​شباب يزيلون الغبار عن الطباع الأصيلة للمدينة المتسامحة.. فعاليات لتعزيز التعايش في عدن

> تقرير/ عمران مصباح:

>
لأسباب عدة، استطاع البعض تنميط الصورة عن عدن، بأنها صوت الانفصال الدائم، ووجهت لهذه المحافظة الكثير من الاتهامات، دون التفريق بين العمل السياسي المليء بالأخطاء، وبين المجتمع ذاته، الذي يمتاز بسمات نبيلة، يلمسها كل زائر لهذه المدينة. وإضافة إلى ذلك، هناك حراك شبابي مستمر، لم يُسلط عليه الضوء بعد، يُحاول إظهار الجانب الإيجابي الموجود أساسًا في عدن، والمتمثل بالتنوع الذي تشكلت عليه المدينة منذُ القِدم. عادة ما تكون أنشطة أولئك الشباب عبر إقامة الفعاليات التي تدعو للتعايش، وإحدى تلك الفعاليات، أقامتها مؤخرًا مبادرة "أولف" ضمن برنامج "بناة السلام"، والتي هدفت لإعلاء قيمة التعايش بدرجة أساسية، وتعاملت مع اليمن -كل اليمن- دون استثناء، من خلال الاحتفاء بالتنوع والاختلاف على طول الجغرافيا اليمنية، كما تعتبر عدن نموذجًا مصغّرًا لذلك التعدد الذي قامت عليه الحياة في كل مدن العالم الحديث.

عن الفعالية ورسالتها
نفذ الفعالية فريق مبادرة "أولف"، وتقول يسرى الجاكي، رئيسة المبادرة، لـ"خيوط": "إن فكرة الفعالية بدأت قبل شهر يونيو، وحينها قدمها الفريق لمشروع بناة السلام"، مشيرة إلى أن مشروع الفعالية كان واسعًا، ومقسمًا إلى ثلاث مراحل، شمل نشاطات مختلفة جميعها تصب في الهدف نفسه، آخرها هذه الفعالية. وتضيف: "ابتدأنا بالمرحلة الأولى، والتي كانت عبارة عن نزول إلى محلات تجارية في عدن، وتوفير قصصهم، وهي قصص ناس ليسوا من أبناء عدن، لكنهم انتقلوا إليها وعاشوا فيها، وأصبحت محلاتهم ماركة معروفة لدى الناس جميعًا، أما المرحلة الثانية، فكانت صناعة فيلم اسمه "قلص شاهي"، والذي يصب في الهدف نفسه، وعرض في الفعالية، التي كانت هي المرحلة الثالثة".

كان هدف الفعالية وأنشطتها إيصال رسالة واحدة؛ التعايش، والتنوع الموجود في عدن. تقول سارة زين، مسؤولة التواصل في المبادرة، عن تلك الرسالة، لـ"خيوط": "حاولنا إظهار عدن كحاضنة لكل تلك الثقافات، والاختلافات، ولم نأتِ بشيء من عندنا، بقدر ما حاولنا إظهار جانب إيجابي هو موجود أساسًا؛ بغض النظر عمّا يظهره الإعلام، أو ما يمارس فعلًا من سلوكيات سلبية".

أنشطة عديدة تخللت الفعالية، جميعها هدفت لإظهار التعدد والتعايش الذي لا تزال عدن تحتفظ به كإحدى طبائعها الأصيلة. ومن ضمن تلك الأنشطة، كان الغناء الصنعاني، والتهاميّ، واللَّحْجِيّ، والعدَنيّ، والحضرميّ، وكذلك عرض لرقصات كل تلك المناطق. وضمن الفقرات تم استعراض لهجات المحافظات اليمنية، والملابس الشعبية الخاصة بها.

يقول كمال القرشي، مسؤول التصوير في المبادرة، لـ"خيوط": "أردنا إبراز التنوع الموجود في عدن، وتعزيز جوانب التعايش، ونحن في ذلك،لا نحاول تغطية السلبيات التي تحدث، بقدر ما نحاول التركيز على الإيجابي وتعزيزه، وهكذا تمشي الحياة".
ما تجدر الإشارة إليه، أن كل تلك التجهيزات التي استمر الشباب والشابات يعملون عليها لفترة طويلة لإنجاح هذه الفعالية، كانت عبارة عن تطوع جماعي من قبل الفريق وعلى نفقتهم الخاصة، وكل ما حصلوا عليه من دعم، كان إيجار القاعة، وذلك بحسب اللجنة المنظمة.

مساحة الحرية
الملاحظ - ومنذ بداية الحرب - أن مساحة حرية إقامة الفعاليات تتقلص كل يوم أكثر من السابق، على مستوى اليمن عمومًا، وذلك لصالح القمع، وإظهار اللون الواحد، الذي تفرضه الجماعات المسلحة على المناطق التي تحت سيطرتها. ويرى نشطاء مبادرة أولف أن "هناك تفاوتًا نسبيًّا، بسيطًا ومهمًّا لصالح عدن"، عند مقارنتها بصنعاء.

تقول يسرى الجاكي: "أنا بقيت إلى فترة قريبة في صنعاء، وأعرف ما تعانيه صنعاء، وكذلك ما تعانيه عدن، وأعتقد أن الشروط التي يتم وضعها أمامك في صنعاء لإقامة فعاليةٍ ما، كثيرة جدًّا، أو الحصول على تصريح؛ بينما في عدن المساحة أوسع، على الرغم من أن هناك أمورًا نراعيها بالتأكيد، ولا نحاول تجاوزها".

الكثير من الأنشطة والفعاليات، سواء المدعومة من منظمات محلية أو خارجية، أصبحت تقام في محافظة عدن. وتضيف يسرى أن ذلك يعود لهامش الحرية الموجود، إلا أنها في الوقت ذاته تضيف: "بالطبع لا أستطيع نفي وجود ممارسات سلبية، أو تمييزية فهي موجودة في الجذور، وعززتها الحرب، وتحتاج لوقت كافٍ للتخلص منها، ونحن نعمل بطريقة خاصة، كي لا نعرض أنفسنا للخطر". ومع ذلك تقول إن النشطاء يتعرضون لبعض الاعتراضات، ويُعرض عليهم أن يشركوا أشخاصًا في الفعالية لخدمة طرف معين، لكن النشطاء يرفضون ذلك، وهو ما يعني أن الحرية ليست كاملة حتى على مستوى إقامة فعالية.

فعاليات عدة
لم تكن هذه الفعالية الأولى أو الوحيدة التي تقام في محافظة عدن، بهدف تعزيز قيمة التعايش، بل هناك الكثير منها. تقول سارة زين: "مثلًا نحن في مبادرة أولف، أقمنا عدة فعاليات سابقة، لكن بهذا الأسلوب بالذات، كان هناك فعالية مدعومة من شركة "يمن موبايل" تحت شعار تعزيز موروثك، وكانت فكرتها تعزيز الهوية العدنية، واليمنية بشكل عام"، وتضيف أنه تم في الفعالية عرض للكثير من المشاريع والمتحدثين عن الهُوية اليمنية.

تختتم سارة زين، مسؤولة التواصل في مبادرة أولف حديثها، لـ"خيوط" قائلة: "مستقبلًا لدينا أكثر من فكرة لتعزيز هذه الرسالة، ونتمنى أن نستطيع إقامتها بالشكل المطلوب؛ لأن هناك صعوبة واجهت فريق المبادرة". وتضيف سارة أن تلك الصعوبة تعود لأمرين: "الأول- عدم وجود دعم لأننا مجرد مبادرة، والدعم يأتي للمؤسسات، وتأسيس مؤسسة صعب جدًّا، الثاني- وضعنا حساس؛ لأنه، وعلى الرغم من أن غالبية الفريق من عدن، إلا أن هناك عددًا كبيرًا ينتمي لكل محافظات اليمن؛ لذا نعمل بحذر لكيلا نستفزّ طرفًا ما، وأيضًا لكي نهرُب من خدمة أي جماعة، أو فئة ما، فذلك يجعلنا غير محميين". وحسب قولها، فإنها وزملاءها سيستمرون بإقامة فعاليات وأنشطة مدنية ضمن مساحة الحرية المتاحة.

وما يجب استحضاره، هو أن هذه الفعاليات تلقى إقبالًا مجتمعيًّا كبيرًا، وتلك إشارة إلى أن المجتمع يسعى أيضًا لنشر التعايش، والسلام. وبحسب اللجنة المنظمة للفعالية، فإن القبول على هذه الفعالية الأخيرة كان عبر تقديم طلبات الحضور على الإنترنت، وتم قبول ٢٥٠ استمارة فقط، وهناك ضعف العدد، لم يتم قبول طلبهم للحضور، بسبب سَعة القاعة المحدودة.

أن توجد دعوات وأنشطة لتعزيز التعايش والسلام، هو شيء يستحق الاهتمام، مهما كانت مساحتها محصورة، وبالطبع، لا يعني ذلك الدفاع عن الأخطاء، أو محاولة لتغطية انتهاكات حصلت، وتحصل في عدن، والتي هي مدانة من قبل الجميع، بل القول إن هناك مجتمعًا متنوعًا، في محافظة تضم أفرادًا من كل أطياف المجتمع اليمني، ولا يمكن تجاهل ذلك.

"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى