الحوار بديلا للاحتراب

> كان أبو مرة (إبليس) حاضراً مع سادات قريش لإذكاء نار الغيرة والحقد في صدورهم على رسولنا الأعظم محمد (ص)، ولعل حضوره كان بالمعنيين المادي والمجازي معاً دون أن يحول ذلك إلى أن ينبري شياطين من الأنس للعب دور إبليس ببراعة أيضاً.
وحين احتدم القتال في (بدر) الكبرى وهوت رؤوس كبار شيوخ قريش منذرة بهزيمة ماحقة لهم ولكبريائهم وغطرستهم، خلد القرآن الكريم صورها الرائعة، كان أبو مرة في حل من أمره لائذاً بالفرار قبل غيره بعد أن أدى ما كان عليه أن يؤديه.

اليوم شياطين الإنس مرئية ومخفية تذكي نار الفتنة في أوصال جنوبنا الحبيب، لكي لا يلتفت أبناؤه إلى ما يجب أن يلتفتوا إليه لصناعة وطن آمن مستقر ديمقراطي وحر تسود العدالة في ربوعه ويتساوى الكل في حياضه دون فئوية أو مناطقية أو قبلية أو مذهبية أو شللية، وهذه هي الخصال العظيمة التي تسعى إليها الأمم والشعوب على وجه البسيطة من كندا إلى أستراليا.

والذين يزايدون باسم الجنوب في ظل أوضاعه المأساوية الراهنة وتفكك نسيجه الاجتماعي ومنظومة قيمه الأخلاقية دون أن يحركوا ساكناً، سنقول لهم: أنتم بعض من أبي مرة أو من إخوانه شياطين الإنس الذين يرقصون على أشلائنا كما فعل نيرون بروما المحترقة.
لا بد من حلول ناجعة ورؤية جنوبية تستقدم المصلحة الجمعية على حساب تضخم (الأنا) و (الذات) الضيقة التي اعتلى شأنها في الست السنوات الماضية، وما من سبيل إلى معالجة ذلك إلا بالجلوس على طاولة واحدة للحوار، وبالحوار نناقش حالنا المأساوي، لأن بديل الحوار الاحتراب، والعياذ بالله.

إن دعوة المجلس الانتقالي للحوار دون أن نفتش في صدور الناس ونواياهم، لأن ذلك ليس من شأننا، هي دعوة وطنية تأخرت قليلاً أو كثيراً، لكنها أتت الآن ونحن -كشعب- في أمس الحاجة إليها، وأي نقص فيها تتم معالجته بتقنية الحوار وتحت قبته وبآلياته المعتادة.

أما أن تأتي قوى لتسجل رفضها للحوار قبل أن يبدأ، وتسابق نفسها لسبق إعلامي، فينبغي أن لا تعار اهتماماً يضخم من حجمها، والأساس أن نفهم جيداً أن الداخل هو المعيار، هو المواطن الذي يكتوي بنار الغلاء وانهيار العملة وتدني الأمن واشتداد جائحة المرض وانعدام الخدمات الأساسية والاستحواذ الباطل على الأراضي ملكاً للدولة كانت أو للمواطنين بقوة البلطجة والنفوذ والمليشيات المسلحة وغيرها من الظواهر التي ما كانت يوماً في قاموس الجنوب وعدن تحديداً.

ونسأل: من له مصلحة حقيقية في الخروج من أزمة الجنوب المفتعلة؟ هل النخب السياسية في الخارج -وبعضها أكل الدهر عليه وشرب- أم الصامدون القابضون على الجمر في الداخل الوطني؟ ولا بأس أن يلتحق بالحوار من أراد أن يلتحق به من قوى السياسية بالخارج.
فالمنطق أن ينعقد مؤتمر الحوار بين ظهراني الوطن وتتمثل فيه القوى الحقيقية الواقفة على الأرض بما في ذلك التكنوقراط والأكاديميون والمثقفون وجيش الجنوب والتجار وبقية قوى الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية.. إلخ.
إن الجنوب يعيش حرباً متواصلة، ويخطأ من يظن أن الحرب داخل الجنوب قد توقفت، فالجنوب يكابد حرباً من حروب الجيل الرابع في عيشه وأمنه ووجوده، ولن نستطيع الخروج من هذه الحرب إلا بحشد القوى الجنوبية قاطبة عبر حوار وطني شامل لا يستثني أحداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى