عدن "جنة الأرض".. أما آن لها أن تنعم بالأمن والاستقرار

> منذ تحريرها في يوليو 2015، وهي تتعرض لشتى أنواع الحروب، وآخرها ما حدث في الأيام القليلة الماضية من أعمال عنف وتمرد في حي سكني مزدحم بالسكان في محافظة عدن (مدينة كريتر)، وهذه ليست المرة الأولى، ولكنها الثالثة لنفس الشخص.

السؤال من الذي يقف وراءه؟ ومن يقوم بتمويله بالسلاح والمرتبات؟ طيب، لماذا لم يتم محاسبته في المرات السابقة؟ وكان واضح أن كل التمردات السابقة مرت دون محاسبته، واتضح أن نهج التسامح مع من يخترق القانون لا يجدي، بل يعطيه دفعة جديدة لارتكاب أفظع الجرائم، لأنه مطمئن بأنه فوق القانون، وأن هناك من يحميه، وهذا الأمر يشجع الآخرين للقيام بمثل هذا النمط من الاستهتار بأرواح الناس وإقلاق سكينة المواطن. ما ذنب ساكني عدن لكي يتحملوا صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ وإلى متى سيتحملون كل خلافات ونزاعات الطارئين على عدن؟

تأخر الانتقالي بإطفاء نار الفتنة التي كانت ستحرق الأخضر واليابس، والتي لا تبقي ولا تذر. هناك من كان يعبث بالأمن الاجتماعي في عدن، وأظهرت أحداث كريتر أن قوات مجهولة الهوية نشأت في فترة فراغ أمني تم غرسها في عمق المجتمع العدني، تمارس مهام لا علاقة لها بالقانون ولا بالنظام، وقد ظهر منها تصرفات لا يحتملها المجتمع، أصبحت تعمل مثل محاكم التفتيش في القرون الوسطى، تفتش في ضمائر الناس، وتحكم عليهم، بل ولا تسمح حتى بدفنهم في مقابر المسلمين، هذه بادرة خطيرة أشعلت النيران في المجتمع العدني المسالم الذي من سماته احتضان مكونات دينية وعقائد مختلفة، تعايشت بسلام وأمن واستقرار طوال العقود السابقة.

كانت مهمة هذه القوات ملتبسة وغير واضحة حتى الشرعية لم تدعي انتسابها إليها علنا، فقد تمادت في فرض الإتاوة خارج القانون، والنظام والتدخل بشؤون وحياة المجتمع المدني، وفرض طقوس لا علاقة لها بالعادات والتقاليد، ولأنها بلا حاضنة شعبية، وترفض تصرفاتها استعانت بعناصر جلبتهم من مكون اجتماعي خارجي لا علاقة له بالمجتمع العدني، لتزج بهم في صراع يكاد يصل إلى مرحلة الصراع الجهوي، الذي إن نجح سيكون بمثابة إشعال نار الفتنة لتمتد إلى مناطق أخرى، ولن يستطيع أحد وقفها لأنها نار عمياء، تلتهم أمامها كل من يصادفها، وعندها سيدخل المجتمع في صراع لا ينتهي، يخدم أجندات خارجية مشبوهة الهوية.

من الحكمة أن يتم معاقبة المتورطين وعدم التسامح في أمن عدن ليكونوا عبرة للآخرين، كما يتم استخلاص الدروس في معالجة الوضع الأمني وعدم السماح بوجود مكان للطارئين على عدن في التحكم في أمنه واستقراره وإعادة ترتيب وحدات الأمن في المدينة من أبنائها، ويكون لمن كان مقاوما حقيقيا الأولوية في الانتساب إلى وحدات أمن عدن، ويتم ذلك على الفور كعملية تصحيحية عاجلة.

إن مرت هذه الحادثة دون عقاب ستكون العواقب وخيمة، فقد نفد صبر سكان عدن من التجاوزات والعمل خارج القانون، فالشرعية غير مهتمة بحماية السكان، وهي مشغولة بأمور أخرى تكاد تكون بعيدة عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، لأنها لم تقم بأبسط مهامها في توفير حياة آمنة ومستقرة.
عدن ليست مسرح عبث، كلما أراد جنس من البشر عمل فيها معركة. حان الوقت لتطبيق النظام والقانون على الكبار من الناس قبل صغارهم، وهذا الأمر لا يحتاج إلى إذن من أحد، ولا أعتقد أن هناك فيتو من أحد لعدم تطبيق النظام والقانون في عدن.

من يأتِ ليعيش في عدن عليه الالتزام بكل نظمها وقوانينها المتبعة، التي أصبحت حياة الناس مرهونة بهذا النمط من العيش، وعدن ليست قرية أو جزءا من قبيلة أو منطقة نائية، هي التي عرفت النظام والقانون قبل الجميع، وهي التي تعايش فيها كل أجناس الأرض، وهي التي وفرت العيش الكريم لكل من لجاء إليها من جور الأنظمة السياسية. ولا تسأل أحدا عن جنسه أو دينه أو عرقه. واليوم هناك من يعبث بأمن عدن لأغراض سياسية أو أطماع احتلالية أو تنفيذ لأجندات أجنبية يجب أن يتوقف وأن يضع حد لذلك.

حاول كثير ممن تعاقبوا على إدارة عدن بعد احتلال الجنوب في 7/7 /94 م أن يغيروا في طابعها المدني، وأن يطلقوا العنان للعشوائيات، وأن يغيروا طابعها المعماري، وأن يغيروا مخططاتها التطويرية ليحولوها إلى أكبر قرية مزدحمة غير قابلة للسكن والعيش فيها، والهدف تغيير وظيفتها المدنية في احتضان الاستثمار والتجارة العالمية، خاصة وقد حباها الله بميناء طبيعي كان في يوم ما ثاني أكبر ميناء في العالم، وكانت منطقة حرة عالمية مزدهرة، وتتداول فيها تجارة العالم من مينائها الحر؛ ليتواصل مع بقية مواني المنطقة المجاورة وليشيع أسس التجارة الحرة بين الأمم والشعوب.

اليوم نرى تواصل هذه السياسة بطريقة وأساليب أخرى ليجعل منها مدينة غير آمنة من خلال إطلاق يد العصابات والبلاطجة للعبث بأمنها واستقرارها بعد أن فشلوا في توطين الإرهاب فيها وتحويلها إلى إمارة داعشية، وتحطمت أحلامهم عندما تلقوا ضربة قاصمة على مشارف عدن، وهم قادمون حاملين رايات القاعدة تحت مسمى عملية خيبر، وعادوا خايبين يجرون أذيال الهزيمة من حيث أتوا، لكن توابع نشاطهم لا زال موجودا، ويظهر عبر الخلايا النائمة التي تظهر بين الحين والآخر لإقلاق السكينة العامة لسكان عدن؛ ليظهروا عدن بأنها غير آمنة.

لم يكتفوا بأن ضخوا لعدن عشرات الآلاف من النازحين واللاجئين لينتشروا في الجبال والسواحل والأماكن الخالية بين الأحياء في منظر غير حضاري ولتشويه طابعها المدني أو لحجز تلك الأماكن عبر النازحين لتسليمها بعد ذلك للهوامير والمتنفذين الذين عينهم مفتوحة على التهام عدن في المستقبل.
ولم يكتفوا بأن ظلوا يعاقبون سكان عدن في خدماتهم الضرورية، وهي الكهرباء والماء، التي لا غنى عنها في عدن، خاصة أيّام الصيف، وفوق ذلك يتم التحكم بتوريد المحروقات الخاصة بمحطات الكهرباء لمزيد من الإذلال لمواطني عدن.

لم يكتفوا بحجب المرتبات لأشهر عديدة على موظفي عدن والمتقاعدين فيها من العسكريين والمدنيين، وهم يعرفون أن هؤلاء لا يملكون إلا مرتباتهم فقط، ويعرفون أن ذلك سيؤثر على حياتهم وحياة أسرهم، ويسبب لهم كثيرا من الأزمات والمشاكل، والهدف إثارة الناس ضد المجلس الانتقالي وإحراقه أمام مناصريه في عدن.

بقى أمر واحد وهو أن الانتقالي اليوم مسيطر على عدن ولديه قوات متعددة ويعتبر الحاكم الفعلي لهذه المنطقة ولهذا عليه أن يحافظ على أمن واستقرار سكان عدن من خلال إنفاذ القانون والنظام على الكبير قبل الصغير دون تمييز والأمن يعتبر أولوية قصوى بالنسبة لحياة الناس.
وقبل كل ذلك عليه أن يعيد ترتيب وتنظيم قواته المتعددة في إطار عدن وتحديد المهام لكل وحدة والسيطرة الكاملة عليها، ومن خلال تشكيل قيادة موحدة لها تحت إدارة وسيطرة واحدة تسمى حامية عدن العسكرية، ويتم سحب بقية الوحدات الأخرى إلى خارج عدن باتجاه لحج وأبين.

الحفاظ على عدن بطابعها المدني وإعادة وجهها الحضاري بهدم العشوائيات التي بنيت في الجبال والسواحل والأحياء وخارج مخططات عدن الكبرى للحفاظ على وظيفة عدن المستقبلية في الاستثمار والتجارة الدولية والحفاظ على المناطق المخصصة التابعة لتطوير منطقة عدن الحرة الصناعية، وغيرها يتم ذلك فورا قبل فوات الأوان.

تنفيذ هذه المهام وغيرها يعتبر رد اعتبار لعدن ومواطنيها وساكنيها، وتقع بالدرجة الأولى على محافظ عدن ومن وراءه قيادة الانتقالي وكل الخيرين والمحبين لعدن والجنوب، وبتعاون الجميع نستطيع الخروج إلى بر الأمان طالما الهدف الأساسي هو توفير الأمن والاستقرار لهذه المدينة الطيبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى