الأحزاب اليمنية.. مشروعات وطنية خارج طموحات المواطن

> صنعاء «الأيام» بشرى الحميدي:

>
  • كيف ينهار العمل السياسي في ظل استمرار الحرب؟
تلعب الأحزاب السياسية دورًا إيجابيًا في إثراء وحماية المقدرات الوطنية، ودعم العملية السياسية، ومواجهة المخططات الخارجية، ومراقبة عمل الحكومات، وإبراز نقاط الخلل في المشهد السياسي.
ويقول نعمان الحذيفي، رئيس الجمعية التأسيسية لحزب العدالة والمساواة اليمني (تحت التأسيس)، إن الأحزاب السياسية اليمنية تمر بأسوأ مراحلها التنظيمية والسياسية على الإطلاق، بحيث أصبحت تعيش حالة من الانقسام الداخلي وتوسع الفجوة بين قواعدها وقياداتها العليا.

ويضيف الحذيفي: "استطاعت جماعة الحوثي أن تضعف هذه الأحزاب وتطوع قواعدها في سبيل تحقيق أهدافها وإحكام قبضتها في الداخل اليمني، لاسيما في المحافظات الواقعة تحت سلطتها”.

ويؤكد أن الشتات بين قواعد الأحزاب وقيادتها العليا، أضعفت دور وفعاليات هذه الأحزاب في التصدي بشكل جماعي للمشروع الحوثي، الذي يخوض حربًا ضد كل الأحزاب التقليدية الكبرى، والتي مازالت رهن مواقفها من أحداث 2011، وبدلًا من أن تتوحد هذه القوى، ظلت تتصارع فيما بينها، فسهلت الطريق أمام الحوثيين للاستمرار في المضي قدمًا بتحقيق أهدافه، وخدمة الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني في اليمن والمنطقة، واكتفت الأحزاب بقطع الأراضي التي استطاعت انتزاعها من الحوثيين لتقيم عليها شبه إمارات صغيرة تمارس فيها جزءًا من سلطتها التي فقدتها بسبب حالات التيه الذي تعاني منه.

ويحذر من خطورة أن يعيش المواطن اليمني في حالة من انعدام اليقين، ومع مرور الوقت أصبح ينظر للقيادات في الخارج على أنها مشغولة في ترتيب أوضاعها واستثماراتها في الخارج على حساب معاناته، وهو ما جعل كثيرًا من المواطنين اليمنين لا يثقون بأن القيادات في الخارج بمقدورها إنقاذه من جور ما يتعرض له سواءً من قبل الحوثيين أو من قبل قيادات وكوادر الأحزاب في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.

من جهته، يقول عضو اللجنة المركزية للتنظيم الناصري خالد طربوش، إن الأحزاب في الوقت الراهن لا يُرى منها إلا التباين، ولا يجمعها إلا خصومة الحوثي والتفافها حول الحكومة، وهذا أيضًا تختلف ربما بأساليبها حوله أولوياتها به.

في البداية، قدمت هذه التكتلات أدوارًا ممتازة منذ اتفاق السلم والشراكة، مرورًا بتشاورات موفنبيك إلى مؤتمر الرياض، قدمت أدوارًا مهمة مستقلة أو مجتمعة، وحققت نجاحًا ممتازًا حينه، إذ حصرت جماعة الحوثي بمربع ضعيف لا أفق له، لكن حين اختلفت أولويات الأحزاب بساحات القتال والسياسة، ومنها إسقاط الحوثي، لم تعد تمثل لدى البعض أولوية مهمة تراجع هذا الدور إلى حد ينذر بخطر على مستقبل اليمن، وفق طربوش.

وينوه إلى أن الأحزاب تمتلك قوة تأثير على الأرض، وفاعلية، وكثير من الأحزاب لم تستفد من هذه الفعالية والقوة، وإذا ما تكتلت بجدية لكان الأمر لها في الواقع، مؤكدًا أن دور الأحزاب أصبح سلبيًا للمعركة، وتركت دور تحفيز وتنشيط المعركة ضد الحوثي لدول التحالف، حيث لم نشاهد أو نقرأ عن تعزيز القتال وحسم المعركة لصالح الشرعية، وكأن دول التحالف المعني الوحيد.

ويؤكد أن الحروب بطبيعتها تخلق ظروفًا متوترة وصعبة للشعوب، والمواطن اليمني واقع تحت مطرقتها، ويرقب ويرصد ويصنف سلوك ومواقف قيادة الشرعية والأحزاب، وتخصم من رصيد ذاك، وتضيف على رصيد آخر.

سلبية الحضور الحزبي على العسكري
“من الطبيعي أن يكون للتوجهات الحزبية حضور ملموس ومؤثر في سياق المعركة الوطنية، ضمن منظومة الدولة ومؤسساتها السياسية، لكن ذلك الحضور سيكون سلبيًا إذا طغى الحضور الحزبي على المستوى العسكري مادام العجز في بناء المؤسسات العسكرية وفقًا للمعايير والشروط المهنية، قائمًا، وهذه مشكلة لا يمكن تجاوزها ما لم يتم إصلاح المؤسسات الحالية مع تقديرنا لكل التضحيات المقدمة والدور المشهود في مواجهة مشاريع الانقلاب والإمامة”، يقول أسعد محمد عمر، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وعضو الهيئة التنفيذية للتحالف الوطني للأحزاب والمكونات السياسية.

ويضيف عمر: “وعلى المستوى الفردي لم يعد بمقدور أي حزب أن يمارس قدرة التأثير على مستوى البلاد، لكن هناك من لايزال يمتلك المقدرة المحدودة في أجزاء من البلاد دون أخرى، أما على المستوى الجماعي للأحزاب، بالإمكان ذلك إذا ما نجحت في تحقيق الانسجام والتوافق فيما بينها وفقًا لمتطلبات المرحلة وبما تستدعيه المسؤولية الوطنية”.

ويؤكد أن بقاء القيادات الحزبية في الخارج، وابتعادها، أثر على عملها في مشاطرة المواطن معاناته، والتعبير عنها بشكل صحيح، كما أن تغييب الأحزاب وإضعاف دورها أسهم في عدم إمكانية مشاركتها بالحلول ما أمكن ذلك، وهذا الحال ينطبق على الحكومة وقيادات الدولة.

تجميد النشاط الحزبي
التحرر الوطني واستعادة الدولة تمثل أولوية مطلقة، وما التنظيم الحزبي إلا إحدى أدوات النضال في سبيل ذلك، وما لم يتحقق ذلك، فإن وجود التنظيم سيكون شكليًا، وستحل محله أشكال أخرى أكثر تخلفًا وتطرفًا.

وفي معرض ذلك، شدد أحمد عثمان، رئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح بمحافظة تعز، على أن الأحزاب تأثرت بعملية الانقلاب وسقوط الدولة ودخول البلاد في حالة حرب، وأصبح العمل الحزبي مشلولًا تمامًا، فالحزبية آلية من آليات الدولة الديمقراطية المستقرة، ولا يوجد نشاط حزبي بعد الانقلاب، بل هناك مظاهر للعمل السياسي الحزبي في تعز دون غيرها، لكن النشاط الحزبي أخذ مسلك التنافس الحزبي السلبي، لأن البعض يتحرك كأنه في سباق انتخابات لتحضر روح المكايدة والدعاية التحريضية الكيدية، وهذا أمر قاتل في ظروف الحرب، فالأصل أن تتحفز الأحزاب السياسية بعد الانقلاب، وتدخل برنامجًا آخر أقرب إلى برنامج النضال التحريري، لتصبح جهودهم لتقوية الجسم الشرعي المقاوم، وتجديد الروح والجهود لخدمة مشروع التحرر والمقاومة، وفق عثمان.

ويضيف: “عندما تتحرك الأحزاب في ظل حرب تحررية ببرنامج سياسي كيدي، وتستدعي برامج التنافس الانتخابي، يتحول العمل السياسي إلى آلات وخراب وتخذيل وإضعاف للأسف”.

انعزال الأحزاب عن جماهيرها
فيما ينبه عبدالحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام، إلى أن العمل السياسي المدني غالبًا يضعف في فترات الحروب، على اعتبار أن النشاط الحزبي مدني، وأن صوت المدافع في الحرب يطغى على صوت العقل، لكن الأحزاب في المعارك الوطنية المصيرية تتصدر المشهد، وتكون في مقدمة المعركة والسند السياسي والشعبي والإعلامي للمقاتل، بخاصة حين تكون المعركة وطنية بالمعنى الجوهري.

ويشير النهاري إلى أن الأحزاب السياسية اليمنية منقسمة منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014، انقسامًا على مستوى الداخل الرافض للاستعانة بالخارج، والخارج المستعين بالشرعية الدولية من أجل استعادة الشرعية الوطنية.

ويضيف أن الأحزاب في الخارج انعزلت عن جماهيرها في الداخل، بل تركتهم لقدرهم في مواجهة الظلم والجوع والفقر والمرض والخوف والقتل. كما أن الأحزاب لم تقدم شيئًا للمواطن في المناطق المحررة، وتركته أمام فساد القوى المحلية المسلحة، وفساد سلطة المنفى المدعومة من الشرعية الدولية، والحلفاء الإقليميين، وتنافس أمراء الحرب المحليين.

“حتى خطاب الاصطفاف الذي نسمع عنه في الخارج بين لحظة وأخرى، ليس غير إحياء تحالف مؤتمر الرياض العسكري، ويظل دائمًا اصطفافًا غير حقيقي، تتنافر فيه المصالح، وبخاصة مع هيمنة التجمع اليمني للإصلاح والجماعات الإسلامية الموالية له على الشرعية، وتحكمها في آلياتها وفي قراراتها ومخرجاتها، وتوظيف المعركة للمصلحة الحزبية البحتة”، يقول النهاري.

ويضيف: “غلب على الأحزاب التي تصطف فيما يمكن أن نسميه المعسكر الجمهوري، أو صف الشرعية، الانشغال بالمصالح الذاتية، والكسب الأحادي، على الاصطفاف الميداني، والقيمي في مواجهة الشرعية”، معتبرًا أن الأحزاب أسهمت في رفد المعركة، ولكن بصورة غير منظمة، لأن المجتمعات المحلية كانت أسرع إلى رفد المعركة والالتحام معها، من التنظيمات السياسية وتحالفاتها، وظلت التحالفات الفوقية غير متفاعلة مباشرة مع الجماهير، باستثناء الأحزاب ذات المرجعيات الدينية المذهبية والطائفية التي لها ثأر عقائدي مع المعسكر الحوثي.

وعلى مستوى الداخل، يرى النهاري، أن كل التنظيمات والأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمهنية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني واجهت حملات القمع، وفي مقدمتهم المؤتمر الشعبي العام الذي تعرض لعدوان غاشم على قيادته في 2 ديسمبر 2017، وهو في طليعة الأحزاب الوطنية الرائدة والكبيرة، والتي يعول عليها الشعب في تغيير المعادلة الداخلية والانعتاق الشعبي من الظلم الواقع عليه، حد تعبيره.

وفي المنفى انفصلت قيادات الأحزاب عن جماهيرها في الداخل، ولم تعد تعبر عن مصالحهم المباشرة حتى في المناطق المحررة، وقد أنتجت الحرب مليشيات وجماعات مسلحة محلية لا تسمح للأحزاب المدنية التقليدية بالعمل الطبيعي بين أوساط جماهيرها، كما يحدث في تعز وفي مأرب على سبيل المثال لا الحصر، وفق النهاري.

*"المشاهد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى