​الانهيار الثلاثي

>
في زمن الانحطاط السياسي الذي يتلازم بالضرورة مع الانحطاط الأخلاقي والانحطاط الاقتصادي، وأيضاً التغيب للروادع القانونية وانحطاط القيم التربوية، وغير ذلك من الانحطاطات التي يمكن تسميتها مجتمعة بانهيار منظومة الدولة - المجتمع، وحين تكون منظومة الدولة في طور التعفن، والتحلل البنيوي والتفكك الكينوني، كما هو حاصل حالياً في بلادنا على سبيل المثال، تصبح عملية البحث عن الحلول من قبل أولئك من أدعياء السياسة القائمين بالبحث عن مجهول يسمونه الحلول لإعادة الحياة إلى المنظومة المنهارة، نوعاً من الإصرار المتعمد على تدمير الحياة ومقوماتها.

أقول إن أولئك ممن يوهموننا بأنهم يبحثون عن حلول لترميم أو إصلاح مثل هذه الأطلال المتبقية مما كان يسمى نظاماً، هؤلاء الأدعياء بمختلف تسمياتهم هم في حقيقتهم لا بد من أن يكونوا مصنفين (بالضرورة) وبالدلائل البيّنة في واحدة من المجموعات التالية:
المجموعة الأولى، وتشمل بقايا النظام السياسي المنهار، وهم ما يشكلون النتوءات الظاهرة على السطح السياسي والاجتماعي، وتمتد جذورها إلى الدولة العميقة بشقيها العمودي الداخلي جغرافياً، وتلك التشعبات الأفقية الممتدة إلى خارج حدود جغرافيا اليمن إقليمياً على شبكة المصالح الاقتصادية الدولية العابرة للقارات، وهذه المجموعة باختصار هي ما نشاهده مما نسميها منظومة الشرعية بشقيها البراجماتي العلماني ممثلاً بالأغنياء الجدد (من المدنيين والعسكريين)، وشقها المتطرف الديني المتفرع إلى الفرع الإخوانجية والفرع الوهابي الذي لا يزال أكثر فاعلية في هذه المرحلة خارج المملكة السعودية بل إنه أصبح أكثر تأثيراً في الخارج، وخصوصاً أنه يرى أن مستقبله الوجودي والعسكري في اليمن ضرورة لا يمكن أن يفرط فيها، وهو بالتأكيد يعد نفسه لمعارك قادمة مع النظام السعودي الحاكم ذاته.

هذه المجموعة حريصة جداً على إبقاء الوضع في البلد على ما هو عليه مع تعقيد أدوات الصراع لمصلحة إطالة المعركة التي ستؤدي إلى المعركة المستقبلية التي ستبدأ ذات يوم.
علينا ألّا ننسى أن الطابع المصالحي البراجماتي سائد داخل هذه المجموعة رغم محاولاتهم إخفاءه، بالتالي فالتحالفات فيما بينهم بالنسبة لهم غير مقدسة.

المجموعة الثانية، وفيها تلعب الاثنا عشرية (الحوثي) الدور الرئيس، ومعهم بقايا أحزاب تحالفت معها على أساس مصلحي أكثر من أي شيء آخر، وهم يحملون فكراً سياسياً (شئنا أم أبينا)، إضافة إلى الفكر المذهبي ولا يعانون من عقد التسميات أياً كانت. وإضافة إلى ذلك، فهم يمتلكون حليفاً قوياً سياسياً وعسكرياً وذا رؤية خاصة، وهو لا يبخل عليهم بإمدادهم بكل أشكال الدعم اللوجستي العسكري والسياسي، ولذلك لا بد من الاعتراف بوجود مشروع متكامل إيراني أو فارسي(كما يحب الآخرون تسميته) موجود على الأرض، وتسير هذه المجموعة على مساحة الشمال كله تقريباً، إضافة إلى نوايا التوسع واستعادة الأراضي اليمنية التي سلمها النظام المتوكلي المهزوم عسكرياً في الثلاثينيات من القرن الماضي، وقد وصل بهذه المجموعة إعلان تلك الأراضي بمحافظات وتعيينات المحافظين لها. وفي مقابل ذلك، علينا الاعتراف بعدم وجود مشروع عربي حقيقي يواجه المشروع الإيراني في المنطقة بالرغم من الجعجعة الإعلامية بوجوده. وفيما يتعلق بنظرة هذه المجموعة للجنوب فكما يبدو أن لهم رؤية متغيرة ديناميكياً، ولذلك يتجنبون الحديث عنها ويتركون الأمور تسير على طريقة لكل حادث حديث، لكنهم متمسكون بوحدة اليمن أياً كان الثمن.

المجموعة الثالثة، وهي أقل المجموعات تنظيماً وأكثرها تفرعاً على الصعيد القيادي. يقود المجموعة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي وقع في تحالف هش من بعض دول المنطقة. ويعاني من كثرة التكوينات التي كثير منها قد صممها أعداؤه وحلفاؤها لتجنب التوحد الجنوبي الذي يمكن أن يغير كثيراً في مجريات الأمور على الأرض، وهو أمر لا تريده المجموعتان الأولى والثانية، كما أعتقد أن هذه المجموعة لم تنجح حتى الآن في ثلاثة أمور أساسية أولها عدم قدرته على تمتين الترابط الجنوبي الذي يعكس التوجهات لدى الأغلبية الساحقة من الجنوبيين، في استعادة دولتهم، والثاني أن المجلس الانتقالي لم يستطع أن يكوّن ديناميكية سريعة ومرنة في إطار تكوينه وتركيبته وآلية اتخاذ القرار فيه، والثالث لا يقل أهمية عن سابقة يتمثل في تقديري بأنه لم يستطع خلق حلفاء أقوياء على مستوى الإقليم والعالم يمنحونه الدعم اللازم لانتصاره رغم عدالة القضية التي يحملها. الحديث يطول لكنني أكتفي بهذا.
أخيراً أترك للقارئ أن يتصور الكيفية التي يعيش بها شعبان، تحكمهما كل هذه المجموعات. أليس هو الانهيار بعينه؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى