الجنوب.. التحديات والمخاطر

> لم يمر الجنوب في تاريخه الحديث أو القديم بمخاطر أو تحديات كما يمر فيه اليوم، تكالبت عليه المؤامرات من كل جانب حتى أصبح في حيرة من أمره، حيث أصبح من الصعب عليه التمييز بين الغث والسمين، ومع كل ذلك سيجتاز كل الحواجز بنجاح، لأن التاريخ والجغرافيا يؤكدان ذلك، فالجنوب تاريخ وهوية ولَم يكن تابعاً أو فرعاً لأحد، ولن يكون موضوع مقايضة لأحد.

من بين أهم المخاطر التي يواجهها الجنوب أن وجد كل النخب الشمالية سياسية كانت أو قبلية دينية قومية منها يسارية أو يمينية تقف ضده، وتعتبره تابعاً وفرعاً لا بد من عودته للأصل، وأظهرت الوقائع خلال الثلاث العقود الماضية صحة ما ذهبنا إليه، فطوال تلك العقود الماضية يسير شعب الشمال بكل قواه وراء قياداته التي أذاقت الجنوبيين عذابات متعددة، وبلغ الظلم مداه عندما لم يستنكر أحد اجتياح الجنوب عسكرياً عام 94م، وعند تكفير الجنوبيين واستباحة دمائهم وأموالهم عبر الفتوى الشهيرة لم يعترض أحد، ولم يستنكر أحد عندما سُمح لعصابات مسلحة أن تغتال العسكريين الجنوبيين طوال تلك الفترة، وحرمان عشرات الآلاف من وظائفهم، والكثير من المظالم الموثقة، وكل ذلك تحت مسمى الحفاظ على الوحدة بالدم والآلام ومعاناة الجنوبيين، ولم يحدث في التاريخ مثل ذلك الاصطفاف.

تقاتلوا على الغنيمة الجنوبية وتصارعوا على السلطة فيما بينهم في صنعاء ولَم ينسوا الجنوب، بل أرسلوا عناصرهم الإرهابية تحت مسمى أنصار الشريعة، ليتسلموا محافظة أبين، وتسببوا بقتل المئات وتدمير المدن، ونشطوا خلاياهم الإرهابية في قتل الكوادر الجنوبية، ومن أبرز ضحاياهم قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء قطن قائد تحرير أبين، وأيضاً اللواء عمر بارشيد، والكثير من الضباط الطيارين والمهندسين وغيرهم.

لم يسمحوا لصاحب أبين الذي اختاروه رئيساً بالاستمرار، وانقلبوا عليه وعلى الإجماع الوطني، ولأنهم لم يتفقوا فيما بينهم فقد أحضروا من يستلم الأمانة من كهوف مران كحل وسط لتعود الأمانة إلى أصحابها التي فقدت عليهم منذ ستينات القرن الماضي، وبعدها توجهوا معاً جنوباً لتأكيد احتلاله بنفس الجيوش التي مرت في عام 94م مع إضافة مليشيات مران المتدربة على أيدي خبراء إيران، ومن تلك اللحظة وضُع الجنوب أمام تحديٍ وجودي أثبت بإمكانياته الذاتية تصديه لجحافل الغزو الجديد ببسالة منقطعة النظير، ولَم يسبق لها مثيل في التاريخ بأكمله.

بعد شهرين من عاصفة الحزم، وبعد أن تأكد أن الجنوب سينتصر خاصة، وأن الضالع أعلن الانتصار على جحافل العدوان، تم استدعاء حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) إلى الرياض، ليطلب منه الإعلان عن وقوفه مع الشرعية، وكان شرطه الأساسي أن يسيطر على دفة أمور الشرعية وكان له ما أراد، ومن هنا بدأت مسيرة تدمير الانتصار الكبير الذي حققه الجنوب على المشروع الفارسي، وقد فطن الجنوب للمخاطر القادمة من جراء سيطرة حزب الإخوان على دفة الشرعية.

وخلال حرب السنوات السبع كان هذا الحزب يصطنع المعارك في جبهات متعددة حتى بنى جيشاً بسلاح وأموال التحالف تحت وهم هزيمة المشروع الفارسي في اليمن واستعادة العاصمة صنعاء، لكن في الواقع أظهر العكس من ذلك، وكانت هناك سلسلة من الانسحابات غير المبررة من جبهة إلى أخرى تاركاً وراءه ترسانة من الأسلحة والمعدات الحديثة والمتنوعة في المعسكرات والجبهات، لتضيف إلى تسليح الحوثي ترسانة جديدة، مما يوحي بأن هناك توافقاً بينهم وبين الانقلابيين، وأظهرت الوقائع، بما لا يدع مجالاً للشك، أن معركتهم الرئيسيّة صوب الجنوب المحرر بعد أن مهدت الشرعية الأرضيّة عبر معاركها المستمرة في السنوات الماضية، وكان التحدي الأكبر عندما فتحت أبواب شبوة لما يسمى بالجيش الوطني القادم من مأرب، ليسير معه جهاديو القاعدة صوب عدن تحت مسمى عملية خيبر، وكادت تسقط عدن لتصبح أمارة داعشية لولا صمود الأبطال والتصدي لهذه الجحافل على أبواب عدن، وعادت خائبة إلا أنها ما زالت مرابطة على تخوم عدن، ولَم ينتهِ عند ذلك، بل شنت الشرعية حرباً لا تقل شراسة عن سابقاتها عندما استخدمت سلطاتها بتعطيل الخدمات ومنع الرواتب حتى أصبح الوضع المعيشي في محافظات الجنوب لا يطاق بهدف إثارة الناس ضد الانتقالي، إلا أن تلك السياسة البائسة فشلت، لأن شعب الجنوب تحمل وكان عند مستوى التحدي، ويعي جيداً من يقف وراء تلك الحروب الدنيئة.

ضاعت عليهم الدولة وسلمت إلى مليشيات ترتبط بإيران، وأصبح الحوثي يمارس إدارة الدولة دون أي معارضة من قبل كل القوى السياسية الشمالية ونخبها القبلية والدينية والعسكرية وكل شرائح المجتمع، وبدلاً من أن يرصوا صفوفهم لاستعادة دولتهم، تحولوا جمعياً إلى توجيه سهامهم ضد الجنوب الذي تحرر من قبضة الحوثي، وقد رموا كل ثقلهم تجاه الجنوب بعد أن أوقفوا الجبهات فيما بينهم، ومع الأسف نراهم يتسابقون على من يوجه منهم الطعنة الأخيرة للجنوب، وخاصة بعد أن تأكد لهم أن مسار التوافق على حلول سياسية لإنهاء الحرب يجري طبخها على نار هادئة في عواصم إقليمية ودولية، ولَم يكتفِ الأمر عند ذلك، بل يتم مؤخراً تمكين الانقلابيين من عبور الحدود الجنوبية بتواطؤ مفضوح من قبل الجيش المسمى وطني، وهذا أحد المخاطر الكبيرة التي تحدق بأمن الجنوب، ويتطلب رص الصفوف للدفاع عن الأرض الجنوبية.

الشيء الملفت أن العالم والإقليم يشاهدان ما يجري دون أن يحركا ساكناً، بل هناك من لا يزال يدعم تلك الأطراف، ولا يدري أحد أن هناك من أعطى الضوء الأخضر لتسديد الضربة القاضية في شباك الجنوب قبل أن تُعلن صافرة نهاية اللعبة.
مع الأسف انتهت الحرب الباردة إلى غير رجعة، لكن هناك من لا يزال يعيش تفاصيلها ويمارس هوايته في الانتقام، ولا يدري أن ذلك لا يزيد الجنوب إلا إصراراً وثباتاً على نيل حقه دون أي نقصان.

من أبرز التحديات أمام الجنوب يتمثل في توفير الخدمات والرواتب والحفاظ على الأمن والاستقرار وتطبيع الحياة مع الجاهزية القتالية للتصدي للإرهاب ومحاولات اختراق الحدود الجنوبية من قبل الانقلابيين ومن يقف وراءهم.

ليت قومي يفهمون أصول اللعبة السياسية، ويرتقون إلى مستوى المسؤولية التاريخية، ويعيدون ترتيب البيت الجنوبي وما زال هناك متسع من الوقت، ويلتفون حول المجلس الانتقالي الذي أصبح اللاعب الجنوبي على الأرض، والذي يقف صامداً لصد مؤامرات أعداء الجنوب، وهذا هو التحدي الأكبر أمام الجنوبيين في هذه المرحلة، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يقود إلى تحقيق النصر.

مقال خاص بـ"الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى