محوى المهمشين "أمل من تحت الركام "

> حضرموت «الأيام» سميرة سالم:

> ربما البشرة السمراء غير مرّحب بها" هذا ما قاله الدكتور "بسام " المنتمي لفئة ما يسمى بالمهمشين، وهو المعيل الوحيد لأسرته بعد وفاة أبيه، والذي قدم على عدة جامعات حكومية، إلا أنها رفضت قبوله، لكن إصراره كان أقوى من ذلك الرفض على الرغم من الظروف القاهرة التي يعيشها، والتي أجبرته ألا ينتظر ويبقى مقبوض اليدين، فأتجّه لقيادة باص أجرة لعله يكسب لقمة عيشه، لكن الإصرار على تحقيق الهدف وشغفه المُتّقد في الالتحاق في المجال الطبي كان رفيقه الدائم الذي لم يتوانَ عن البحث عنه، وهو ما تحقق له، وها هو اليوم أصبح طبيبًا مساعدا.

الإنسان بفطرته ييأس بعد محاولاته مرارًا وتكرارًا، لكن بسام مثال للرجل المكافح، والمؤمن بالتغيير للأفضل، لذلك ظل يسعى حتى حصل على منحة لإتمام دراسته، وتحقيق حلمه، لكنه فشل في المرة الأولى؛ لأن الجهة المانحة أرادوا منه دفع الألفين دولار مبدئيًا، أصابه الوهن وأحس بخيبة أمل شديدة هذه المرة، لكنه عاد أقوى من قبل ليقبل في كلية الطب، ويكمل سنواته الأولى والثانية بسلام لترغمه تكاليف الجامعة التي لم يستطع تحملها على ترك الدراسة، ليبدأ في المرة الثالثة مجددًا ويجتاز كل الصعاب ويصبح طبيبًا مساعدا.

المهمشون معاناة مستمرة
الأمل، السلام، والحياة الكريمة، كلمات لا يعرف معناها هؤلاء الناس، يعيشون على اللا شيء، يفتقرون لأدنى مقومات الحياة الكريمة، لا يجدون قوت يومهم، يلتهمون لحوم بطونهم، ينامون في العراء، باختصار يفتقرون للحياة الآدمية، للعيش الإنساني الكريم، ربما الحياة قاسية، لكن الأشخاص أكثر قسوة ووحشية، هؤلاء من يُطلق عليهم (بالمهمشين) من لا حياة لهم، إنهم أناس يعيشون على هامش الحياة في عزلة وحرمان من أبسط مقومات الحياة، زج بهم التمييز الطبقي إلى خارج زوايا المجتمع، مجردين من أبسط حقوقهم المعيشية والإنسانية، لا يملكون حتى قوت يومهم، هؤلاء هم المنسيون، يعيشون في الحي العشوائي الواقع في حضرموت، في مدينة المكلا تعيش العديد من الأسر الفقيرة في بيوت هشة غير صالحة للعيش الآدمي، أفرادها لا يشتكون من الفقر فحسب؛ بل من التمييز العنصري والحرمان من كافة حقوقهم الإنسانية.

الجدير بالذكر أن المهمّشين يعيشون في مناطق مختلفة من اليمن، وكثيرين منهم لا يجدون وظائفًا، عدا جمع القمامة والكنس وجمع القوارير البلاستيكية الفارغة.

وهذا ما أكده محمد علي ذو الـ ٥٥ عامًا، كبير المهمشين في المحوى في تصريح خاص لموقع ......... قائلًا: "أنا أسكن في المحوى منذ 25 سنة، وهم يريدون طردنا من مكاننا وليس لنا مكان غيره، لا يعتبروننا أناسًا مثلهم، ويقولون لا نريد أشخاصًا مهمشين بجانب بيوتنا، لكن أين نذهب؟ وعندما أتينا بنينا المحوى بأنفسنا من بقايا الخشب، والثياب من القمامة، لن أخرج من هنا إلا على جثتي، كل أولادي يعملون في جمع القوارير البلاستيكية وبيعها هذا هو مصدر دخلنا، لا أحد يريد أن نعمل لديه" .

بدورها تضيف سلامة، إحدى المهمشات ذات 49 عامًا في المحوى التي تعمل على الرغم من معاناتها مع المرض والفشل الكلوي لتوفير لقمة العيش لها ولأطفالها بقولها: "إننا نأكل مرة واحدة (أي وجبة واحدة في اليوم) وأحيانًا لا نجد ما نأكله، أحتاج إلى غسيل الكلى، لكن ليس لدي المال الكافي، ولكنني صابرة وأعمل لعل الله يرزقني" .

يبدو أنه لا يوجد حل جذري في تغيير وضع المهمشين في المستقبل القريب، فمنذ اندلاع الحرب ازداد وضع هذه الفئة السكانية سوءًا حسب منظمة هيومن رايتس ووتش" الذي يقول تقريرها: "إنّ المهمشين محرومون من حقوق أساسية منها الحق في الحصول على مساعدات إنسانية".

العوامل الثقافية للمجتمع والتمييز العنصري
لا يزال كثير من أفراد المجتمع للأسف الشديد محكوم بالثقافة المتوارثة والتي امتلأت بعضها بفجوات تنافي الإنسانية، وخصوصًا في التعامل مع الطبقات الاجتماعية المهمشة.
التمييز العنصري بين مسمى سيد وقبيلي وخادم شكلت حاجزًا لا إنسانيًا وثقافة لازالت فاعلة لدى البعض، بين مكونات المجتمع اليمني يعتبر المهمّشون من أكثر الفئات التي تحرم من حقوقها.

يقول كبير المهمشين محمد علي: "يطلقون علينا (مُهمّشين) لكننا في النهاية بشر قال لي مرة أحد الأشخاص ليس لكم حقوق في البلاد – على الرغم من أننا يمنيون- والأفضل أن تُطرَدون أو تموتون، نعاني من العنصرية أكثر من معاناتنا من الفقر ذاته".
بدورها تقول المحامية عهد الكسادي: "المهمشون يعتبرون من الطبقات العامة في المجتمع لم يفرق فيها الدستور، والدستور ينص على حق المواطنين على العيش بكرامة مادام هو مواطن يمني له الحق في أن يعيش بكرامة ويتمتع بكافة حقوقه من الصحة والتعليم، القانون لم يفرق بين هذه الفئات".

دعوة للتعايش والحلول
ولمعرفة أكثر عن الأسباب التي تحول دون حصول المهمشين على فرص العمل تواصلنا مع المدير التنفيذي للاتحاد الوطني للمهمشين مرتضى الزكري والذي بدوره قال: "الأسباب كثيرة ومتعددة، ويعتبر الإقصاء والتهميش التاريخي لهذه الفئة من الأسباب الرئيسة التي تحول بين المهمشين وبين الحصول على فرصة عمل محترمة، فنظرة المجتمع لهذه الفئة نظرة احتقار وامتهان، ودونية أيضًا ".

مضيفا: "أهم الأسباب لحرمان هذه الفئة وعلى مدار مئات السنين من التعليم، الأمر الذي يجعل هذه الفئة في المرتبة الأولى من حيث نسبة الأمية حيث تبلغ نسبة الأمية بين أوساط هذه الفئة 95 ٪ ويضيف الزكري، أيضًا غياب الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة، في تبني استراتيجية شاملة لتحسين أوضاع المهمشين، تعزز من فرص دمجهم اقتصاديًا واجتماعيًا مع بقية فئات وشرائح المجتمع اليمني ".

على الرغم من كل تلك الصعوبات تبقى فئة المهمشين، بيئة ومكانًا لقصص نجاح مستمرة، وقودها الإرادة والأمل والحلم بتحقيق واقع أفضل والعمل من أجله، مع دعوة عاجلة وملحة للجهات الرسمية بالاهتمام بهذه الفئة وإعطائها حقوقها كمواطنين يمنيين، يفتقرون للكثير من حقوق المواطنة، ودعوة لمختلف الفئات الشعبية بضرورة التعايش معهم دونما أي انتقاص.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى