تحية للمناضل أحمد عبدالله المجيدي

> صدمت حين قرأت معاناة المجيدي في واحد من أعداد هذه الصحيفة، وهو يحمل على كاهله سنين طويلة من النضال والعمل والتضحية على المدى الزمني الذي تشكلت فيه الخارطة السياسية لدولة الجنوب بالثورة أولاً في أكتوبر 1963م، ثم بالاستقلال الوطني في مثل هذا الشهر من العام 1967م وعلى مدى ثلاث وعشرين عاماً في دولة الجنوب الفتية قبل أن تتوحد الدولة الجنوبية مع دولة الشمال في 22 مايو 1990م ويستمر الرجل في عطائه غير المذكور حتى إقالته من منصبه لمحافظ لحج عام 2015 بداية الحرب العدوانية على الجنوب.

تحتفظ ذاكرة أرض الصبيحة بملامح الفدائي الأسمر وهو يختط طريقه النضالي منتصف الستينيات في الملتهبة من داخل عدن حاضنة الجميع بعد أن غادر مسقط رأسه في قرية القاضي حسن وهي حوطة من حوطات لحج لوجود ولي الله الصالح فيها الذي تسمت باسمه.

كان الانتماء في التنظيم الشعبي لجبهة التحرير، ثم في إطار التنظيم الظافر بالاستقلال الوطني ليتبوأ أحمد المجيدي مناصبه الأولى في مراكز ومديريات الصبيحة ولحج بما في ذلك قيادته لمؤسسة المياه في لحج، ولا شك أنه قد وجد صحبة حميمية مع مناضل من صنفه هو الشهيد قائد علي صلاح الذي استشهد أثناء زحف قوات العدوان الشمالي على الجنوب في صيف عام 1994م، وكان المجيدي قاب قوسين أو أدنى من الموت أيضاً عندما كان يمشط طريق الوهط - طور الباحة، ليستشهد من كان إلى جواره وهو عضو في لجنة الاشتراكي المركزية.

كان أحمد عبدالله المجيدي واحداً من الرجال الذين لا يستوي النضال والعمل لديهم إلا من بين أوساط المواطنين، وتكاد تكون هذه شفرة جينية لشخصيته.
في أحداث يناير 1986م المؤسفة كان الرجل مهموماً بعدم التفريط بمؤسسات الدولة وانزلاق الوطن إلى حرب أهلية، وكان بمقدوره أن يتنقل في الوحدات العسكرية وأن يجمع ما يمكن أن يجمعه من قوام اللجنة المركزية في بيته بدار سعد لمنع الانهيار والعودة إلى شرعية الدولة رغم الخسائر الكارثية.

كان الحضور كافياً لوضع ترتيبات ما بعد الكارثة، ورفعت المقترحات إلى علي سالم البيض في معاشيق لقطع الطريق على ترتيبات أخرى كانت تتم على عجل أيضاً لفرضها أمراً واقعاً، وللتاريخ والإنصاف كان المجيدي يقترح الأخ ياسين سعيد نعمان رئيساً للحكومة، ولعله اقترح آخرين لكنه كان يرضى بالقليل، فذهب قانعاً إلى المهرة محافظاً ثم إلى حضرموت.

كنا نتابع أخبار الحرب العدوانية في 1994م على الجنوب ونتفاعل ونحن في موسكو معها، وكانت ترد إلينا أنباء الملاحم البطولية التي يبرز من خلالها اسم البطل الصبيحي الآخر محمود أحمد سالم قائد جبهة خرز، قبل أن تحيق الهزيمة بالجنوب ويكون تواصلنا مع قيادتنا في الخارج ومنهم الأستاذ أحمد عبدالله المجيدي عن طريق الصحافة التي أصدرتها هذه القيادات مثل الوثيقة، وصوت الجنوب، وسواها، وعند عودة المجيدي وياسين كان اللقاء بهما رمضانياً في دار الشيخ سيف بن محمد فضل العزيبي بعدها طلب مني المجيدي الكتابة عن نعمان لتدعيم موقفه في وجه حملة تشهير معرض لها، لكن الاسم الغائب والحاضر عندي دائماً كان محمود الصبيحي الذي أكثرت من السؤال عنه والمجيد يشير إلى أحد أفراد حراسته بأنه نجل محمود، وفهمت أن هذا البطل يعمل في دولة الكويت وكأنه لا يريد أن يكون عالة على أحد أو على دولة ما.

كانت المناصب التي تقلدها المجيدي قبل الوحدة وبعدها مغرماً لا مغنماً، لكنه كان يخرج منها بحاضنة شعبية تقدر تماماً ما قام به هنا أو هناك سواءً في المهرة أو حضرموت أو إب أو لحج أخيرا.
كانت قراراته الحاسمة تأتي مستمدة من الإجماع الشعبي وتطلعات المواطنين وبإمكانه أن يتخذ أصعب القرارات بشجاعة نادرة ولا يتحرج من العودة إلى المواطنين والشخصيات الاجتماعية وأصحاب الرأي وتقصي رؤيتهم قبل اتخاذ القرار.

كانت لحج في أمس الحاجة إليه مطلع العقد الثاني في الألفية الجديدة وكانت كل المؤشرات سلبية من البنية التحتية إلى انعدام الأمن وتصاعد الحراك الجنوبي والربيع العربي (الذي كان خريفاً عبرياً بحق)، لكنه على رأس السلطة المحلية لم يتوانَ لحظة في إيجاد الحلول والحفاظ على مؤسسات الدولة، ويرافقه في هذه المرحلة القائد البطل محمود الصبيحي، وكان هذا الثنائي الوطني كفيلاً ببث الاطمئنان في نفوس المواطنين.

وفي بداية حرب الحوثي على الجنوب وقع وزير الدفاع اللواء محمود أحمد سالم وزميلاه البطلان ناصر منصور هادي وفيصل رجب في أسر القوات الزاحفة على لحج وصولاً إلى عدن، وأقال الرئيس هادي البطل أحمد عبدالله المجيدي، ليعيش بعيداً عن وطنه محروماً من مستحقاته المالية الأساسية كمواطن ناهيك عن رجل بحجمه في التضحية والعمل والنضال لصالح وطنه وشعبة، طارقاً كل باب في الخارج ليطالب بالإفراج عن توأمه الأسير الأسطورة محمود الصبيحي سواء كان ذلك عن طريق الأشقاء العرب حكاماً أو مسؤولين، أو عن طريق المنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان. تحية إجلال واحترام لهذا المناضل الكبير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى