الطرقات في عدن.. أزمات واختناقات وتجاوزات لم يسكت عنها سوى المرور

> عدن «الأيام» فردوس العلمي:

>
  • مشاة: لا نجد طريق أمان وأصحاب المشاريع التجارية استولوا على المساحات
  • بعد عقود زاد خلالها التعداد السكاني أضعافًا وأعداد السيارات .. لازالت طرقات عدن كما هي
في طرقات عدن تجد العجب والتناقض بين الفعل والقانون، القانون الذي غاب فحلت الفوضى محله. قانون المرور أعطى كل ذي حق حقه  سواء مركبات أو طرقات أو مشاة أو سائقين، حدد كل شيء هذا القانون الصادر بقرار جمهوري رقم(46) لسنة 1991والمعدل في سنة 2002 والذي حمل الكثير من المواد والتعليمات والآداب الخاصة بقواعد السير التي لا أثر لها في ممارسات السائقين والمشاة. حيث تؤكد المادة رقم (3) الفصل الثاني الفقرة الأولى (لا يجوز لأي شخص أن يسوق أية مركبة آلية على الطريق، ولا يسمح بذلك لأي شخص آخر ما لم تكن تلك المركبة مسجلة، وتحمل لوحات معدنية مميزة لها بمقتضى أحكام القانون)  والمادة رقم (23) الفصل الثالث بأنه (لا يجوز لأي شخص أن يسوق مركبة آلية على الطريق ما لم يكن حائزًا على رخصة قيادة سارية المفعول صادرة من سلطة الترخيص تخول قيادة ذلك النوع من المركبات الآلية) والمادة رقم (15)  أنه (لا يجوز لأي شخص أن يستعمل أية مركبة  آلية على الطريق ما لم تحمل لوحتين معدنيتين صادرتين من السلطة المختصة تثبت أحدهم في المقدمة والأخرى في المؤخرة باستثناء الدراجة الآلية فتثبت بالشكل الذي يتلاءم مع الهيكل الأمامي).

وعلى الرغم من وجود تلك المواد القانونية إلا أننا نجد الكثير من السائقين لا يحملون رخصًا وكثيرًا من السيارات لا تحمل أرقامًا معدنية؛ بل عبارات وجمل، أيضًا المادة رقم (27) الفصل الثالث حددت من يستطيع الحصول على رخصة قيادة، حيث تقول الفقرة الثانية (لا يجوز منح رخصة قيادة المركبات الآلية إلا لمن أكمل السن التالية: 17 سنة ميلادية على الأقل لسواق الدراجات الآلية. و18 سنة ميلادية على الأقل لسواق السيارات الخصوصية، التي لا يزيد عدد ركابها عن عشرة خلافًا للسائق. و18 سنة ميلادية على الأقل لسواق المركبات الزراعية والإنشائية والجرارات والرافعات ومركبات الرفع الشمولية. و19 سنة ميلادية على الأقل لسواق سيارات النقل الخفيفة أو الحافلات الخصوصية التي لا يزيد عدد ركابها عن 26 راكبًا خلافاً للسائق ) وعلى الرغم من هذا تجد في طرقات عدن أطفالًا لم تتجاوز أعمارهم عشر سنوات يسوقون مختلف أنواع المركبات والأليات.

الفصل الثالث من هذا القانون يحدد قواعد المرور وآدابه، والمادة رقم (41) الفقرة رقم (2) الفصل الخامس تلزم مستعملي الطريق من سائقين ومشاة بآداب وقواعد المرور، الفقرة الأولى تقول (على مستعملي الطريق الالتزام بقواعد وآداب المرور وإطاعة تعليمات رجال المرور أو من يقوم مقامهم بصورة رسمية فور صدورها)، والفقرة الثانية تحذر مستعملي الطريق (تفادي كل ما من شأنه أن يشكل خطرًا أو يسبب عرقلة لحركة المرور أو يلحق الضرر بالأشخاص أو الممتلكات العامة والخاصة وتحاشي وضع أو ترك أشياء أو موادًا على الطريق أو خلف عوائق أخرى مهما كان نوعها وعلى كل مركبة تقف في الطريق أن تلتزم الجانب الأيمن). وعند المشاهدات يمكنك ببساطة وفي أي مكان أن تلحظ العوائق في الطرقات من مولدات بمختلف الأحجام وكثيرًا من المطاعم استباحت المساحة الأمامية، وكذا المحلات التجارية وتجد السيارات تقف على جانبي الطريق، وعدم احترام رجال المرور، كل هذا يؤدي إلى ضيق الطرقات والجولات.  وهو ما أكدت المادة رقم (4) على عكسه إذ حظت السائقين على احترام المركبات ذات الأهمية مثل الدفاع المدني الإسعاف (على مستعملي الطريق إفساح المرور للمركبات الهامة ذات الأفضلية عندما يعلن عن اقترابها بواسطة منبهات صوتية وضوئية حتى لو استدعى الأمر التوقف مع مراعاة عدم تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر) وهنا يمكن تبرأة القانون من أي قصور، حيث أنه تناول جميع الحيثيات، إنما الخلل يكمن في التطبيق وتحويل هذه المواد القانونية إلى معاملات واقعية يلتزم بها كل مستخدمي الطرقات. "الأيام" في جولة سريعة بين الجولات والطرقات الضيقة لرصد آراء المواطنين والسائقين عن عشوائية السير ومدى الالتزام بقانون وآداب المرور، فتلك قضية يطرحها المواطنون سائقون ومشاة أمام طاولة مدير شرطة السير في عدن ومدير العوائق مطالبين بسرعة اتخاذ القرار المناسب وإيجاد حلول للحد من ازدحام الجولات، وإزالة كل ما يعيق ويسبب زحمة في الطرقات الضيقة أصلًا.

ويرى سائقو المركبات سواءً الخاصة أو العامة أن الازدحام المروري وضيق الطرقات معاناة يعيشونها بصورة يومية، ففي جولتي السفينة والغزل والنسيج وما بينهما رحلة سفر مريرة وأزمة مرور خانقة وأزمة أخلاق أيضًا من قبل بعض السائقين، فالمشوار الذي يستغرق عشر دقائق يأخذ منك ساعة ونصف للمرور بسبب عشوائيات الجولات خاصة إذا كنت قادم من جولة السفينة إلى الشيخ عثمان، وإذا تنفست الصعداء ومررت بسلام من جولة السفينة بعد عناء تصل جولة القاهر فتعاني أزمة جديدة،  ولا يختلف الوضع في جولة الغزل والنسيج عما قبلها، فهناك حدث ولا حرج،  ازدحام مرور خانق يجعلك تتمنى السير مشيًا على الأقدام، فهذه الجولات تعد الأسوأ في المدينة من حيث عدم الالتزام، وحتى الاحترام والأدب العام، فالسائقون هناك لا يحترمون حتى سيارات الإسعاف، الكل مستعجل والكل يسابق، لا أحد يحترم أحدًا، تقطعات متداخلة تتكون منها ست خطوط بسبب عشوائية السائقين إلى جانب الألفاظ البذيئة التي تسمعها وأنت تسير في سيارتك، أو تكون راكبًا في أحد الحافلات، ويرميك حظك أن تمر  بين هذه الجولات. معاناة الطرقات ناقوس موجع يحمّل المواطن الكثير من المشاكل والمعوقات.

وهو ما يؤكده السائق محمد ناصر، سائق "دباب" في خط دار سعد الشيخ عثمان في العقد السادس من عمره، يقود مركبته بهدوء وهو يردد يا الله الجولة فاضية فضحك أحد الركاب ورد عليه السائق: "أصلًا أنتم مش عارفين معاناتنا بالجولات نحن سائقو الباصات بمختلف أنواعها وكأننا في غرفة عمليات خطيرة، نجازف في المرور وندعو الله أن نخرج منها بسلام فمن يخرج منها كأنه ولد من جديد فالسواقة أصبحت قتال والبقاء للقوى".

وليد أحمد عوض، سائق سيارة خاصة قال: "الزحمة تسبب تأخير و شجار لا يحمد عقباه، في كثير من الأوقات نجد أنفسنا دخلنا في  مضرابة ليس لنا فيها ناقة ولا جمل بسبب  الزحمة "، مؤكدًا على ضرورة إعادة التخطيط للشوارع  وعمل جسور وكباري مثل الدول الأخرى، "عدد السكان زاد  والسيارات زادت ولا في  أي تغيير في الطرقات و الشوارع، في السابق كان لكل أسرة سيارة الآن الكثير من الأسر تمتلك أكثر من سيارة ولا توجد آلية لتحسين الشوارع وتوسعتها، إضافة إلى أن بعض  السائقين يركن السيارة بصورة خاطئة أو في المكان الغلط أو يكون عاكس خط، كل هذا يؤدي إلى ازدحام، رجل المرور مسكين الله لا يستطيع عمل شيء ولا توجد حماية لرجل المرور وأغلب السائقين بلاطجة ولا يحترمون المرور، لهذا تجد رجل المرور لا حول له ولا قوة، عاده كثر الله خيرهم أنهم يداومون وهم بلا رواتب".

أما نادية محمد فقالت: "والله الجولات أصبحت همًا يوميًا، أنا أعمل في المنصورة وتقريبًا خط الجسر والجولات أكبر مشكلة أواجهها كل يوم ولو ما واجهتها الصباح أواجهها العصر حين أعود من العمل، الزحمة خانقة ورجال المرور زي قلتهم على الرغم من كثرتهم، ونحن لا نلوم رجل المرور فكثير من الناس أصبحت بلا أخلاق، ولا تحترم أحدًا، وكل هذا بسبب غياب الدولة وعدم تطبيق النظام والقانون ".

وتضيف: "ليس في الجولات فقط الزحمة لكن حتى الطرقات أصبحت زحمة بسبب تجنيب السيارات في كلي جانبي الطريق مما يؤدي إلى إعاقة باقي السيارات وخلق زحمة من العدم".
وتتمنى نادية ذات الخمسة والعشرين عامًا أن تقود سيارتها بأمان وتطالب إدارة مرور عدن بضرورة عمل فرق مرورية وإعادة تشغيل إشارات المرور الضوئية.

نجوى عمر، هي الأخرى تقود مركبة صغيرة، ولم تختلف معاناتها عمن سبقها بالحديث، لكنها  أوضحت بأن المتسولين أصبحوا عرقلة إضافية في الطرقات، حيث تجد مجموعة تحتل منتصف الطريق حتى في خط الجسر قرب الجولة أو الباعة من الأطفال ما يصيب السائق بالعمى، خاصة وأنهم يظهرون فجأة بشكل مربك حسب ما تصف.
هذا بالنسبة للسائقين الذين يجب أن يكونوا أكثر مستخدمي الطريق التزامًا بآدابه التي لم يعد يعمل بها، أما بالنسبة للمشاة فمعاناتهم تبدو أكثر خطورة من كونها صعبة، فما يحدث في الشوارع من فوضى تنم عن جهل وعشوائية مستخدميه ولا مبالاتهم بقوانين لم تتعد كونها حبرًا على ورق من فترة طويلة من الزمن.

مصطفى مراد، أحد المواطنين الذين التقيتهم وتحدثوا عن مشاكل الطرقات حيث قال: "أصبحنا كمشاة لا نجد مكانًا نمشي فيه وأصبحنا ننافس السيارات في طريقها، نتيجة ضيق الممرات التي أصبحت مملكة خاصة لأصحاب المحلات والمطاعم والكافتريات ممن استولوا على المساحات أمام محلاتهم  وترك المولدات تحتل مساحات واسعة من الطرقات من خلال وضع طاوات الخبز والكراسي، ونتيجة أخذ مساحة من الطرقات والممرات الخاصة بالمشاة للسيارات الواقفة على جانبي الطريق، نطالب إدارة المرور بعمل دوريات راجلة من رجال المرور في الطرقات الفرعية وتحديد  اتجاه ومواقف السيارات في الشوارع الداخلية،  ومنع تجنيب السيارات في كل الجانبين فهذا يحرم المشاة من مساحة يمشون فيها بأمان؛ لأنه من الصعب بطرقات ضيقة السماح بتركين السيارات في الاتجاهين".

وتقول هدى نجيب، بأنها تعاني الكثير كمستخدمة للطريق العام، "فقبل 5 سنوات كنت مع ابنتي أزور صديقتي في أحد المديريات، ونتيجة ازدحام الرصيف لم أعرف كيف أمشي، وكنت أمسك ابنتي بعمر 8 سنوات ونتيجة لمرورنا بقرب أحد المطاعم   أثناء محاولتي الابتعاد عن طريق السيارات لم انتبه لوجود طاوة خبز  أمام المطعم وكانت النتيجة أن احترقت يد ابنتي لكن  الحمدلله جاءت سليمة".

وترى بأن طرقات المشاة أصبحت زحمة لا تطاق بسبب أصحاب المطاعم الذين استباحوا الرصيف بشواية الشبس والشوارما وطاوات الخبز وإضافة إلى وجود سيارات الخردة  التي تركها أصحابها لتأكيد حقهم بالتعويضات بعد حرب  2015 م، لهذا لا يجد  المشاة مكانًا إلا في طريق السيارات.
الناشط المجتمعي والحقوقي عادل فرج، تحدث عما يسببه ازدحام الجولات من تأخير الكثير من المصالح  وقال "التأخر عن العمل وقضاء المصالح بالوقت المأمول إضافة إلى زيادة الحوادث وتصادم السيارات وحدوث النزاع بين السائقين بسبب رغبة كل سائق في السير أولًا  إضافة إلى مشكلة  الظلام التي تسبب  زحام السيارات في حالة عدم توافر الإضاءة الكافية أو عند انطفاء الكهرباء، كل ذلك سلبيات استخدام الطريق العام بلا قانون" .

ولتجنب الازدحام قال: "لا بد من بناء طرقات جسرية أو تخطيط طرقات أرضية أخرى وتحسين درجة الإضاءة في الطرقات المزدحمة بالسيارات".
وفي ظل عشوائية الطرقات توجد فئة آخر متضررة من هذه العشوائيات وهم الأطفال الذين حرموا من مساحات للتنفيس، فنجد الأطفال يلعبون في منتصف الطرقات  فماذا يقول الأطفال عن ذلك ..

الطفل محمد 10 سنوات قال: "لا نجد مكانًا للعب إلا  في الطريق، كم من صديق صدمته سيارة  وهو  يجري خلف الكرة، لكن لا نجد متنفسات  نلعب فيها، ولا مكان نمشي عليه، السيارات كثيرة ونحن لا نستطيع  أن نلعب أو حتى  نمشي  في الطريق ".
ويحكي الطفل ببراءة وألم وهو يتذكر حكاية صديقه الذي  صدمته سيارة قائلا: "رحنا أنا وأمي وصاحبي علي  وأمه إلى الشيخ عثمان عشان نشتري ملابس العيد نحن رجعنا إلى بيتنا وصحابي علي رجع مكسر، صدمته سيارة وهو بيد أمه .. جاءت سيارة مسرعة وخبطت صاحبي وتكسرت يده ورجله لأن الطريق كان ضيقًا وفي سيارات كثيرة فيه ومجنبة ما عرفنا فين نمشي،  الرصيف كان فيه سيارات كثيرة واضطرت أمي وأم صاحبي  إلى المرور بخط السيارات لهذه صدمته السيارة ".

أما الطفلة نرمين فأجابت عن سؤالي حول رأيها بالزحمة والاختناقات: "ماعد نعرف نلعب شبدلو  ولا حبس أمان ولا غميضان ما فيش مكان نرجع نجلس فوق السيارات ونغني".
وتعبر نرمين وصديقتها نسرين عن خوفهما من سيارات "الكندم" المرمية في الطرقات من 2015 وقالتا: "نخاف من السيارات المكسرة فهذه السيارات تجلس تحتها أو في داخلها كلاب وساعات نحصل حنشان والله نروح من المدرسة تعبانين  والعصر ما نحصل مكان نلعب، نروح الحديقة نلاقيها زحمة نشتي مكان نلعب فيه بالحافة حقنا".

قد لا تبدو للكثير بأنها معاناة، إلا أنها معاناة فعلًا وكبيرة وآثارها ستظهر بشكل مرعب بعد زمن، فالأزمات التي أثرت على البالغين بشكل ملحوظ أثرها يكون أبلغ على الأطفال الذين على الرغم من صغر سنهم استطاعوا أن يتحسسوا مواضع الخطأ فيما يظل الكثير من أصحاب القرار في غفلة لا يعلمون أو لا يريدون أن يعلموا.
وعلى الرغم من حملات المرور المنفذة مع رجال الأمن لمنع السيارات غير المرقمة والأشخاص غير الحاملين لرخص القيادة، إلا أن المظاهر المزعجة لا زالت تغزو المدينة ونرى كثيرًا من الأطفال يقودون سيارات وليست سيارات خاصة؛ بل سيارات نقل ما يزيد من حجم الكارثة إذا ما وقعت. ما نقل هنا على لسان المواطنين ما هو إلا جزء يسير من شتائم ودعوات من منتصف الطرقات وزحمة الجولات نأسف على الحال التي وصلت إليه عدن وعدم إعمال قوانينها التي هي كافية بإنهاء كل تلك المعاناة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى