خلص الكلام فماذا بعد

> سبع سنوات ونحن نشاهد معارك الشرعية عبر الفضائيات التابعة لها ومن القنوات الحليفة الأخرى وكأنها معارك حقيقية، وتنشر أفلاماً بأن هناك تقدماً لقواتها، بل إعلان بعض مراسليها بأنهم على أبواب صنعاء وهم هناك، أين هم الآخرون؟ وكلام كثير من التباهي بالانتصارات الوهمية، لنجد بعد هذه السنوات أن الحوثي على أبواب مأرب معقل الشرعية وأصبحت الشرعية تستنجد بالمجتمع الدولي، لكي يأتي يقاتل بالنيابة عنها، أو يضغط على الحوثي ليقبل السلام معها وبشروطها وبمرجعياتها الثلاث.

سبع سنوات وإعلام الشرعية وذبابها الإلكتروني ومنظروها في القنوات الفضائية يولولون بأن شجرة دم الأخوين في سقطرة قد اختفت من الوجود، متهمين بذلك دولة الإمارات التي تعتبر جزءاً رئيسياً من التحالف، ويتجاهلون أنها حررت بمعية القوات الجنوبية أكثر من خمسة وثمانين في المئة من جغرافية اليمن، ولا ينسون أنهم يصفون الانتقالي بالمعرقل للشرعية في تحقيق الانتصارات، وسبب رئيسي في هروب قواتها من الجبهات وتسليمها للحوثي، لا يعرف أحد ماذا جرى لهؤلاء، لأن منطقهم الغريب لا يقنع حتى الأطفال الرضع، بينما العالم يشاهد المهزلة العسكرية التي يقوم بها جيش الشرعية المسمى وطنياً يخلي مواقعه دون قتال.

أضاعت الشرعية فرصة تاريخية باستعادة اليمن من براثن الانقلابيين ومن ورائهم إيران، وذهب الدعم المقدم من التحالف والمجتمع الدولي في دهاليز الفساد، وقُصر النظر السياسي وأصبحت اليمن منصة لإيران تستخدمها لتنفيذ أجنداتها الجيوسياسية في المنطقة، كون اليمن تتميز بثلاث عناصر رئيسية المخزون البشري، وهذا موجود في الشمال وتمت السيطرة عليه والثروة الاقتصادية والموقع الاستراتيجي وهما في الجنوب ولَم تستطع السيطرة عليهما، وإن تم ذلك ستنقل إيران إلى مصاف الدول المحورية لتتربع على عرش المنطقة، وسيمكنها من الانتقال لتنفيذ مشروعها السياسي اللاحق في المناطق الأخرى المجاورة في استدعاء واقعة تاريخية من الصراع على السلطة بين علي ومعاوية تحت شعار قادمون يا قدس.

الجنوب المنتصر يواجه خلال سبع سنوات حروباً متعددة من قبل الشرعية بأوجه مختلفة، ومنها محاولة الغزو ونشر خلايا القاعدة وأخواتها لتعيث بالأرض فساداً وقتلاً للجنوبيين، ومحاربته بالخدمات وقوت يومه بقطع المرتبات لأشهر عديدة، وأخيراً انهيار متعمد للعملة المحلية، وأصبح كثير من الناس يقتاتون من مخلفات القمامة، وكل ذلك من أجل تركيع شعب الجنوب لاحتلاله من جديد وتسليمه لإيران.

ماذا تبقى من الشرعية بعد أن أصبحت محاصرة في مدينة مأرب خاصة وهي تقدم عروضاً مغرية للحوثي لإبقائها في هذه المدينة مقابل تمويله بما يحتاج من النفط والغاز، وكذا تم فتح الأبواب لاحتلال ما تبقى من محافظة البيضاء وبيحان، حيث تم سحب ألويتها المدافعة عن تلك المناطق إلى مدينة عتق دون أن تطلق رصاصة واحدة، ومع ترك مخازن من الأسلحة والعتاد النوعي الحديث لكي يعوض عن خسائره في الجبهات التي يواجه بها الجنوبيين في مناطق أخرى.

أصبحت مأرب مكشوفة من الجانب الغربي والجنوبي ومحاصرة من أغلب الاتجاهات، وعلى ما يبدو أن الحوثي لم يقبل أن يدخلها بغير حد السيف رغم محاولة الشرعية تقديم عروض مغرية لتسليمه مناطق جنوبية أخرى لإبقائها تحت حكمها، إلا أنه مصر على استسلامها لاعتبارات تخصه ومنها سياسية واقتصادية وعسكرية، فهو يريد أن يحقق نصراً عسكرياً يعوضه عن خسائره في الجبهات الجنوبية وآخرها الضالع، وفي نفس الوقت يريد أن يرفع معنويات قواته بأنه أخذ مأرب بحد السيف، وثالثاً من أجل أن يتمكن من السيطرة على مواردها الاقتصادية الكاملة لدعم المجهود الحربي، ورابعاً لكي يكون موقفه التفاوضي أقوى مع الشرعية والتحالف والأمم المتحدة، وأخيراً يتخذ مأرب منصة للانطلاق إلى مناطق أبعد في الجغرافيا الجنوبية اعتقاداً منه بأنه لن يواجه مقاومة جنوبية فيها خاصة وهي تحت احتلال الشرعية، وربما تعلن تلك القوات الصرخة وتتكرر تجربة أفغانستان الأخيرة وعندها سيكون قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد.

خلاصة القول إن الحوثي أصبح مسيطراً على صنعاء ولن يتنازل لأحد عن الحكم، وأصبحت عودة الشرعية إلى صنعاء من سابع المستحيلات، ولديه مشروعه السياسي الذي يظهر أنه أبعد من جغرافية اليمن
الشرعية التي تآكلت بسبب استحواذ حزب الإخوان المسلمين على قيادتها، وفشلت في العودة إلى صنعاء، لكنها نجحت في تحويل الصراع مع الحوثي للصراع على الجنوب.

الجنوب تحرر من غزو الحوفاشي عام 2015 ومن غزو الشرعية مرة أخرى عام 2019، ويقاتل وحيداً في كل الجبهات العسكرية المحيطة فيه من كل جانب سواء كانت شرعية أو انقلابيين علاوةً على صراعه من أجل البقاء بسبب حروب الشرعية عليه.
أين تكمن المشكلة؟ أصبحت المشكلة ليست داخلية بحتة تخص المتصارعين المحليين، لكنها أيضاً تخص دول الإقليم والعالم والبعض منهم منخرط في الصراع بشكل كامل ولا يخفي أحد تورطه.

ويعرف الجميع أن المشكلة الداخلية أساسها فشل الوحدة بين دولتي الشمال والجنوب، وأصبح الجنوب محتلاً يدار بالاستعمار حسب تصريحات أحد قادة الشمال مع تكرار عملية الاحتلال.

- العالم وممثلوه يحاولون إخراج اليمن من ورطته، ونشاهد تحركات ولقاءات وتسريبات هنا وهناك حول صيغ معينة لحلول يتم فرضها عبر قرارات دولية أو تفاهمات إقليمية، فإن كانت تعالج لب المشكلة وتعاد الأمور إلى نصابها، فالطريق سيكون سالكاً، وإن كانت تعالج قشور المشكلة وإعادة ترميم الوضع السابق مع تعديلات تتوافق مع المستجدات الجديدة، فالطريق سيكون ملغوماً وستتفجر مشاكل لا حصر لها ولن يستطيع أحد السيطرة عليها.

- نعرف أن الصراع له امتدادات إقليمية ودولية، وهذا الذي أطال أمد الحرب، لكن بالنتيجة لن يستطيع أحد فرض أجنداته السياسية، وإنما ستزيد معاناة الناس وستتدهور حياتهم المعيشية نحو الأسوأ، وسينعكس ذلك على أمن واستقرار المنطقة.
- لا يوجد مخرج آمن غير الاعتراف بأس المشكلة والتسليم بالحقائق والمساعدة على إعادة الوضع إلى ما كان عليه، ولدى مجلس الأمن قرارات دولية لم تسقط بعد منذ العام 94م، ومنها أن لا يتم فرض الوحدة بالقوة والأطراف المعنية هما الشمال والجنوب وفقاً لتلك القرارات.

- في الجنوب تم تجريب كل شيء عليه من الحرب إلى الإرهاب واغتيال الكادر، وإلى تجريف الوظيفة العامة وحرمانهم منها، وإلى تهميشهم وتجويعهم بمنع مرتباتهم، وإلى جعل حياتهم اليومية لا تطاق، ومع كل ذلك ما زالوا صامدين على عهدهم في استعادة دولتهم، ولن يثنيهم أحد في المستقبل عن تحقيق هذا الهدف.

- هذه استخلاصات لما هو موجود على أرض الواقع، فمن حاول الالتفاف عليها سيفشل كما فشل من سبقوه، فلن تعود المياه إلى النهر مرة أخرى، فقد ذهبت إلى مستقرها، وهكذا هي السياسة لن تعود تلك التي مارست الظلم والقهر والاضطهاد على الجنوب مرة أخرى حتى لو تمت إعادة صناعتها في أحدث المصانع بالإقليم والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى