د. الذهب: الجنوب هدف استراتيجي للحوثيين لكن تجربة 2015 مريرة

> «الأيام» القدس العربي:

>
  • الجنوب هدف استراتيجي للحوثيين ويمنحهم قوة بقاء وهيمنةٍ أطول في السلطة
  • القوات الحكومية أهدرت كثيرا من فرص تعزيز قدراتها على عكس الحوثيين
  • بطريقة غير مباشرة أضعف التحالف جبهات الشرعية
الوضع العسكري في اليمن، المتقلّب والمتأزم يوما بعد يوم، أسهم بشكل كبير في تأزيم الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد بعد سبع سنوات من الحرب والصراع المسلح، بين جماعة الحوثي الانقلابية وقوات الجيش التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، وعقّد مساعي مسار إحلال السلام في البلاد.

ونتيجة لذلك، حصلت تغّيرات ملحوظة في موازين القوى العسكرية في المواجهات المسلحة بين الجانبين، وهو ما أسفر عن تقدم للحوثيين في أكثر من جبهة، بتحقيقهم عدد من المكاسب العسكرية غير المسبوقة والتي وفّرت لهم موطئ قدم في مناطق استراتيجية مهمة في أكثر من صعيد.

في هذا اللقاء الخاص بـ «القدس العربي» مع الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في اليمن الدكتور علي الذهب، نحاول الاطلاع عن كثب على المسارات العسكرية والسياسية في الحرب اليمنية، والغوص في أعماق الصراع المسلح بين القوات الحكومية والحوثية، والأسباب التي تقف وراء تأرجح الكفة في الآونة الأخيرة لصالح الحوثيين بحصول بعض الانتكاسات في صفوف القوات الحكومية التي أتاحت للحوثيين تحقيق مكاسب عسكرية في محافظات البيضاء وشبوة ومأرب.
هنا نص الحوار:

○ كيف تفسر الانهيارات العسكرية المتتالية للقوات الحكومية في الآونة الأخيرة في محافظات البيضاء، وشبوة، ومارب؟
•تمثِّل هذه الانهيارات نتيجة متوقعة لحالة الانقسام السائدة بين الكيانات السياسية والعسكرية المنضوية تحت مظلة الحكومة المعترف بها دوليا، وتعارُض أجنداتها، وارتباطها بأطراف إقليمية لديها حسابات خاصة من وراء الحرب، ومن بعض كيانات هذه الحكومة، وهذا ما يبرُز في موقف الإمارات والسعودية من حزب التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي) الذي عادةً ما يُنسب إليه ولاء بعض من قادة ومقاتلي القوات الحكومية. فعلى سبيل المثال، قوات الحكومة التي تقاتل الحوثيين في شبوة، ومارب، الجوف، وتعز، أُضعِفت قدراتها إلى حد كبير، وباتت تواجه تحديات عديدة، في مجالات توفير القوى، والوسائل، والرواتب؛ نتيجة لتراجع دعم التحالف لها، وعجز الحكومة عن تغطية ذلك، فضلا عن تحمُّل هذه القوات أعباء المواجهة، منفردةً، أمام الحوثيين، في ظل توقُّف معظم جبهات القتال.

○ إلى أي مدى يلعب سوء إدارة الشؤون العسكرية دورا في هذه الانتكاسات؟
• إدارة الحرب، أو المعارك، لا تختلف كثيرا عن أيِّ عملية إدارية، إلا في جوانب محدودة، وهي بذلك تشمل التخطيط والتنظيم، والتوظيف والتوجيه، والرقابة. ويندرج في سياقاتها التقويم، والتدريب، والنشاط الاستخباري، وإنفاذ القانون. والملاحظ أن معظم هذه الأسس، لدى طرف القوات الحكومية، مفقودة، أما المتاح منها فيُدار بطرق بدائية ومرتجلة، ولم تعمل القيادة العليا لهذه القوات على إخضاع كافة القوات لقيادة موحدة، وإسناد مسؤولياتها إلى متخصصين، ذلك أنَّ كثيرا ممن يقود المعارك، أو يُدير دوائر وهيئات القوات المسلحة، مدنيُّون أبرزتهم الحرب الراهنة، أو عسكريون ممن ليس لديهم أي خلفيات أكاديمية عسكرية، ولا نغفل، كذلك، دور التحالف في هذا العبث.

○ لكن ثمة من يعزو هذه الانتكاسات إلى قلة الإمكانيات، أمام ما يتمتع به الحوثيون، لا سيَّما أنهم استولوا على معظم قدرات الجيش السابق؛ فما رأيكم؟
•ما من شك في أن الحوثيين، وضعوا أيديهم على معظم قدرات القوات المسلحة في أثناء وبعد انقلاب (سبتمبر) 2014 واستفادوا، بعد ذلك، من قدرات وخبرات إيران وحزب الله اللبناني، إلا أن ذلك لا يشفع لقيادة القوات الحكومية، أمام ما تتعرض له من انتكاسات متتالية، فقد ظلت حتى نهاية عام 2019 تتلقى دعما عسكريا متنوعا من قبل التحالف، خصوصا السعودية، وأهدرت الكثير من الفرص التي كانت مواتية لتعزيز قدراتها، طوال السنوات السبع الماضية، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءا إذا ما قررت السعودية، فجأة ولأي سبب، إنهاء مشاركتها في التحالف.

○ مقارنة بالسنوات الثلاث الأولى للحرب، التي كانت خلالها طلائع القوات الحكومية على مشارف العاصمة صنعاء، وبين الوضع السيء لهذه القوات اليوم، على حدود مأرب وشبوة؛ ما الذي يقوله هذا المشهد؟
•هذا المشهد يفسره مجموعة من التحولات، مع مراعاة ما ورد في إجابة السؤال الأول. ففي السنوات الثلاث الأولى للحرب، كان التحالف في أوجِّ قوته، وكانت مختلف القوى الداخلية المناوئة للحوثيين مؤتلفة إلى حد كبير، لكن بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2017 اندلع الصراع بين الحوثيين وحليفهم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكانت الغلبة لهم، ثم بعدها أعاد أنصار الرئيس صالح تشكيل أنفسهم، برعاية ودعم التحالف، في إطار ما يُعرف بقوات المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية) وذلك ما مثّل تهديدا للقوات والكيانات السياسية المؤيدة للرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى جانب التهديد الذي يمثِّله المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)؛ إذ أنَّ كليهما يحظيان بدعم الإمارات التي تُظهر دعمها لحكومة الرئيس هادي، وتمارس نقيض ذلك على أرض الواقع. إضافة إلى ذلك، تداعيات اتفاقية ستوكهولم التي أبرمت بين الحكومة والحوثيين في كانون الأول (ديسمبر) 2018 وتفاهمات السعودية مع الحوثيين، بشأن وقف العمليات العسكرية في مناطق الحدود، ثم سحب الإمارات قواتها المشاركة في التحالف نهاية 2019 ومطلع عام 2020 بعدما مكَّنت المجلس الانتقالي الجنوبي من السيطرة على مدينة عدن، وطرد القوات الحكومية منها، في آب (أغسطس) 2019. كل ما سبق، وعوامل أخرى، أضعف القوات الحكومية تدريجيا، وجعتلها في مواجهة أكثر من عدو، فضلا عن أن المعارك التي تخوضها باتت تصنف على أنها تدور بين كيانٍ سياسي بذاته داخل الحكومة – والإشارة هنا إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح- وبين الحوثيين، لذلك تقف بقية القوات المحسوبة على الحكومة موقف المتفرج والمتربص في آن، فكان من الطبيعي أن تخسر، أو تتخلى وفقا لمواقف ناشئة، عن مواقعها في أطراف صنعاء ومأرب والجوف وشبوة، وبالمثل يقال لما يجري من تراجع اليوم.

○ هل تعتقد بوجود خيانات عسكرية في أوساط الجيش، سهّلت وقوع هذه الانتكاسات، أم أن الحوثيين استفادوا من طول أمد الحرب في تطوير قدراتهم، ومن ثم تحقيق تفوق على الأرض؟
• لم تعلِن قيادة وزارة الدفاع عن حالة من هذا القبيل، لكنها أعلنت عن تورط قيادات محدودة في تسريب معلومات بُني عليها هجمات بالصواريخ والطائرات غير المأهولة، استهدفت وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، ومواقع وقادة تابعين لقوات الحكومة، خلال عامي 2019-2020. وأعتقد أن ممارسة من هذا القبيل لا تزال قائمة، أما وقوع تقاعس من قِبل القوات الموالية للحكومة، أو انسحابها من مواقع معينة، فربما حصل ذلك وفقا لحسابات خاصة، واستفاد منها الحوثيون. وأما ما يخص تطوير الحوثيين لقواتهم فهذا، دون شك وارد، وهو أحد العوامل البارزة التي أدت إلى هذه النتائج، بجانب عوامل سبق الإشارة إليها.

○ هل لعب التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، دورا مباشرا في انهيار الوضع العسكري للقوات الحكومية، بخذلانه لها أو نحو ذلك؟
• ربما حدث ذلك بطريقة غير مباشرة، وهذا ما يظهر في توقف مختلف جبهات القتال، والإبقاء على جبهات مأرب والجوف وشبوة والبيضاء، تواجه بمفردها الحوثيين، الذين ألقوا فيها بكل ثقلهم. يستطيع التحالف تحريك بعض الجبهات، لتخفيف الضغط على الجبهات المشتعلة المشار إليها، لكنه لن يفعل، خصوصا في الوقت الراهن.

○ ثمة من يرى أن التحالف يقوم بدوره على أكمل وجه خصوصا الغارات الجوية، فيما الأداء العسكري للقوات الحكومية على الأرض لا يواكب ذلك، فكيف تقرأون المسألة؟
• نشاط طيران التحالف تدور حوله كثير الشكوك، لا سيَّما في الآونة الأخيرة؛ فطائرات الأباتشي لم يعد لها من حضور، أما نشاط الطائرات المقاتلة الأخرى فمحدود الأثر، أو تأتي بنتائج عكسية. انظر، مثلا، إلى تكامل أداء المقاتلين على الأرض، ونشاط مختلف أنواع طائرات التحالف، خلال السنوات الثلاث الأولى للحرب، ستجد الفرق واضحا. أضف إلى ذلك، الدور المفقود لمنظومة الدفاع الجوي (باتريوت) التي سحبتها السعودية من مأرب، وأعاقت الحكومة من إعادة بناء قدرات قواتها الجوية، بما يوازي قدرات الحوثيين، على الأقل في مجال الطائرات غير المأهولة؛ فحتى الآن يتفوق الحوثيون جويًّا على الحكومة، ولا مجال للمقارنة بينهما، إذا ما استثنينا الدور المحدود لعمليات طائرات التحالف.

○ في ظل المعطيات الحالية، أين تقف فرص وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن؟
• فرص السلام الشامل والكامل مقيَّدة بعدة قضايا داخلية وخارجية، وكلها معقدة، وهذا ما وعاه مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن، مارتن جريفيثس؛ فقد عَمِد إلى تجزئة عملية السلام إلى مراحل، وابتدأها باتفاقية ستوكهولم لعام 2018 بشأن محافظة الحُديدة، وتفاهمات أخرى بشأن تعز، لكن الاتفاقية، للأسف، تحولت إلى عقبة أمام السلام. ومن القضايا الداخلية المعقدة، التداعيات السياسية لاحتجاجات عام 2011 خصوصا ما أحدثته من جروح عميقة بين حزب المؤتمر الشعبي العام، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وما أسفرت عنه التداعيات العقدية، والسياسية، والاجتماعية، لاستيلاء الحوثيين على السلطة عام 2014، خصوصا ما يتعلق باحتكارهم السلطة، على أساس طائفي عقدي، وثالث هذه القضايا، سعي المجلس الانتقالي الجنوبي لفصل جنوب البلاد عن شماله. يؤطر ذلك ارتهان القوى الداخلية المحتربة للقوى الخارجية المؤججة للصراع، التي تربط عملية السلام في اليمن، بأجندات جيوسياسية خاصة بها، مع ما تلقاه من معارضة شرسة من قبل بعض القوى الداخلية، فضلا عن توظيف الأزمة اليمنية، برمتها، في المفاوضات النووية مع إيران، من قبل السعودية، ودول أطراف الاتفاق النووي، خصوصا الولايات المتحدة.

○ هل يمكِّن اختلال موازين القوى على الأرض من تقدم عملية السلام حاليا؟
• أولا، ليس هناك اختلال كبير في ميزان القوى بين الحوثيين وبين المناوئين لهم مجتمعين، ولكن هؤلاء المناوئين يعانون تمزقا واضحا فيما بينهم، وذلك ما جعل الحوثيين في موقف سياسي وعسكري أقوى. ثانيا، هذا الاختلال قد يكون مؤقتا، وبالتالي لن يقود ذلك الحوثيين إلى حسم عسكري، يفرض سلاما بشروطهم، كونهم يتقدمون على الأرض، على أنَّ حالة سلام يصنعها نصر من هذا النوع، لن يكتب لها الدوام.

○ في ضوء التقدمات العسكرية للحوثيين في مناطق التماس مع المحافظات الجنوبية، في شبوة وأبين وغيرهما؛ هل تعتقد أنّ الحوثيين قد يتوقفون عند حدود ما قبل 1990؟
• طموح الحوثيين أوسع من أن يحدَّه حدٌ، والجنوب هدفهم الاستراتيجي الذي يمنحهم قوة بقاءٍ وهيمنةٍ أطول في السلطة، لكن ذلك غير ممكن، ولعل تجربتهم المريرة عام 2015 لن تدفعهم إلى ذلك مرة أخرى، إلا متى تهيأت لهم الأسباب الكفيلة بعدم تكرار ذلك؛ فلا قدرات الحوثيين بإمكانها تحقيق ذلك، ولا القوى الإقليمية والدولية ستسمح بوقوعه. الحالة الأمثل لذلك قضاء الحوثيين على خصومهم متفرقين، وهذا ما يبدو جليا، لكنه قد يطول وقته، أو قد ينهار قبل بلوغه.

○ ما أبرز نقاط الضعف والقوة عسكريا، عند القوات الحكومية وعند الحوثيين؟
• إجابة هذا السؤال أكبر من أن تسعها هذه المساحة، ولكن دعني أقول لك إنّ كل نقطة قوة لدى الحوثيين، تمثل لدى الأطراف المناوئة لهم نقطة ضعف. فمثلا: يهيمن الحوثيون على مناطق الثقل السكاني التي تمثل موردا بشريا للمقاتلين، وموردا ماليا لدعم مجهودهم الحربي، مع ما تمثله معظم هذه المناطق من حاضنة مذهبية لهم. يضاف إلى ذلك، وحدة قرارهم السياسي والعسكري، بعد تخلُّصهم من حليفهم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي كان عامل إضعاف لهم أكثر من كونه عامل قوة، وهكذا انتقل هذا العامل إلى الطرف الآخر، ويمثل هذا العامل قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق محمد عبد الله صالح، بشرط ثباته على موقفه الراهن. أمام صدق الحليف الإيراني للحوثيين، وانسجام مصالحه واتجاهاته معهم، يبدو نقيض ذلك في الحلفاء الإقليميين للحكومة المعترف بها دوليا، وهذه المسألة ألقت بظلالها، ضَعفًا، على الجانب العسكري الذي يقوده الموالون للرئيس هادي، ونائبه، علي محسن الأحمر، ولا سيَّما أنصار حزب التجمع اليمني للإصلاح.

○ برأيك، ما أسباب ومبررات انخراط كثير من الشباب في صفوف الحوثيين وقتالهم حكومة شرعية معترف بها دوليا؟
• هناك دوافع كثيرة، ولعل من أبرزها أن الحكومة المعترف بها دوليا، أخفقت في جعل مناطق سيطرتها تنعم بالأمن والاستقرار؛ لتجذب إليها سكان مناطق الحوثيين، وانخراطهم في مجالات التنمية المختلفة، وهذا ما عزَّز عاملا آخر من عوامل انخراط الشباب في صفوف الحوثيين، ألا وهو الفقر، الذي اتسعت رقعته، بعوامل أخرى من قبيل الفساد الممارس من قبل كل الأطراف الداخلة في الحرب، واستهلاك هذه الحرب لمعظم موارد البلاد. من جانب آخر، ثمة دوافع عقدية وسياسية تقف وراء ذلك، وهذا يخص أغلب مناطق الجغرافيا الزيدية، التي تخضع، بكاملها للحوثيين، فضلا عن عوامل تتعلق بالوعي الذي يزداد تراجعا أمام السطوة الإعلامية للحوثيين، ونشاطهم الفكري المتمثل، جانب منه، في ما يسمَّى الدورات الثقافية، التي تعيد تشكيل المجتمع كله، والشباب المنخرطين في صفوف جماعة الحوثي، في قوالب جديدة تحمل النقمة الشديدة للطرف الآخر، وعلى السعودية تحديدا، التي تتحمل وزر الأخطاء الجسيمة للعمليات الجوية، التي راح ضحيتها المئات من المدنيين. كذلك الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السعودية بحق المغتربين اليمنيين على أراضيها، لعبت دورا في ذلك، ربما ستكون أكثر استغلالا في المستقبل، ذلك أن البعض منهم لم يجد من سبيل للانتقام من السعودية، وممن صادروا حقوقهم بفعل تلك الإجراءات، سوى الانخراط في صفوف قوات الحوثيين. والقول ذاته بالنسبة إلى الممارسات التعسفية للمجلس الانتقالي الجنوبي تجاه المواطنين المنتمين إلى جغرافيا الشمال.

○ كيف تقوِّم العقيدة العسكرية لدى قوات الحكومة والحوثيين، وهل ثمة اختلال في ذلك بما أسهم في تغيير مسار المعركة؟
• العقيدة العسكرية لدى كل منهما، هي ذاتها، إلا أن الفرق يكمُن في القدر والكيفية التي تطبق بها مضامين هذه العقيدة. وما من شك في أن الحوثيين استفادوا كثيرا من الإيرانيين، وحزب الله اللبناني، في المستويات الثلاثة للعقيدة العسكرية؛ الأساسية، والبينية، والتنظيمية، ومواءمة ذلك مع المستجدات، أو المواقف العسكرية والسياسية الناشئة، إضافة إلى خبرات الحوثيين المكتسبة من الحروب السابقة مع قوات الحكومة، قبل استيلائهم على السلطة. وبالفعل فقد ظهر، جليا، الفارق البارز بين الطرفين في هذا الشأن، خصوصا في ابتكار وتنوع وسائل وأساليب القتال لدى الحوثيين، برَّا وبحرًا وجوًّا.

○ ما المتاح سياسيا عسكريا أمام الحكومة المعترف بها دوليا للقيام به، منعًا لسقوط آخر معاقلها في مأرب؟
•سياسيًّا، على الحكومة أن تلَّوح بالانسحاب من اتفاقية ستوكهولم، وتزمِّن ذلك بفترة محددة، ولعل المبررات متوفرة. كما عليها أن تعلن عن وقف أي مشاركة لها في المفاوضات مع الحوثيين، ما لم يضعوا حدا لهجماتهم، وأن تصعِّد دوليا، بشأن ممارستهم المخالفة للقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، في المناطق التي سقطت أخيرا في أيديهم. وينبغي عليها، كذلك، فتح حوارات شاملة، وبدون شروط مسبقة، مع الأطراف المنضوية تحتها، وتجاوز كافة الخلافات التي تتيح للحوثيين استغلالها لالتهام الجميع بالتدريج، ومن المهم، كذلك، إعادة كافة مسؤولي السلطات الثلاث، ومسؤولي هيئاتها، وأجهزتها، إلى البلاد. سيكون لهذه التدابير نتائج عسكرية تعزز موقف القوات الحكومية والأطراف المنضوية تحتها، إلا أن ثمة تدابير عسكرية أخرى ينبغي اتباعها، ومن ذلك إعلان التعبئة العامة، بشريا وماديا، عبر شيوخ القبائل، وأعضاء البرلمان، والقادة العسكريين، وإشراك رجال الأعمال في تحمُّل الأعباء المالية للمواجهة، واستدعاء المتخلفين من الجنود والضباط، خلال فترة محددة، واعتبار من يتخلف عن ذلك في مقام من انخرطوا، فعليا، مع الحوثيين، مع مراعاة مسألة التهيئة والاستعداد لهذه الاستجابة من كل النواحي.

○ في حال انهارت جبهات القوات الحكومية وسقطت محافظة مأرب في أيدي الحوثيين، فما الذي ستؤول إليه الأمور في البلاد؟
• لا أعقد أنها ستكون نهاية الحرب، بل بداية معركة أخرى وأقوى منها، وستكون المواجهة حينذاك بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المشتركة في ساحل تهامة، غرب البلاد، في إطار تحالف سياسي معلن، وهذا ما تسعى إليه السعودية والإمارات من وراء تجريد حزب التجمع اليمني للإصلاح، من أي نفوذ عسكري وسياسي في مناطق سيطرة القوات الموالية للرئيس هادي. أي أن البلاد قد تُدفع إلى وضع سياسي وعسكري أعقد مما آلت إليه البلاد عام 2014 وما بعده.

○ ما السيناريوهات المتوقعة لليمن في ضوء المعطيات الحالية العامة على الأرض والتوجهات الدبلوماسية، الإقليمية والدولية؟
• هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي كما يلي:

السيناريو الأول:
محاكاة النموذج الصومالي القائم، وهذا النموذج تُبرزه محاولات تقسيم الجنوب إلى مناطق نفوذ قوي بعينها، وهو وضع مقارب إلى نمط ما قبل عام 1967 بإضعاف نفوذ الرئيس هادي ومؤيديه من القوى الوطنية الداعمة لوحدة البلاد، ومشروع الدولة الاتحادية. إذ يجري، الآن، تضييق نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، في مناطق بعينها، بعد ما جرى تجريدها من أهم المناطق الاستراتيجية، مثل: المناطق الساحلية، وبعض مناطق استخراج النفط، والجزر والأرخبيلات، والسواحل ذات التأثير الجيوسياسي الفاعل، ومن ذلك عدن، وحضرموت والمهرة وشبوة والمخا، وأرخبيل سقطرى وجزيرة ميّون (بريم) الواقعة في مضيق باب المندب.

السيناريو الثاني:
تمكين الحوثيين من مأرب تمكينا كاملا، والتوقف في شبوة تكتيكا، لتمثِّل ضمانة له من أي تدخل جنوبي، عندما يتحول لمناجزة بقية خصومه، في ساحل تهامة (الحُديدة) وتعز. وهذا السيناريو، بالطبع، سيكون مرتبطا بعدم حصول تحالف بين المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات المقاومة الوطنية، لا سيما أن قواتٍ جنوبية محسوبة على وزير الدفاع الأسبق، هيثم قاسم طاهر، سُلِّمت لها، قبل أسابيع، مناطق ساحلية متاخمة لمناطق سيطرة الحوثي جنوب الحُديِّدة، بعد ما كانت السيطرة فيها لقوات طارق صالح.

السيناريو الثالث:
البقاء المؤقت للوضع الراهن، إلى أن تستعيد الحكومة زمام المبادرة، بناء على الإجراءات والتدابير السياسية والعسكرية التي قد تلجأ إليها، إلا أن ذلك يتطلب تفاهمات مكلِّفة الثمن تقبضها السعودية والإمارات، لقاء وقف دعمها الكيانات المناوئة للحكومة، على أن تدعم مشروع الدولة الاتحادية، ويتمثل هذا الثمن في حصول الدولتين على امتيازات استثمارية سبق معارضتها، وإعادة ترتيب القوى السياسية النافذة داخل الحكومة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى