وطني المنهوب المسلوب

> عندما كنت طالباً في الثانوية ألفتت نظري عبارة جميلة تحت لوحة تحتوي على كتبان رملية، وتشير اللوحة إلى صحاري الجزيرة العربية التي تكمن تحتها أكبر حقول النفط في العالم، وظلت اللوحة بذاكرتي حتى مع مرور السنين الطوال.
حين أعيش ليالي الظلام الذي يرخي سدوله على أحيائنا السكنية في عدن، تذهب بي الذاكرة إلى منعطفات الحياة غير المستقرة التي عاشها جيلنا كمن يتابع خيط دخان.

الثروات الكافية في باطن الأرض لم تشكل سبيلاً لحياة أفضل استقراراً إن لم تكن هي سبب للحروب والتناحرات التي لا أول لها ولا آخر وفق معطيات الوضع المأساوي الراهن بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
لا يوجد شيء يبعث الأمل، ولا ملامح في الأفق يمكنها أن تعطي الأمل مستقبلاً أفضل.

نصحني أحد الزملاء ممن دعاهم التفكير مؤخراً إلى مغادرة الوطن صوب ديار الغربة مع كل أفراد أسرته، نصحني بالبحث عن مواطن أخرى يمكنها أن تشكل حلاً لحياتنا غير المستقرة، ولا أريد أن أقول له إن فكرته غير صائبة بالمطلق ليس من منظوري الشخصي الذي أرى فيه أن الحياه لا تبدأ بعد الأربعين، لكن شيئاً بداخلي يقول هل تشكل بلدان غير وطنك موطناً دافئاً يأوي شيخوختك؟ في الواقع هذا لم يعد يراودني حلم بذلك بعد أن أيقنت أن علينا مواجهة قدرنا على تراب أرضنا ولو بحياة الكفاف.

للأسف، فحياة الكفاف والمشقة لم تعد ممكنة كما لو أن هناك نهجاً يدفع بنا صوب العجز التام من تدبير أمور حياتنا.
سألت نفسي هل التفكير بالغربة هو الحل؟ وما مصير هذا المكون السكاني الهائل؟ هل يلجؤون للبحث عن أوطان بديلة؟ معادلة لا يمكنها أن تستقيم في ذهني ولا أؤمن بها.

بالمقابل، هناك من يمتطون صهوة الثراء في بلداننا من العابثين والمستهزئين الفاسدين الجهلة، وهناك لوبيات نهب تتشكل من القتلة المستخفين بحياة غيرهم، بمعنى أن الأخطار الماحقة تداهم حياتك من كل صوب، وأن القيم قد تردت، وضمائر أصحاب الكروش التي بلعت حليب الأطفال أيضاً ماتت.

تنهشك أفاعٍ عبر نافذة ماحقة، تتخذ من بعض مفصليات الحياه سبيلاً للتركيع والإذلال، ومن الخدمات سبيلاً لتضييع سبل الحياة، ومن النفط أداة لرفع أسعار كل شيء، وكذلك العملة التي تشهد كل يوم تدهوراً عارماً، وما عليك إزاء كل ما سلف إلا أن ترفع راية الاستسلام التام، فالتصحر العارم يحاصرك عبر لوبيات ربما يريد أصحابها أن يورثوا هذه الأرض.

هل مازال الأمل معقوداً على تلك الصحاري التي نحن جزء من جغرافيتها وما تمكن تحت رمالها من مخزون النفط الهائل، أم بمستقبل الأجيال التي تذبح طفولتها على نحو غير مسبوق بعد أن تعذرت عليهم سبل العيش الكريم؟
ماذا بقي لنا في امتدادات جغرافية الأوطان المنهوبة غير المستقرة؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى