موت على قيد الحياة.. ثمن الركض وراء لقمة العيش

> «الأيام» خيوط:

>
  • كيف يغامر يمنيون بحياتهم ورصاص قناص وشبكة ألغام تترقب عبور الحدود مع السعودية
شاكر شاب يبلغ من العمر 28 سنة وأب لثلاثة أطفال، حاول الدخول إلى الأراضي السعودية للبحث عن عمل، كما يفعل العديد من اليمنيين، من العمالة غير المهرة، لكن المطاف انتهى به عاجزًا حتى عن المشي، ويائسًا من العيش والحياة.

لم تكن هذه هي المحاولة الأولى في سجل شاكر، للركض وراء لقمة العيش، لكنها كانت الحاسمة في القضاء على حياته الطبيعية. فقبل ذلك بسنوات، حاول عدة مرات عبور السياج الحدودي القائم بين اليمن والسعودية، لكنه اصطدم بجدران صدر منها الوقوع في قبضة حرس الحدود السعودي وترحيله، وصادف أن استطاع في مرات أخرى العبور، ليقضي فترة سنة أو ستة أشهر في العمل، ثم يقع مجددًا في قبضة القوات السعودية.

ولأن أوضاع الدخول إلى الأراضي السعودية بطريقة غير شرعية أصبحت معقدة بشكل أكبر بعد سنوات من الحرب، حاول شاكر في أوقات سابقة البحث عن عمل في محافظته عمران، ولم يجد، فقريته التي يعيش فيها تعتمد على الزراعة الموسمية، ما اضطره إلى العمل في بيع القات، يذهب مسافة بعيدة لشرائه، ثم يبيعه في السوق، لكنه لا يكسب ما يسد رمقه وعائلته؛ لأن رأس ماله صغير.

استعان شاكر، بعد ذلك، بأخ له مغترب في الأراضي السعودية، ومقيم بطريقة شرعية، ليبحث له عن عمل هناك، لكن أخاه نصحه بعدم اللجوء لهذا الخيار؛ لأن المغتربين أصبحوا يتعرضون، هم كذلك، لأشكال عدة من الابتزاز، وتحت إصرار شاكر، بحث له عن عمل، وتكفل بمبلغ 2000 ريال سعودي مصاريف الدخول إلى المملكة.
بدأ شاكر بالتواصل مع مهربين، ومن ثَمّ انطلق من قرية الذانب في مديرية جبل عيال يزيد بمحافظة عمران، وصل إلى مدينة صعدة وبقي هناك أسبوعًا كاملًا يحاول أن يعبر الحدود من منطقة الرقو الحدودية على الجانب اليمني، والتي فيها فنادق وأسواق.

يوم الجمعة الثاني من أكتوبر 2020، تحرك صباحًا مشيًا على الأقدام ومعه شخصان، أحدهم من ريمة، والآخر من إب. كانت الشمس ساطعة ولاهبة، أصابت شاكر بالعطش، مع ذلك واصل السير، برفقة زملائه الآخرين. وعند الساعة الحادية عشر والنصف صباحًا، وصلوا أخيرًا إلى الأسلاك التي تفصل الحدود اليمنية السعودية.
لقد اختار التوقيت الذي اعتقد فيه أن القناصة على الجانب السعودي يقومون بأداء صلاة الجمعة، ما سيمكنه من العبور، لأن عناصر القناصة، وفق خبرته السابقة، يشكلون الجزء الأخطر في هذه المغامرة، فعندما يرون من خلال الكاميرات أي حركة يقومون بإطلاق النار المباشر.

كانت مخاوف شاكر كلها تذهب باتجاه ألّا يصاب برصاصة قناص. متعب من المشي والعطش، عندما حاول النفاذ من فتحة في الأسلاك الحدودية، كان قد عبر من خلالها أشخاص آخرون. كان على عجلة وعينه على ساعته، كان الوقت حوالي الساعة الـ 35: 11 صباحًا، عندما وضع قدمه اليسرى على مساحة من الأراضي السعودية، انفجر به لغم.

هرب الشخصان اللذان كانا برفقته، لمسافة بعيدة، وبعد لحظات استوعب شاكر ما هو عليه، فنادى بأحدهم كي يقوم بإسعافه، عاد الرجل وحمله على ظهره، حتى وصلوا مرة أخرى إلى منطقة الرقو، وهنا تم عمل إسعافات أولية له، لأن قدمه كانت مصابة إصابة بليغة. بعد ذلك تكفل مرافقه بنقله، بمبلغ ألف ريال سعودي إلى مدينة صعدة، تم إعطاء المرافق 500 ريال، و500 ريال أخرى إيجار نقلهم.

وصلوا إلى مستشفى السلام في صعدة. كانت الساعة الـ09:00 مساء تقريبًا، استقبلوه وقدموا له إسعافات أولية. كانت هناك شظايا في قدمه اليمنى التي تعرضت هي الأخرى لحروق بليغة، إلى جانب تهشم القدم اليسرى. أبلغه المستشفى بأنه يجب بتر القدم، لكنه رفض ذلك، وظل في المستشفى حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عندما قدم خال الضحية، وأجبره على الدخول إلى غرفة العمليات.

بعد انتهاء العملية وزوال تأثير المخدر، صحا وأقاربه بجانبه، سأل خاله: هل بتروها؟ رد عليه: نعم. وفي الصباح رأى أنه لم يبتر القدم فقط، وإنما أيضًا الساق إلى أسفل الركبة. انتابه غضب وحاول خاله وأحد إخوته أن يخففوا عليه مصابه ومواساته.

بقي في المستشفى أسبوعًا كاملًا، وتم أخذ قدمه المبتورة لقبرها مقابل رسوم القبر التي بلغت 10 آلاف ريال يمني. عاد شاكر إلى منزله في مديرية جبل عيال يزيد وهو يحمل ألمه الجسدي والنفسي، فاقدًا الأمل في أنه يستطيع أن يعمل بعد ذلك، لم يعد يستطيع الأكل، وهو بنفسية متعبة، لا يقوى على الحركة وشعوره أنه كان يمشي على قدمين يفت في عضده ويأتي على عزيمته كاملة.

في أثناء بقائه في قريته، وبسبب تدهور صحته النفسية، أصيب بالملاريا إلى درجة لم يستطع فيها أن يتعرف على أقاربه، وفقد بصره جزئيًّا. تم إسعافه إلى مستشفى 22 مايو بعمران والذي رفض استقباله، متذرعًا بعدم وجود أسرّة رقود كافية، لكن بعد إلحاح، تم عمل فحوصات له، وإعطاؤه جرعة دوائية، وبقي في المستشفى لمدة أسبوع، أنفق خلالها مبلغ 400 ألف ريال، بالرغم من أن المستشفى حكومي.

عاد للمنزل لكنه لم يتماثل للشفاء، فلا يزال يشعر بكهرباء في قدمه المبتورة، وقدمه الأخرى لا تزال فيها آثار الشظايا. تقول عائلته أنه أصبح عصبيًّا جدًّا، ولم يكن في السابق بمقدوره البقاء في المنزل ولو ليوم واحد، والآن وقد أصبح عاجزًا ولا يستطيع حتى الذهاب إلى المنزل بمفرده، جعله يشعر أنه شخص ميت، وإن كان لا يزال يتنفس. هذا ما قاله عند مقابلته لكتابة هذه القصة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى