قمة بغداد الدولية.. تحدي الملفات الشائكة

> لينا مظلوم

> المؤكد وجود عدة روابط تجمع بين القمة الثلاثية التي عُقدت الشهر الماضي في بغداد بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق مصطفي الكاظمي، وملك الأردن عبدالله بن الحسين، وبين مؤتمر «قمة بغداد الدولية» المزمع عقده أواخر الشهر الحالي في بغداد.

بعدما أطلقت القمة خطوات تشكيل حلف اقتصادي، يسعى العراق إلي توسيع هذا التحالف ليشمل أكبر عدد من الدول، سواء عربية أو إقليمية، التي قد تسهم بشكل كبير في حل الملفات العراقية الشائكة داخلياً. مستوى تمثيل مصر لم يعلن بعد لقاء الرئيس السيسي بوزير الدفاع العراقي وتسلمه دعوة المؤتمر، رغم ما ورد في تصريح وزير التخطيط العراقي من تأكيد الرئيس السيسي والملك عبدالله والرئيس الفرنسي ماكرون حضور المؤتمر.

ما لا شك فيه أن مشاركة مصر لن تكون بروتوكولية لعدة اعتبارات، أولا: مساعي سياسة مصر الخارجية نحو أهمية إحياء «اللحظة أو الفكرة» العربية بعدما توارت العقود الماضية، هي نهج يعكس حكمة سياسية تجاه متغيرات عصفت بأمن واستقرار عدة دول في المنطقة. ثانيا: احتواء الدور الإقليمي وتطويعه كعامل لحل أزمات العراق المزمنة بدلا من كونه طرفا في احتدام الصراع على أرضه. ثالثا: دعم مصر لاستعادة العراق دوره العربي كعامل في استقرار المنطقة، وهو ما ينعكس بوضوح في التواصل الدائم بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء العراقي، إذ تكمن مصلحة الدول العربية في عودة العراق قويا إلي المجتمع الدولي، لعل أبرز الأمثلة استضافة العراق الأشهر الماضية مفاوضات بين وفود بعض الدول لمناقشة تحسين العلاقات المتوترة. رابعا: مصر معنية بترسيخ علاقات بين الدول العربية والإقليمية على أسس المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو تهديد الأمن القومي العربي، بدلا من التعامل مع المنطقة باعتبارها «الرجل المريض» الذي يُفترض أن يتم تقسيم «كعكته»، بعدما أحال اختلال الاستقرار السياسي والأمني دولا مثل اليمن، وليبيا، والعراق، وسوريا إلي أراضي صراع بين خصوم دوليين أو إقليميين. المشاركة المصرية المؤثرة ستكون عنصرا ضامنا كي لا تسفر القمة عن مجرد لقاء بروتوكولي بين قادة ومسؤولين لإعلان بيانات نظرية أمام الرأي العام، سواء للشارع العراقي أو لدول العالم، وتخرج بنتائج فعلية تنعكس إيجابا على المنطقة في نموذج مقارب للاتفاقيات التي بدأ العمل على تنفيذها بعد القمة الثلاثية.

يمثل انعقاد المؤتمر انتصارا سياسيا ودبلوماسيا لرئيس الوزراء العراقي الذي يقف خارج معادلات المحاصصة الحزبية، من جهة أخرى لا يمكن فصل انعقاده عن أحداث الأسابيع الماضية في أفغانستان، إذ بدأ تزايد المخاوف في المشهد السياسي العراقي من تكرار نموذج مماثل للسيناريو حال انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي، الأمر الذي دعا الكاظمي إلي محاولة جمع تأييد دولي وإقليمي لتبديد مخاوف العراقيين من تلك الأشباح. تأكيد حضور الرئيس الفرنسي ماكرون أيضا، لا يخلو من إشارة إلي تفاقم هواجس دول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث أفغانستان من عواقب اندلاع فوضى في دول قابلة للانفجار، ما سيسفر عن تفاقم أزمة استقبال مزيد من اللاجئين بكل ما تحمله من أعباء اجتماعية وأزمات سياسية بين أحزاب دول أوروبا التي يستغل أغلبها قضية اللاجئين في صراعاتهم السياسية الداخلية.

الاتحاد الأوروبي -بل العالم- استيقظ على صدمة ستفرض على الاتحاد الأوروبي المزيد من الإيجابية والحيوية في التحرك لاحتواء هذه الأزمات قبل اندلاعها، وهو ما يتطلب في الحالة العراقية دعم الكاظمي في التحدي المقبل لتهيئة الأجواء الأمنية والسياسية مع اقتراب موعد الانتخابات المفترض إجراؤها في أكتوبر المقبل، وهي لا تمثل مجرد استحقاق سياسي، فهي ستضع العراق أمام مفترق طريقين: الاستقرار أو الفوضى العارمة، خصوصا أن بعض الكتل السياسية المرفوضة شعبيا لا يروق لها خروج الكاظمي منتصرا، بل عمدت وفق أجنداتها الإقليمية إلي إغراق العراق في أزماته الخانقة وعرقلة عودته إلي المجتمع الدولي.

الملفات المطروحة للمناقشة ضمن جدول أعمال المؤتمر سيكون لها تأثير مباشر على الداخل العراقي، مثل البحث عن حلول متوازنة تضمن للعراق أمنه المائي في نهر دجلة مع نشاط تركيا في بناء السدود وأبرزها سد إليسو، بالإضافة إلي ملف وجود القوات التركية على أراضي العراق وتدخلاتها العسكرية في الشمال. من جانب آخر، ينتهج الكاظمي سياسة الاحتواء بدلا من الدخول في مواجهات حادة مع الميليشيات المسلحة، ويسعي عبر دبلوماسية التفاوض لفرض حلول التهدئة بما يخدم مصالح الطرفين، مع انحسار الغطاء الشعبي والديني عن هذه الميليشيات، الذي جاء بشكل مباشر من أعلى مرجعية دينية في العراق «علي السيستاني» عبر هجوم حاد على هذه الميليشيات من أحد ممثليه المقربين خلال خطاب علني.

بعيدا عن الدعم المعنوي والسياسي الذي سيحصده الكاظمي لمجرد انعقاد المؤتمر، تبقى النظرة الواقعية لقياس نجاحه التزام الأطراف المشاركة بقرارات المؤتمر.
العراق يعرض ساحة حوار على قادة وكبار مسؤولي العالم في إطار سياسة تعتمد على ربط عودة قوة دوره الدولي والعربي وانعكاس هذه الخطوة إيجابيا على أزماته الداخلية.

"الوطن المصرية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى