التربية والتعليم في الجنوب بين الماضي والحاضر والتدمير الممنهج

> إعداد نهى فريد

> ظل التعليمُ بطرق مختلفة، وذي جودة، وبأسلوب علمي حديث، ركيزةً أساسية لتصل الرسالة إلى جهتها وهدفها من أجل الفهم المطلوب من جانب الطلاب والاستيعاب لما يعطونه من مقررات، ويحسون بقيمته وأثره على تنمية معارفهم، ليساعدهم في تغيير حياتهم، وذلك إذا دُرس بشكل مخطط ومنهجي، وإذا تضمن نشاطًا عمليًا، محسوسًا من جانبهم، وإذا كان يصل إلى قدر من الصعوبة يحفز تفكيرهم ولا يرهقهم، وإذا أتاح لهم متعة الاستكشاف، أو ابتكار شيء كانوا يتشوقون لمعرفته، وهذا يساعدهم على تنمية وتفعيل التفكير لنقل ما تعلموه إلى مواقع حياتية مختلفة.

ومنذ اجتياح الجنوب1994م شرع الاحتلال إلى طمس الملامح الأساسية للنظام التربوي في الجنوب، بداية بإلغاء التعليم ما قبل المدرسة للأطفال بين6-2 سنوات، وهذا يعد خرقًا للقانون، وقانون حماية الطفولة الذي أقر في الأمم المتحدة بتاريخ 1990 /2/29م وقد تم العمل به وتنفيذه في الجنوب الذي قبل النظام حينها بتلك الاتفاقية، حيث تم إنشاء رياض الأطفال في الجنوب بقانون رقم (26) لعام1975م وقد حرم هذا الإلغاء الطفل الجنوبي من الرعاية والتهيئة البيئية الصالحة للنمو السليم والمتكامل من الجوانب المختلفة، الجسمية والعقلية والاجتماعية.

وهنا نستعرض أن أول روضة تأسست هي للألماني فرويل في عام 1838م وأطلق عليها حدائق الأطفال kinderarte كما أكد بياجه ضرورة لعب الأطفال بالماء و الرمل أو الأدوات كالمكعبات في أماكن واسعة تتوفر فيها النباتات والحيوانات الأليفة للنمو السيكولوجي للطفل ومعرفته بالبيئة المحيطة به، وهذا ما جعلنا نعرف أن في بلادنا لم يتم وضع الدراسات والتخطيط أو الاستفادة من تجارب وأبحاث الدول الأخرى المتقدمة في هذا الجانب.

لقد كان حرمان الباحثين والمعلمين والإداريين من استحقاقاتهم وإحالتهم إلى التقاعد، واستمرار استقطاعات الضرائب لجميع الموظفين. أكثر من عشر سنوات، وما صاحبه من تدمير البنية البشرية وخلق طابور طويل من البطالة، من خريجي الجامعات، و جمود المواد الدراسية وعدم قابليتها للتجديد والتطوير منذ سنوات، وطمس التربية قبل التعليم للطلاب، وتوقيف وإنهاء الامتحان الأساسي، وتعطيل مناهج مواد الفنون الجميلة والتربية الرياضية والبدنية والفنية والصناعية في التعليم (الأساسي- الثانوي) أثر كثيرًا في تراجع العملية التعليمة في البلاد.

كما غيبت الأهداف التي اشتقت من الدستور الجنوبي، الذي اشتق من أهداف التربية لإعداد المواطن الصالح المساهم في الإنتاج الاقتصادي، والواعي اجتماعيًا، وبالظروف المحيطة به، كما أن الأهداف التربوية القائمة لم تتكيف أو تلاءم المكتشفات العلمية في حقل التربية أو في الحقول المرتبطة بها، إضافة إلى ذلك عطلت صياغة السياسية التربوية التي تعكس السياسية الثقافية، والاقتصادية والسياسية، والعلمية على وجه الخصوص، وتكريس سياسية العنف والكراهية والغلو والتطرف، إضافة إلى ذلك لم يطبق الاحتلال اليمني التشريعات القانونية في إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية-الثانوية، وخرق قانون التعليم المجاني، وفساد جائر في مختلف المراحل التعليمية في الجنوب، كما حاول الاحتلال اليمني بعد حرب 2015م طمس الملامح الأساسية للنظام التربوي، وإلغاء امتحانات نهاية التعليم الأساسي دون حوكمة أو دراسات ميدانية، أو دراسة الأثر الناتج بسببه ظاهرة التسرب والرسوب، وإعادة تدوير الأمية والبطالة.

اليوم أصبحت المرحلة الثانوية بقسميها لم تف بأغراضها ومحتوياتها، وتكويناتها، في الإعداد للمهنة أو الإعداد للدراسات العليا، كما وقفت أمام التعليم العام حجر عثرة، حيث عطل التعليم المختلط، وأثر سلبًا في المباني المدرسية، واجتماعيًا وثقافيًا، وظهر التطرف كأداة في تفكيك المجتمع الجنوبي.

كما تجاهل الاحتلال اليمني المعطيات العددية بشأن النفقات التربوية ومعدلات ازديادها مع ازدياد عدد ارتفاع الطلاب وعدم قدرة المباني المدرسية من تحمل هذا الازدياد، وتصنيف أبواب الإنفاق كالرواتب والعلاوات وتجهيزات المختبرات والمكتبات والإدارات والنفقات المتكررة والنفقات الإنمائية، والتوظيفات الحديثة، وتحديد الشفافية في موازنة التربية والتعليم في الجنوب العربي من دخلها القومي.

إلا أنه تم التغطية على النقص بالإسعاف الأولي من مدراء ومعلمين موالين للاحتلال، وفرضت على الجنوب بعد حرب 1994م مناهج هشة وركيكة أثرت في الحركة التعليمية والفكرية والثقافية، في صورها التشكيلة من حشو وتكرار وعدم المقاومة للاحتفاظ بالتقدم الحضاري للهوية العربية، إضافة إلى سيطرة الاستعمار الخارجي والتطرف الدولي على النظام التعليمي في اليمن بصورة صريحة وضمنية، ونشأت الثنائيات في التعليم أحدهما ديني خفي ومعلن، والأخر مدني دون ملاءمة السياسة التربوية والأهداف القومية والوطنية. برزت بسببها مشكلات تربوية واجتماعية مما خلق التباين والتفاوت في أداء التعليم بين الأرياف والحواضر في دولة الاحتلال مما انعكس تأثيره على الجنوب.

أما فيما يتعلق بالمواد الدراسية كاللغة العربية وفروع علوم الطبيعية والرياضات والمواد الاجتماعية، عتيقة تم استنساخها من أصول قديمة كليا، وتحتوي مقدارًا من العنصرية أو من منابع أجنبية لا تتناسب مع المجتمع الجنوبي، وإذا تطرقنا إلى مادة اللغة العربية في التعليم الأساسي فهي عنصرية في أساليب إعدادها وضعف علاقاتها بأهداف التربية وهي يمنية المضمون لم يتم إخضاعها للتجارب والتطوير.

إن وظيفة المدرسة اليوم ليست مجرد تخطيط وإعداد وتوجيه لعملية التعلم، وإنما صارت الجزء الأساس لنشر الوعي وبناء اللبنة الأولى للمجتمع، ولم يعد المعلم والمدرسة والإدارة مجرد منفذ ومراقب للمنهج، وإنما من أهم عناصره، فشخصية المعلم والمدير وسلوكهما وما يدور في المدرسة من ممارسات وعلاقات وأخلاقيات تدخل ضمن أساسيات المنهج؛ إذ تؤثر بدرجة كبيرة في تعلم التلاميذ والطلاب، وهم يتعلمون من أفعال هؤلاء أكثر من أقوالهم، ولكن اليوم يحدث العكس، ليسبب النقص الحاد من المعلمين في المدارس، خصوصًا شحة معلمي العلوم والرياضيات، لذلك يجب وضع استراتيجيات لتعويض النواقص في المختبرات والمكتبات، والإسراع ببتر تركة منهج الاحتلال اليمني، والبدء بوضع مصفوفة وقائمة مركزة من محتوى المناهج المدرسية، تتناغم مع محتوى مناهج دول الجوار، وتتسم بالجدية والعصرنة وإلغاء القسم العلمي والأدبي في الثانوية العامة، وتقييم مناهج المعاهد التقنية والصناعية وتطوير فعالية المعلم وطرائق التدريس، وعلينا التركيز بدقة إن اعتمدنا على متخصصين لخطة المنهج ليضعوا خارطة جغرافية تربوية وتعلمية، تبين المواقع المراد الوصول إليها من نقطة معينة، وتحديد المسافات والفترة الزمنية التي يجب قطعها، وطبيعة الطرق والمسالك المؤدية إلى تلك المواقع، وما قد يكتنف بعضها من مخاطر وصاعب يتم التعرف على الوسائل المتاحة، أنواعها وكفاءتها وتكاليفها، وفي ضوء ذلك يتم اختيار أبسط وأفضل الطرق والوسائل لبناء منهج الجنوب، باعتبارها الوثيقة التي تحدد عناصر وجوانب الأهداف، وترجمة هذه الأهداف بالوسائل التعليمية التي تنسجم مع السياسية التعليمية، وخطط مسارها من خلال ورش تحليل الأهداف في شكل سمات وقدرات إنسانية، ومن منظورنا البعيد في بناء منهج الجنوب العربي أن تشكل تفكير الإنسان ومن ثم سلوكه، وفي القواعد التي تفسر معاني تلك العبارات والظروف في صورها وأشكالها ومن وسائلها في الزمن والمكان عينه وتطبيق أهم الاتجاهات الجديدة والمعاصرة في مجال التربية والمناهج مثل ربط التربية بالتنمية والعمل، والحاجات الأساسية للسكان والحفاظ على البيئة والتفاعل السليم مع تطورات العلوم والتكنولوجيا الحديثة، وأخذ مفهوم التربية مدى الجدية والتأكيد الكامل على المواطنة والمواطن القادر على خلق الإبداع والتفاعل ضمن ثقافة قيم المجتمع الجنوبي، والاعتماد على نظريات في علم النفس والاجتماع، وأساليب تخطيط وتنظيم وإدارة وتقويم العملية التربوية والتعليمية، التي تسهم في بناء شخصية جنوبية متكاملة ومتزنة جسميا وعقليًا وروحيًا وفرديًا واجتماعيًا ودينيًا ووطنيًا وإنسانيًا ينبغي الحرص عليها في وثائق السياسة التربوية وخطط المناهج وبرامج تجديدها مستقبلًا بعيدًا عن التطرف والكراهية ومعاداة الإنسانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى