اقلبوا الطاولة المقلوبة ؟

> ي عبارة يستخدمها الناس في العادة للتدليل على أن الأمور أو المفاهيم قد تأخذ الطابع العكسي إذا ما تم قلب الطاولة التي تحمل تلك الأشياء أو الأمور. فمثلا ما هو موضوع من أشياء مادية (أو مواضيع معنوية أو أيا كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية) أو بشرية أو أيا كانت طبيعتها، موضوعة على طاولة أو مساحة من الأرض، بما فيها الأوطان، قد يتم انقلابها رأسا على عقب، وربما أن هذه العبارة قد نقلت حرفيا من اللغة الإنكليزي Turn the tables in reverse اي قلب الطاولة بالمعكوس، فما هو أعلى أصبح أسفل والعكس صحيح. أنا لست متأكدا من: لماذا أُخِذت هذه العبارة في الاستخدام في الاتجاه السلبي غالبا، ويندر استخدامها في الاتجاه الإيجابي، ربما يُعْزى ذلك إلى أن العالم والكون بأكمله (كما تؤكد قوانين الفيزياء ومفهوم الإنتروبي تحديدا Enotropy) يسير باتجاه زيادة الفوضى فيه، ويُعتبر النظام والانتظام والترتيب في الكون، أيا كان نوعه أو مصدره حالة خاصة، وينطبق ذلك على السياسة بشكل واضح، فبمجرد انهيار أي نظام سياسي أيا كان نوعه سرعان ما يحل الانحلال و الفوضى بديلا عن النظام. وفي السنوات العشرين الماضية أو أكثر منها قليلا، ربما أن الكثيرين من القراء قد لاحظوا أو عايشوا ذلك خلال مرحلة الانهيار للنظام الاشتراكي في المعسكر الشرقي أو سقوط النظام في العراق، وأخيرا في ليبيا واليمن. ما يميز المعسكر الشرقي (إضافة إلى قلب العروبة النابض مصر) هو وجود منظومات أمنية وعسكرية وطنية، استطاعت بسرعة السيطرة على الانهيارات الأمنية والمجتمعية نظرا لامتلاكها الوعي بقيمة الوطن والقدرة البشرية والعسكرية، فجنبت شعوبها وبلدانها كثيرا من الخراب والدمار، بعكس ما نراه في الحالة العربية (العراق، ليبيا، اليمن ومؤخرا تبدو المؤشرات في لبنان دالة على التحاقه بمعسكر الفوضى). ففي الدول الأخيرة تحللت الجيوش والمنظمات الأمنية المبنية على أسس غير وطنية، ونهبت مقدراتها وتبخرت بين عشية وضحاها. لتذهب كل تلك المقدرات لكل الأيادي العابثة والمتاجرة و حتى الإرهابية.

ونحن في اليمن شمالا وجنوبا منذ 2011 وحتى يومنا أستطاع ساستنا مدعومين بالقوى المتدخلة الإقليمية والدولية، أن يضربوا أبشع الأمثلة، بما أوصلوا البلاد والعباد إليه، إلى درجة أن المجتمع الدولي عجز عن توصيف ما يجري ويحدث في هذه البلاد حتى أنهم استخدموا مصطلحا طبيا وليس سياسيا واقصد به مصطلح (الحالة اليمنية) . سبع سنوات من الدمار والتدمير في البنى التحتية الركيكة أصلا وملايين المشردين وعشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى، أوبئة وأمراض وبقايا منظومة صحية وعشرات الآلاف من المدرسين بدون رواتب أو برواتب ما عادت تسمن ولا تغني من جوع، نتيجة للعملة التي أصبحت قيمة طباعتها أعلى من قيمتها النقدية. يزداد الأمر سوءا بفعل فاعلين مقتدرين أوصلوا المحافظات المحررة التي فوضت المجلس الانتقالي بقيادتها نحو الاستقلال، فغطس في بحر السياسة القذر وانزاح رويدا رويدا من الطريق المرسوم ليقع في طريق شبكة العنكبوت(الآمن) كثيرة الخطوط مع استمرار نزيف الحرب التي تقطر أرواح شبابا في عمر الورود مضحين بحياتهم لأجل استعادة دولة الجنوب المستقلة. وكان جراء تلك الآلام تغريدة لقيادي واحد احترمه لشجاعته فقط لأنه أصدر تغريدة وعد فيها بأن المجلس سيقلب الطاولة بمن وما عليها، إذا ما استمرت الأمور (التي هي تحت الصفر) على ما هي عليه. لأخي اللواء أحمد سعيد بن بريك ومن يؤيده أقول أخي اللواء لقدت تأخرتم في قلب الطاولة التي كنا مبعثرين عليها... لقد قُلبت الطاولة على رؤوسنا فوقعنا تحتها ومات منا من مات ويحاول الحياة من تبقى من الأحياء، وما أظنهم ناجين من الهلاك ما لم يتم تلاحق إيقاف الطاولة على ارجلها الأربع التي سندعمها بقوانا وجروحنا ودموعنا وحتى بآهات جرحانا وتناهيد آراملنا. وطن قائم بسواعد أبنائه وليس بكراتين التمر والسلال الغذائية التي يعاد بيعها للفقراء في محلات تجارة الجملة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى