​ولكم في الصومال عبرة

>
في علم الميكانيكا الذي يسمونه العرب علم الحِيَل، وقبل دراسة حركة الأجسام فإنه يجري تصنيفاً لتلك الأجسام من حيث إمكانياتها وقدراتها على الحركة. فيقال مثلاً إن الجسم (س) لديه ست درجات من الحرية إذا كان بإمكانه أن يتحرك صعوداً ونزولاً (رأسياً) ويدور حول محوره الرأسي وتحسب تلك كدرجتين من درجات الحرية، ثم حركته باتجاه اليدين المفرودتين يميناً ويساراً والدوران حول هذا المحور وتلكما تحسبان بدرجتين من درجات الحرية، ثم الحركة إلى الأمام وإلى الخلف والدوران حول هذا المحور، وبذلك تكتمل درجات الحرية الست.

إن امتلك الجسم تلك القدرات، فهو يمتلك حرية مطلقة ومكتملة. ولعلنا جميعاً في هذه الحياة نمتلك درجات حرية حركة مختلفة تزيد أو تنقص من بلد إلى آخر.
إن فقدان أي كمية من درجات الحرية تقلل بالتأكيد من حرية الحركة وتجعل من الجسم خاضعاً لضغوط تزيد أو تنقص طبقاً لدرجات الحرية الضائعة، ومن أبسط مواطن إلى أكبر قائد نحن واقعين تحت هذه الضغوط. حتى رؤساء أقوى الدول في العالم واقعون تحت ضغوط شعوبهم ومتطلبات تلك الشعوب في كافة مجالات الحياة، وواقعون تحت الضغوط الدولية في لعبة تجاذب المصالح بين الدول والشعوب. وتحت الضغوط المذكورة تصنّع السياسات وتُدار فيما بين أطراف اللعبة السياسية التي قد تكون محلية أو إقليمية أو عالمية.

لذلك، من المسلم به ومن الحق القول، إن لا أحد ممن يتحملون مسؤولية قيادة شعوبهم، يعمل دون ضغوط. نحن في هذه البلاد جزء من هذا العالم المضغوط، لكن الضغوط التي نتعرض لها كبيرة، وأكبر مما نستطيع تحمّله كبشر.
نحن واقعون تحت ضغوط التحالف الفاشل، وضغوط الحكومة الفاشلة، وضغوط المجلس الانتقالي الذي فضّل أن يلعب دوراً يعكس العجز المطلق برغم وجود مؤهلات حركة لديه أفقدته إياها سياساته (غير المفهومة لنا كشعب) مع الغير، ممن لا يرحمون الميّت ناهيك عن الأحياء. الضغوط المسلطة من الحلفاء والأوصياء والمتمثلة في فكفكة ما تبقى من منظومة الدولة والغياب المتعمد للدور الأبسط الذي تقوم به أي دولة من تقديم الخدمات العامة الاعتيادية للشعب.

هذه الانهيارات التي طالت كل شيء، من انهيار العملة، وندرة اللقمة، والعيش في الحر والظلمة وتفشي الفساد من نهب الأراضي إلى غياب القضاء، إلى غياب التعليم شبه المحترم وفقدان منظومة الصحة العامة، إلى غير ذلك مما لا يسمح لنا به هذا الحيّز هنا.
هناك درجات حركة كانت متاحة لدى الانتقالي لخدمة الشعب والقيام بالدور الذي فُوِض به، وكان قد جرب القيام بدوره وبدأ بالنجاح، لكنه كُبِّل وسرق التحالف مفتاح قيده، ولا يزال مقيداً فاقد الحركة.

والحل في تقديرنا المتواضع هو تكوين وإنشاء جبهة وطنية جنوبية عريضة طلائعها من الشباب الأحرار غير المشدودين لأي ماضٍ كان جيداً أم سيئاً، شباب يحملون حلمهم بالحياة الكريمة، ويطمحون ببناء دولة وطنية حرة جاهزة للتعاون مع العالم في إطار تبادل المصالح مع الغير والعالم، قادرين على إيصال رسالة للعالم بأن تجويعنا وقهرنا كشعب جنوبي لن يفضي لتحقيق مصالح الآخرين، بل يقربنا أكثر إلى لحظة الاصطدام المباشر معهم، وحينها لن يحصلوا على مطالبهم، وسيعرفون أن كل ما نعانيه من تعذيب وقهر، لم يترك لنا شيئاً يمكن لنا أن نخاف عليه. وهمسة لمجلس الأمن: عليكم أن تعرفوا أن الصومال قد تجاوزكم حين أهملتموه ولم يخسر، بل يحيى حياة أفضل من أي حياة كنتم ستبنونه بها، يحيا من ثرواته وليس بحاجة إلى كراتين تمر، أو منظمات مشبوهة يمكن أن تمن بما تصرفه من بضعة دولارات لم يستفد منها الشرفاء من الجياع. وأنتم تعرفون أن اليمن بشماله وجنوبه يمتلك أكثر بعكس ما تصفونه بشحة في الإمكانيات، وقادر على أن يطعم الآخرين وقد فعل ذلك ذات يوم في تاريخه الطويل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى