"الأخطاء الطبية".. قاتل صامت يتجول في المستشفيات اليمنية

> "الأيام" عن/ إرم نيوز:

> ​تستفرد الأخطاء الطبية بالكثير من المرضى اليمنيين، مستغلة حالة الانقسام التي يشهدها البلد، ووصول الانهيار الصحي إلى مستويات غير مسبوقة، بفعل استمرار الحرب لنحو 7 سنوات، ما يؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا في صفوف المرضى بالمستشفيات الحكومية والخاصة، بشكل يضاعف من حجم المعاناة على مختلف الأصعدة.

وعلى الرغم من انعدام الإحصائيات الدقيقة لدى الجهات الصحية اليمنية، لأعداد الضحايا والمتضررين وشكاوى المرضى من الأخطاء الطبية المختلفة، فإنه بات من الملاحظ تصاعدها خلال الفترة الماضية، في مختلف المحافظات اليمنية، في ظل تضاؤل الدور الرقابي والقانوني في ردع المقصرين، بحسب مهتمين.

ويلجأ الكثير من ذوي الضحايا والمرضى المتضررين من مثل هذه الأخطاء، إلى دفن أحبتهم بصمت، دون تساؤلات أو إبلاغ الجهات المختصة، مستسلمين لما يقع عليهم من إهمال وأخطاء ناجمة عن قلة الخبرة وعدم التأهيل، باعتبار ذلك قضاء وقدرا، إلى جانب حالة القصور في التشريعات القانونية المتعلقة بالوضع الطبي في مواضع، وتعقيداتها وعدم وضوحها في مواضع أخرى، وهو ما يسهم في زيادة أعداد الضحايا ويفاقم الأمور، كما يقول مراقبون.

استهتار
يقول الناشط الإعلامي، علي بن عامر، إن شقيقته توفيت قبل نحو عام من الآن، بعد أن دخلت أحد مستشفيات العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، إثر تشخيص طبي يشير إلى حاجتها لإجراء عملية منظار لتوسعة المريء بواسطة البالون، وأجريت لها جلستان، وكانت تغادر المشفى عقب انتهاء مفعول المخدر، إلا أن الطبيب اقترح عليها عقب انتهاء الجلسة الثالثة، عدم تناول أي طعام عند عودتها إلى المنزل، على غير عادته خلال الجلستين السابقتين، لتفاجأ الأسرة لاحقا بانتفاخ المريضة وتورمها، لتبدأ رحلتها مع معاناة أخرى.

وذكر بن عامر، في حديثه لـ“إرم نيوز“، أنهم اكتشفوا لاحقا أن الطبيب استخدم أداة تدعى ”منظار سفاري“ خلال الجلسة الثالثة، وهي أداة توسعة بأطراف حادة، بدلا من ”البالون“ التي تحدث عنها خلال التشخيص، ”وهو ما جعل الدكتور يشعر بأنه أخطأ، واقترح علينا عدم تناولها الطعام بعد الجلسة الثالثة، ليتسبب ذلك في حدوث تسرب هواء إلى مناطق مختلفة من الجسم، وأدى إلى تفاقم حالتها لمدة 12 يوما، إلى حين وفاتها“.

وأشار إلى أن أكثر ما أزعجه من الدكتور هو ”عدم إشعارنا بالخطأ الذي ارتكبه خلال الجلسة الثالثة، وما يمكن أن يترتب عليه في حال ساءت حالة المريضة عقب مغادرة المشفى، أو ما الذي يمكننا فعله. كما أن استخدامه أداة أخرى في العملية غير التي كانت تتطلبها الحالة وفقا لتشخيصه، إضافة إلى حالة الاستهتار التي بدا عليها الدكتور بعد إبلاغه بما حدث، وعدم متابعة حالة المريضة وتطوراتها طوال مدة بقائها في العناية المركزة، جعلني أقرر مقاضاته“.

وقال بن عامر إنه يتنظر عودة القضاء بعد عملية الإضراب في عدن، لتحريك دعواه القضائية التي رفعها ضد هذا الطبيب، وإنه يتمنى أن يكون سببا في إيقافه عن ممارسة هذه المهنة، ليس لأنه تسبب في وفاة شقيقته، ”بل لاستهتاره وعدم مبالاته بأرواح الناس بعد إبلاغه بما حدث، وتجاهل وضع الحالة المتدهورة للمريضة وعدم متابعتها والاطمئنان عليها على أقل تقدير“.

وحول الإجراءات القانونية التي اتخذها، أكد علي بن عامر أنه استشار قانونيين، وأخبره البعض منهم بأن عليه تقديم شكواه أولا إلى لجنة طبية متواجدة في وزارة الصحة، وهي المخولة بإعداد التقرير والتحقيق فيه ومن ثم رفعه إلى النيابة، لكنه فضل اللجوء إلى القضاء بشكل مباشر، خشية وقوف هذه اللجنة في صف زميلهم الطبيب، حد قوله.

طفل ضحية
وخلال الشهر الماضي، توفي طفل في التاسعة من العمر بمدينة عدن، نتيجة خطأ طبي، أثناء إجراء عملية جراحية له، عقب إصابته بكسر في قدمه، ما دفع محافظ عدن، أحمد لملس، إلى التوجيه بتشكيل لجنة طبية للتحقيق في أسباب وفاة الطفل، ورفع تقرير تفصيلي في حيثياتها لمحاسبة المتسببين فيها، بسبب عدم فاعلية ”المجلس الطبي“ في المحافظات اليمنية المحررة من ميليشيات الحوثيين.
الطفل "ريّان" أحد ضحايا الأخطاء الطبية
الطفل "ريّان" أحد ضحايا الأخطاء الطبية

ووفقا للقانون رقم (28) الصادر عام 2000، فإن من مهام ”المجلس الطبي“ التحقيق في شكاوى المرضى، والبت فيها، وتوقيع العقوبات، أو إحالتها إلى النيابة العامة في حال تعلق موضوع الشكوى بجريمة من الجرائم التي تختص بها النيابة العامة برفع الدعوى، إلا أن الحرب التي تشهدها البلاد وحالة الانقسام التي تعيشها، حالت دون ذلك، إذ يقتصر الوجود الفعلي لهذا المجلس حتى الآن على العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

إهمال المحافظات المحررة
وتشير نقيب أطباء عدن، الدكتورة نجاة الحكيمي، إلى أن النقابة تطالب منذ سنوات بإنشاء مجلس طبي في المحافظات اليمنية المحررة، نظرا لصعوبة وصول الأطباء إلى صنعاء. وقالت إن دعواتهم ”لم تلاقِ أي اهتمام من قبل الجهات المختصة“.
وذكرت في حديثها لـ“إرم نيوز“، أنه خلال الأعوام التي سبقت اندلاع الحرب في اليمن، تم تشكيل لجنة للمساءلة في عدن، وعرضت على المجلس الطبي وأصدر قرارا بذلك، وقد باشرت اللجنة عملها حتى عام 2014، وبعد ضغوط من نقابة الأطباء بعدن، تم تشكيل مجلس طبي في عدن، إلا أن الحرب أوقفت عمل اللجنة والمجلس معا.

وقالت إن نقابة الأطباء في عدن، طلبت من مدير مكتب وزارة الصحة بالمحافظة مؤخرا، تشكيل لجنة مساءلة متخصصة، وعرضها على محافظ عدن، وهو ما حدث، لكن المحافظ لم يبت فيها حتى الآن.

وترى الحكيمي أن تسرب الكوادر الطبية إلى الخارج في ظل تردي الأوضاع محليا وهشاشة القطاع الصحي، يعد واحدا من بين أسباب تزايد الأخطاء الطبية في اليمن، إضافة إلى عدم وجود تدريب كاف للكادر الطبي، سواء في كليات الطب أو مجالس التخصصات، نظرا لظروف الحرب وعدم وجود المجلس الطبي، الذي من المفترض أن يقوم بتقييم الطبيب قبل البدء بإعطاء أي تصريح لمزاولة المهنة.

وعلمت ”إرم نيوز“، من مصادر حكومية، أن وزير الصحة العامة والسكان في الحكومة الشرعية، وجه مطلع العام الجاري، مكاتب الوزارة في المحافظات المحررة، إلى تفعيل اللجان الطبية التي سبق أن أنشت في بعض المحافظات، وتشكيل لجان طبية متخصصة في المحافظات التي لم يسبق لها ذلك، لتعمل هذه اللجان على معالجة القضايا العالقة.

وأكدت المصادر أن هذه الخطوة تؤكد أن هناك تحديات وعراقيل تواجه الحكومة في إعادة تشكيل المجلس الطبي في المحافظات المحررة، خلال الفترة المقبلة على الأقل.
ويقول مدير الدائرة الصحية لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، الدكتور سالم الشبحي، لـ“إرم نيوز“، إن وضع اللادولة الذي تعيشه البلاد في الوقت الحالي، وضعف التشريعات القانونية، في ظل مجتمع قبلي مسلح، يمكن أن يتسببا في خلق عمليات انتقام من الأطباء هم في غنى عنها، لافتا إلى أن تجسيد الأمانة في مهنة الطب، ومخافة الله قبل الخوف من أي قانون وضعي، وتجنب اللهاث وراء أي أعمال تفوق القدرات والإمكانيات، يمكن لها أن تحمي المرضى والأطباء والمجتمع ككل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى