف التوعية للحد من الزواج المبكر الذي تعاني منه مجتمعات النزوح والحروب والأسر التي انتقلت إلى المدينة، وتعاني الفقر والجهل.

وبسبب الأوضاع المعيشية يلجأ الكثير من الآباء لتزويج بناتهم حتى لو كان سن الزوج ثلاث أضعاف عمر ابنتهم، ولذلك تبعاته ومضاعفاته لا تقتصر على فشل مشروع الزواج؛ بل يمتد إلى ضياع الأطفال.

زواج فاشل
على حافلة متجهة إلى مدينة الشيخ عثمان، وجدت فتاة صغيرة لم تكمل عامها العشرين، كانت تجلس بالقرب مني، تشتم طفلتها الصغيرة في حضنها، والتي لا يتعدى عمرها العامين، وتصف والد الطفلة "بالكلب ".
أسر مفككة
من جهتها تقول أم عبدالله " مطلقة: "الطلاق لا يؤثر فقط على الزوجة، ولكن له تأثيرات سيئة على الأطفال.
وتضيف: " أطفالي الآن يشعرون باستقرار مهزوز، يعيشون أسلوب حياة مختلف في بيت ألاب أو في بيت ألام، وبكل تأكيد يعانون بسبب تشتت الأسرة.

جهل بمصاعب الحياة
وفاء يسلم قالت: " زواج الطفلة الصغيرة فكرة خاطئة، فزواج طفلة صغيرة لا تفهم معنى الزواج، ومسؤولية الزواج، يؤدي إلى طلاق مبكر عند أول مشكلة؛ ولأنها طفلة لا تستطيع تحمل أي صعوبات نتيجة الجهل بمصاعب الحياة.
وتضيف: فالزواج بالنسبة للطفلة القاصر مجرد الارتباط بزوج وسيم، يمتلك المادة، ورفاهية الحياة التي ربما هي حرمت منها في بيت والدها، لهذا لا تفكر ماذا بعد الزواج، فهذه الطفلة لا تستطيع تحمل أعباء الحمل، لعدم اكتمال نمو أعضائها التناسلية بشكل كامل، وإذا حملت وولدت، لا تستطيع تربية المولود والعناية به ".

الوالدان يتحملان المسؤولية
الناشط المجتمعي مهيار أحمد محمد يونس قال" من أسباب الطلاق في مجتمعنا في هذه الفترة عدة أسباب في الأسرة نفسها، أول الأسباب هي الزواج المبكر، فهذا الزواج قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الزوجة الصغيرة، التي لم يكتمل عندها الوعي والنضج البيولوجي، والوعي الكامل في تحمل المسؤولية وتربية الأطفال ".

ويضيف "ومن الأضرار التي تلحق بالزوجة الصغيرة، الأضرار الصحية التي قد تؤدي إلى وفاتها، أو تسبب لها الإمراض، وعدم قدرتها على تحمل المشاكل الأسرية ".
ويلقي مهيار المسؤولية على الوالدين، ويحملهم مسؤولية الأضرار والأمراض المستقبلية التي قد تصيب ابنتهم، وأيضًا يحمل الوالدين مسؤولية فشل مشروع زواج ابنتهم الصغيرة، وما قد يصيبها من أمراض نفسية تؤثر على صحتها ".
ويطالب مهيار بالتصدي للزواج المبكر وعدم تزويج الفتيات في سن صغيرة ".

نقص في التوعية
وبدوره يطالب العقيد فارس حاجب المجتمع محاربة هذه الظاهرة التي بدأت بالانتشار بكل الوسائل المتاحة ".
مؤكدًا بأن الطلاق ظاهرة سيئة، وإن كان (أبغض الحلال)، وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة يقول حاجب: "ظاهرة الطلاق والطلاق المبكر تعود إلى فقدان التوعية بالظروف الاجتماعية المحيطة منذ عام 2015م حتى اليوم.
وقال "على وسائل الإعلام المختلفة أن تقوم بدورها في التوعية الإعلامية للقضاء على هذه الظاهرة ".

الزواج المبكر يقود إلى طلاق مبكر
مديرة مكتب الصحة والسكان في مديرية التواهي د. إقبال على شائف سعيد تقول: "أسباب الطلاق المبكر، القدوة للفتاة المتزوجة من خلال أسرتها وأمها بدرجة رئيسة، وأيضًا زواج الفتيات في سن صغيرة، والفقر، ورغبة الأب في مواجهة الأعباء الاقتصادية، خصوصًا بعض الآباء الذين لديهم عدد كبير من البنات ".

ضحايا الفقر والحروب والجهل
مدير إدارة تنمية المرأة والطفل بمديرية التواهي سُكرة عبدالرحيم تقول "الطلاق والطلاق المبكر تحديدًا، ظاهرة دخيلة وسلوك دخيل على مجتمعنا، وهي ظاهرة سلوكية لها تأثير في تمزيق النسيج الأسري والمجتمعي، مما يؤدي إلى تفريخ سلوكيات مستجدة على المجتمع كليًّا، تتمثل في وجود نِقَاط ضعف الشخصية من ناحية نفسية أخلاقية واقتصادية في استغلالهم، وجرهم إلى الأسوأ، ونلاحظها في حدود الأسر الفقيرة، والأسر النازحة والمتأثرة بسبب الحرب، وتدني المستوي المعيشي "

وتؤكد " لابد من بذل مجهود كبير جدًا في توعية الأسر، الآباء قبل الأمهات، والفتيات في أهمية التعليم، ودور التعليم للفتاة، من أجل حمايتها وتوسيع مداركها في فهم الأمور الحياتية، ومعرفة حقوقها القانونية المختصة، وإنشاء علاقات بين أفراد الأسر، مما يساعد في توضيح عرض المشاكل، وكيفية معالجتها ومن ثم توعيتهن ".

صعوبة في التكيف وأضرار نفسية
كفاح سعيد عوض أحمد قاضى استئناف محافظة عدن تقول: "هناك أسباب للطلاق، وخصوصًا الطلاق المبكر، من تجربتي الشخصية في الأحوال الشخصية، يعد الزواج المبكر من الأسباب الأولية للطلاق، وأسبابه أولًا عدم الوعى الكافي للأسر، بما يسببه الزواج المبكر من أثار مادية ونفسية للبنت القاصر، مما يجعلها تجد صعوبة في التكيف، وجسدها لا يتحمل ما يترتب عليه من أضرار وحمل، وكذا الفقر لبعض الأسر مما يجعل البنت عبئًا على أسرتها، فالزواج عند بعض الأسر أفضل وسيلة للتخلص من البنت.

وتضيف: "للأسف في بعض القرى اليمنية، لازالت تنظر للأنثى بدونية مقيته، وأن البنت للزواج فقط، وضعف التعليم في بعض القرى ساعد في تكريس هذه النظرة ".
مضيفة: "الزواج فيه عصمة للنساء والرجال ولا يختلف عليه اثنان، لكن الزواج له مقاييس معينة، وتختلف من مجتمع لآخر، فالمجتمع العربي الشرقي يزوج القاصرات، ولم يكملن خمس عشرة سنة، خصوصًا في بعض القرى، كما أن تزويج القاصرات وفارق السن بينها وبين زوجها، وفارق الأعمار يؤدي إلى فشل الزواج وحصول الطلاق المبكر ".

آلية تنفيذ القوانين ضعيفة
القاضي كفاح ترى أن القوانين والتشريعات لازالت لا تنصف المرأة، ولا تشدد على الطلاق، وما يترتب عليه، لذا أرجو أن تعاد التشريعات وتصاغ بما يضمن حق المرأة في حالة الطلاق، من النفقة والحضانة، ولو أن ذلك موجود في قوانينا، لكن آلية التنفيذ ضعيفة، واختتمت حديثها بالقول: "أرجو أن تقنن تشريعات تحفظ كرامة الزوجة وأولادها في حالة الطلاق، أو في حالة الإضرار بالزوجة بما يتفق مع المتغيرات ومتطلبات المجتمع في العصر الحاضر".

مشكلات نفسية
كثيرة هي المشاكل التي يتركها الطلاق على الأطفال والنساء، وهي آثار نفسية تؤثر على النساء، الاختصاصي النفسي محمد الإيطالي مدير مركز أكسجين حياتك للصحة النفسية قال: "في بداية الطلاق تشعر المرأة المطلقة بنظرة قاصرة لنفسها، حيث تشعر المرأة بالخوف والقلق، نتيجة للحياة الجديدة المقبلة، وهي تحمل لقب (مطلقة)، كونها تعود إلى منزل أسرتها، وتشعر أنها صارت عبئًا ماديًا ونفسيًا على أسرتها ".

وأضاف:" المرأة المطلقة تعاني من نظرة المجتمع لها، وتحوم نظرة الشك على المطلقة، وكأن الطلاق وصمة عار، أضافة إلى أن فرص المطلقة في زواج جديد تكون قليلة، وكثير من المطلقات يتزوجن من أرمل أو كبير في السن، وهذه نظرة قاسية، وتسبب الكثير من المتاعب النفسية، قد تدفع المرأة إلى كره المجتمع، وتعاني الاضطرابات النفسية ".

مضيفًا: "تفقد المرأة المطلقة 73 % من العائد المادي التي كان يوفره الزوج لها في المنزل، خاصة إذا كانت المرأة غير عاملة، وإذا اضطرت المرأة للعمل ستواجه أعباء جسدية نفسية لمواجهة المجتمع، وكثيرًا ما نلاحظ بأن بعض المطلقات خاصة من تزوجت في سن صغيرة، تعود للدراسة، فالطلاق يؤثر على المرأة أكثر من الرجل ".

وقال الإيطالي: " لابد للمطلقة أن تعمل على إعادة تأهيل نفسها، وأن تهيء نفسها نفسيًا للعودة إلى التكيف، وعلى المرأة أن تتعلم كيف تدير المسائل المالية؛ لأنها أصبحت العائل الوحيد لحياتها، ولا يمنعها الاستعانة بالأهل والأقارب، لمساعدتها لتخطي أزمتها ".

وعن أثر الطلاق على الأطفال قال "الطلاق خطورة كبيرة على الأطفال، خصوصًا إذا كان الأب والأم ليس لديهم الوعي الكافي، ولا يدركون خطورة انفصالهم على أطفالهم، فحياة الأطفال تتأثر بمشاكل الوالدين، وكثير من الأطفال ضحايا الطلاق يعانون الحرمان، ويصابون بكثير من الأمراض النفسية، مثل التبول اللاإرادي، واضطرابات النوم، وربما يصبحون عدوانيين اتجاه الآخر، حيث يشعرون بالحرمان العاطفي، وهذا الحرمان يستمر معهم حتى إلى سنوات الشباب، ومن الممكن أن يتجهوا إلى تعاطي المخدرات والتشرد، إذا لم يجدوا عمليًا الاحتواء النفسي والعاطفي ".

وعن تأثيرات الطلاق على الرجل قال "الطلاق يكون أقل ضررًا على الرجل، فأثر الطلاق يكون في الأعباء المادية من نفقة ومصاريف، ويصبح يصرف على بيتين، وحين يفكر بتكوين أسرة جديدة، كما يعاني الرجل المطلق من ضغوط نفسية، حيث ينتابه مشاعر الشك في شخصيته، والشعور بالفشل إذا فكر في زواج آخر، وتزيد الضغوطات النفسية إذا كان الزواج الأول عن حب وتفاهم واقتناع، ويشعر بالفشل، ويتردد كثيرًا في الزواج مرة أخرى، حيث يعاني مشاعر الشك، ويسال الرجل نفسه هل إذا تزوجت، هل أستطيع أن أنجح "؟

وينصح الاختصاصي النفسي محمد الإيطالي الأم والأب بأن يتركوا العناد فيما بينهم خاصة في حالة وجود أطفال، وأن تكون مصلحة أبناءهم هي المصلحة الأولى ".