تدهور "قيعان" اليمن: تآكل الأراضي الزراعية يزيد الأزمة الغذائية

> تقرير/ محمد راجح:

> ​تتصاعد الأزمة الإنسانية في اليمن وسط انهيار متواصل في الأمن الغذائي، وفي ظل جهود محلية ودولية حثيثة لتلافي المزيد من هذه الانهيارات وتخفيف وطأتها على المواطنين. إلا أن مشكلة زراعية قاسية بدأت تتفاقم في البلاد، حيث تتقلص الأراضي الصالحة للزراعة ومساحة المراعي الطبيعية، في بلد يطغى عليه المجتمع الريفي بشكل كبير.

ويشكل ارتفاع وتيرة تدهور "قيعان" اليمن الخصبة، خطرا حقيقيا يهدد سلة غذاء اليمنيين، وما تبقى من سبل عيشهم التي باتت تحت خطر شديد ستكون تبعاته وخيمة خلال الفترة المقبلة، وفقاً للخبراء. وتمتلك اليمن أربعة قيعان زراعية، وهي أراض مسطحة شديدة الخصوبة الزراعية، معظمها في المناطق الشمالية في صنعاء وعمران وصعدة وذمار، وتغطي احتياجات البلاد من بعض محاصيل الحبوب والخضروات والفواكه بنسبة تزيد على 58 في المائة.

ويؤكد الخبير الزراعي عبدالناصر الأسودي لـ"العربي الجديد"، أن هناك تصحرا وزحفا عمرانيا كارثيا يستقطع مساحات شاسعة من القيعان الزراعية، خصوصاً في صنعاء وقاع "البون" الشهير في عمران (على بعد 30 كيلومتراً من العاصمة اليمنية)، فيما قاع "جهران الخصب والمشهور بزراعة الخضروات بمختلف أنواعها، خصوصا البطاطس والبصل إلى جانب الحبوب، يواجه خطراً شديداً هو الآخر، يتمثل في انتشار زراعة نبتة "القات" في أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية على حساب زراعة المحاصيل الغذائية.

غزو خرساني
وفق دراسات جيولوجية وبيئية، تتعرض قيعان وسط وشمال اليمن إلى غزو واحتلال خرساني وعمراني، بالرغم من عدم ملاءمة هذه المناطق للسكن والعمران، كونها تربة رسوبية لا تحتمل المباني ذات الطوابق العالية، ولتعرضها بين الفينة والأخرى للسيول الجارفة حال تساقط الأمطار الغزيرة فيها أو في محيطها الجبلي والأودية التي تسيل إليها.

ويبين المزارع في محافظة صعدة الحدودية مع السعودية شمال اليمن علي رازح لـ"العربي الجديد"، أن تكاليف إنتاج المحاصيل الزراعية أصبحت باهظة للغاية، في ظل صعوبة كبيرة في توفير المياه مع ارتفاع أسعار الوقود ومواجهة الآفات الزراعية وصعوبات النقل والتصدير، وغيرها من التحديات والصعوبات التي تدفع بعض المزارعين من وقت إلى آخر إلى بيع قطعة أو مساحة من أراضيهم لتغطية هذه التكاليف والنفقات.

ويتفق معه مزارعان آخران من منطقة بريف صنعاء ومحافظة عمران بالإشارة إلى سبب آخر يدفع المزارعين إلى التخلي عن جزء من أراضيهم الزراعية وبيعها بهدف البناء عليها من قبل بعض المشترين، وذلك نتيجة للفقر والعوز وتراجع مستويات الدخل لكثير من المواطنين والمزارعين في هذه المناطق. وتشهد أسعار الأراضي في عموم المناطق والمحافظات اليمنية ارتفاعات قياسية يصنفها خبراء نوعاً من غسيل الأموال، تكونت بفعل الحرب الدائرة في اليمن منذ ما يزيد عن ست سنوات.
إذ يصل سعر اللبنة الواحدة (44.44 متراً مربعاً) في صنعاء وجزء من مناطق شمال اليمن إلى نحو 10 ملايين ريال، ويزيد المبلغ أضعافاً كلما كانت الأراضي قريبة من المناطق السكنية في المدن.

قات وتغيير مناخي
وتشهد زراعة المحاصيل الغذائية والخضروات والفواكه انحساراً متواصلاً في محافظات تعز وحضرموت ومأرب لأسباب مختلفة، إذ يتم استبدالها بنبتة القات بسبب عدم الجدوى الاقتصادية لزراعة المحاصيل الأخرى، وفق عدد من المزارعين في مناطق عديدة بمحافظة تعز، الذين يواجهون صعوبة في تعويض الخسائر السنوية وتسويق المنتجات والمحاصيل.

في المقابل، يشكو مزارعون في المحافظات الجنوبية الشرقية من اليمن من تأثير التغيرات المناخية والأعاصير المدمرة منذ نحو ثلاث سنوات تحديداً، وتسببها في إلحاق أضرار بالغة في المحاصيل وجرف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي تحتاج عملية إصلاحها إلى تكاليف باهظة، فيما هم لا يستطيعون تحملها، لا بل تتطلب تدخلا حكوميا لمساعدتهم في عملية إصلاحها.

وتعتبر التغيرات المناخية من العوامل الأساسية التي أضرت كثيراً بالإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في البلاد، ومنها الأضرار التي خلفتها الزوابع والأعاصير والفيضانات التي ضربت المناطق اليمنية خلال السنوات الماضية، إضافة إلى شح الأمطار وتساقطها خارج المواسم الزراعية، إضافة إلى الجفاف والتصحر والزحف العمراني وتأثيرات الأزمات الاقتصادية الأخرى على القطاع.

ويتحدث العامل في مجال التسويق الزراعي فارس جياش لـ"العربي الجديد"، عن تبعات كارثية يعاني منها المزارعون في مأرب نتيجة للمعارك الدائرة في المحافظة منذ نحو ثمانية أشهر وارتفعت حدتها بشكل كبير منذ مطلع الشهر الماضي.
ويقول إن كثيرا من المزارعين غير قادرين على جني محاصيلهم الزراعية، خصوصاً الموسمية التي يجب البدء بجنيها حالياً بسبب المخاطر العسكرية والأمنية الناتجة عن هذه المعارك وقطع الطرقات، وهو ما يؤدي إلى تلف المحاصيل نتيجة لبقائها كثيرا دون جنيها في مواعيدها.
ويلفت إلى تعرض المزارعين إلى أضرار بالغة بسبب المعارك الدائرة، إلى جانب تكبدهم خسائر فادحة نتيجة لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم، وتسليم الطلبيات من الكميات الزراعية المتفق عليها مع بعض التجار في الأوقات المحددة.

أزمات مركّبة
وتزاحمت على اليمن مجموعة من الأزمات المركبة التي تسببت في انهيار الأمن الغذائي.
وبالنظر إلى أهمية القطاع الزراعي الذي يعتبر المشغل الأكبر للأيدي العاملة في اليمن، يعد انعدام الأمن الغذائي من القضايا التي تفاقمت بصورة غير مسبوقة في البلاد، حيث تشير آخر النتائج المرجعية التي تم إجراؤها إلى ارتفاع عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في اليمن بنسبة تشمل غالبية السكان ممن يرزحون تحت وطأة الأزمات.

وتشدد تقارير اقتصادية على أهمية إجراء تغيير هيكلي في الجهود الحكومية والدولية والإغاثية وفقاً للمتغيرات الطارئة في المشهد الاقتصادي والتنموي في اليمن، وبروز تأثيرات متعددة غير مرئية بسبب الحرب والصراع الدائر والذي ألحق أضرارا بالغة في معيشة اليمنيين ومصادر دخلهم.
وتتزايد الدعوات إلى مراجعة الكثير من السياسات ونوعية التدخلات وتصميم البرامج والمشاريع، بحيث تتجه نحو الأنشطة التي تعزز التعافي الاقتصادي، وتحد من الانهيار المتواصل للأمن الغذائي وتستعيد مسار النمو الاقتصادي. فيما يطالب البعض بخلق قوة دفع جديدة نحو مجالات التعافي والاستقرار لتلافي توسع رقعة الجوع، وظهور بؤر جديدة للمجاعة في البلاد المأزومة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى