تداعيات الانسحاب من افغانستان

> مر على انسحاب القوات الامريكية من افغانستان حوالي شهر هل كان هروب تاريخي من مأزق تورطت فيه امريكا خاصة وقد شاهد العالم الارتباك والفوضى العارمة التي رافقت ذلك الانسحاب حتى اقرب الحلفاء لأمريكا لم يكونوا على علم مسبق ولا مستعدين لذلك الحدث وهذا ما ضاعف من شدة الارتباك ....انها افغانستان هي البداية وهي النهاية عصيه على الإمبراطوريات التي احتلتها وكالعادة الواقع يفرض شروطه القاسية على المحتل ولهذا تمت تفاهمات بين الأمريكان وطالبان عبر مفاوضات مباشرة ببنهما في دولة قطر لاكثر من سنه وكان قد تحدد موعد الانسحاب وتفاصيله وكانت الحكومة الأفغانية الشرعية اخر من يعلم بذلك الحدث مما ادى الى هروبها من المسرح باقل الخسائر وترك الملعب لطالبان وأمريكا ليرقصا فيه رقصتهما الاخيرة

لم تنتصر طالبان ولَم تهزم امريكا ولكن كل ما في الامر كانت اسواء صفقة عقدتها امريكا مع طالبان أظهرتها وهي تتخبط ما تدري ماذا تفعل وأظهرت طالبان اكثر ثقة وتتصرف بأريحية مع توابع الهروب او الانسحاب الامريكي والسبب الرئيسي ان امريكا عقدت الصفقة مع طالبان من خلف الحكومة الشرعية التي تدعمها وايضا من وراء ظهر حلفائها الغربيين وكان ان ترك الجيش الأفغاني ارض المعركة وقرر عدم مواجهة طالبان وايضا قرر راس الدولة الأفغانية عدم المواجهة لتجنب المزيد من اراقة الدماء بين ابناء الشعب الواحد

ما هي تداعيات الانسحاب الامريكي ؟
هناك أطراف متعددة جوار افغانستان على صلة بما يدور فيها من احداث دراماتيكية خلال العقود الأربعة الماضية وأي تغير فيها سلبا او ايجابا ينعكس عليها ولهذا كل طرف فهم المتغيرات الجديدة على طريقته منهم من شعر بانه اصبح لدية قدرة على ملىء الفراغ ومنهم من شعر بانه اصبح عاري من اَي حماية ومنهم من شعر بان نهجه كان صائبا وسيستمر في مواصلته

ولكن جوهر ذلك الانسحاب يتلخص باعادة قراءة جديدة لاستراتيجية أمريكية تعدها لخوض معاركها في ميادين ومسارح عملياتية اخرى ذات بعد ستراتيجي وهي بهذا الانسحاب تسقط عن كاهلها بعض الأعباء التي تتحملها وتعتبرها غير ضرورية في المكان والزمان واللحظة الراهنة وانه يجب ان يتحمل هذا الوضع الجديد اخرين وليست معنية بالدفاع عنهم وحمايتهم فالصين تعتبر الطرف المعني بهذا الانسحاب وكان لابد من إشغال هذا البلد الصاعدة في شئون افغانستان وإغراقها في أزمات المنطقة المجاورة لها ليتسنى للمشروع الامريكي البريطاني الأسترالي تحجيم توسعها في المحيط الهادي وبحر الصين وتقليص نفوذها هناك

سيكون هناك خاسرين إضافيين في عملية الانسحاب الامريكي من افغانستان وهما الهند وايران وسيتقلص نفوذهما في هذا البلد ويمكن يؤدي خروج الأمريكان منها الى اشتعال الصراعات الدينية مع البلدين حيث كانت امريكا تحمي حدود ايران الواسعة مع افغانستان وفِي نفس الوقت تتشارك الهند وأمريكا في الحفاظ على الاستقرار داخل افغانستان بتحجيم تمدد الحركات الدينية المتطرفة في ارض الهند

ستضطر الصين الى تخصيص وقت إضافي للحفاظ على أمنها وعدم تقويض مشروعها التجاري طريق الحرير عبر تحقيق مساومات متعددة مع باكستان وأفغانستان لتحقيق الاستقرار وستكون لباكستان ميزة اكبر في التأثير على افغانستان بسبب العلاقة التاريخية والروابط الدينية بينهما ومن الجانب الاخر ستكون روسيا طرف في المعادلة الامنية وستظل على اهبة الاستعداد للتعاطي مع اَي تطور يزعزع امن واستقرار دول اسيا الوسطى التي تعتبر بالنسبة لروسيا خط الدفاع الاول لأمنها القومي لمحاربة التطرف الإسلامي القادم من افغانستان

لم يكن انسحاب او الهروب الامريكي اعتباطًا ولكنه ازل حمل كبير من على كاهل امريكا كانت تتحمله خلال العقدين الماضيين بالنيابة عن الآخرين في تلك المنطقة الحساسة لتضع اقدامها على محاصرة الصين في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة لامنها القومي والعالمي في المحيطين الهادي والهندي

زلزال انسحاب امريكا من أفغانستان ظهر توابعه على الفور في باريس التي تلقت صدمة إلغاء عقد الغواصات مع استراليا لكن باعتقادي سيتم تسوية هذه الازمة بمنح فرنسا مجال حيوي للاستثمار في مكان اخر من العالم لتعويض خسائرها المادية من جراء إلغاء تلك الصفقة وهناك تخادم بين الدول الرأسمالية في تقاسم ثروات العالم بينهم وستكشف لنا الايام والشهور القادمة اين سيكون مكان التعويض وفِي اَي بقعة في العالم

كما ظهر جليًا لحلفاء امريكا بان تحالفهم معها تستخدمهم فقط لتحقيق مصالحها الحيوية. وترميهم بعد تحقيقها في قارعة الطريق دون ادنى اعتبار لمصالحهم الحيوية

بقى ما يخص تاثير ذلك الانسحاب على المنطقة العربية هناك من اعتبر ذلك نصر وهناك من شكك في نوايا الولايات المتحدة وهناك من لا يملك استراتيجية محددة حول مواجهة التطورات في المستقبل وينتظر ما تجود فيه الاحداث من نتايج بينما الولايات المتحدة الامريكية لا تعتبر منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن اولوية استراتيجية بالنسبة لها وهي قد فتحت منذ بداية الألفية الثالثة أبواب صراع سيستعر لعقود قادمة بغزوها للعراق وتدمير الدولة العراقية وتسليمها ايران على طبق من ذهب وتوالت بعدها سقوط الدول العربية واحدة بعد الاخرى كقطع لعبة الدومنه عبر سياسة الفوضى الخلاقة التي انتهجتها الولايات المتحدة الامريكية في عهد بوش الابن وتركتهم في حروب بينية واشتباكات طائفية عبر تأجيج الصراعات الدينية بعضهم يتبع ولي الفقيه والبعض الاخر يتبع المرشد وكلامها يصبان في خانة واحدة وهي تمزيق البلاد العربية والاستحواذ على ثرواتها ومواقعها الاستراتيجية. الهامة

اعتقد بان العرب حتى اللحظة لا يملكون ستراتيجات وخطط مسبقة لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة بشكل موحد وهم كالعادة متلقين للزلازل والصدمات منفردين ولا يوجد لديهم حتى تفكير بوضع ستراتيجات وخطط موحدة تخص أمنهم واستقرارهم ولمواجهة التحديات القادمة وهم أضعف حلقات الصراع على المستوى الإقليمي والعالمي.

مقال خاص بـ"الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى