هل الحوار ترف أم ضرورة؟
السؤال الأساس ماذا نريد من الحوار؟

الانتقالي ملزم بأن يسمع نبض الشارع، الشعب ما زال متمسك بالانتقالي على الرغم من كل الحروب التي تشن عليه، ويتحمل كل المعاناة من أجل أن يعزز مكانته.

نظرًا لحساسية المرحلة التي يمر بها الجنوب ومع دخول أطراف إقليمية ودولية في الأزمة اليمنية ازداد الوضع تعقيدًا وتشابكًا أكثر من أي وقت مضى، ولهذا فالحوار أصبح ضرورة وحاجة ملحة في الوقت الراهن، وعلى الانتقالي الاستشعار بأهمية الحوار وإدارته حتى النهاية بروح الانفتاح والمسؤولية، وفتح الأبواب للمشاركة الحقيقية في صناعة الحدث، وما يترتب عليه من مسؤوليات جسام تتطلب مشاركة كل الجنوبيين دون شروط مسبقة إلا التوافق على هدف استعادة الدولة الجنوبية.

كان قرار الانتقالي إجراء حوار مع القوى والشخصيات الجنوبية في الخارج أمر في غاية الأهمية، لكن السؤال هل سيقتصر الحوار على من هم في الخارج ويستثنى من هم في الداخل؟

مع أهمية إجراء الحوار مع من هم في الخارج هناك ضرورة قصوى لإجراء حوار مع كل شرائح المجتمع الجنوبي ومكوناته في الداخل، ويتطلب ذلك الإسراع بتشكيل لجنة وطنية لإدارة الحوار، ويمكن أن يكون الحوار على مسارين: الأول مسار أفقي يشمل حوارًا شعبيًا على مستوى المحافظات والمديريات يشمل الجميع لاستقصاء الآراء والتصورات لما يجب عمله اليوم وفِي اليوم التالي، وحشد طاقات الجماهير للوقوف صفًا واحدًا خلف الانتقالي حتى تحقيق هدف استعادة الدولة.

أما المسار الثاني عمودي يستهدف بالحوار المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكلا المسارين يسيران جنب إلى جنب وفِي نسق واحد لتشكيل رؤية وطنية جامعة تسد فيها الطريق أمام التدخلات الخارجية والتي همها تشتيت نضال الجنوبيين من خلال دعمهم المستمر لتفريخ مكونات سياسية جديدة.

أهداف الحوار
الحوار يفتح فرصة لتصحيح المسارات، وسد الثغرات، وجبر الانكسارات، وتوحيد الصف، وتعميق التصالح والتسامح، وإنارة طريق المستقبل، وإعادة الاعتبار للتاريخ والجغرافيا.
الحوار فرصة لاستعادة زمام المبادرة في تعميق المصالحة الوطنية وزرع بذور التسامح بين طبقات وفئات المجتمع.

الحوار يجب أن يعلو على نطاق الحزبية والمناطقية، وأن يرتفع عاليًا، ويحلق في سماء الوطن ليحتضن الجميع دون تمييز أو استثناء أحد.
الانتقالي أمام تحدٍ كبير، وما عليه إلا أن يأخذ عملية الحوار بالجدية اللازمة، ولا يجب عليه أن يقف في المنتصف، فالحوار قضية حيوية يستهدف ضمان واستقرار العملية السياسية من الانهيار أو التخبط، وفِي نفس الوقت يضع أسسًا صحيحة تكون واضحة وكافية، يقنع فيها الجميع بأن اليوم التالي هو ملك للجميع، وعلى الجميع المشاركة فيه، كل حسب حجمه وكل حسب قدرته وكفاءته.

الذين هم جادون في استعادة الدولة سيكونون مشاركين فاعلين وسينخرطون في عملية الحوار؛ لأن هدفهم استعادة الدولة، أما الذين يرفعون شعار استعادة الدولة ويتلكؤون عن الحوار أو يناورون ويتحججون بشتى أنواع الحجج فأنهم يبحثون عن سلطة أو موطئ قدم في أي سلطة وبأي ثمن، وهنا تظهر الحقيقة بكل جلاء، وتسقط الأقنعة المزيفة أمام شعب الجنوب.

ولهذا فالحوار يستهدف وضع خارطة طريق يشارك فيه الجميع ممن هم مع هدف استعادة الدولة، والحوار لا يعني تقاسم للسلطة الضائعة في الوقت الراهن أو البحث عن مواقع وظيفية أو تحقيق مصالح آنية وشخصية؛ لكنه يعني بالدرجة الأولى هندسة مسار العمل الوطني، وتوحيد روافده المتعددة، ليصب في مجرى هدف استعادة دولة الجنوب الوطنية الفيدرالية.

وفي الأخير الحوار لا ينبغي البدء به من نقطة الصفر كما لا يعني إلغاء الكيان الجنوبي المفوض، خاصة وقد أثبت قوته على الأرض وأصبح يحظى باعتراف إقليمي ودولي؛ ولكن هناك حاجة ماسة لكي يفتح هذا الكيان حوارًا بناءً لإشراك كافة قوى المجتمع الجنوبي؛ لكي يلتف الجميع حوله، ليعزز مكانته على الأرض، وإعطاء رسالة للإقليم والعالم بأن قاطرة الجنوب يقودها وخلفه كل مكونات المجتمع الجنوبي في جبهة وطنية عريضة نحو استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية.

لا يوجد خيار آخر أمام الانتقالي غير السير في هذا الطريق، طريق الحوار ليتجنب العثرات، ومكر الماكرين قبل أن يتمزق الجنوب إلى كانتونات صغيرة تكون سهلة الابتلاع من قبل المتربصين به، فبوحدة الصف الجنوبي يستطيع الانتقالي ووراءه شعب الجنوب العبور نحو المستقبل بكل ثقة واقتدار.