البقاء في السلطة لمدة طويلة إلى الأبد حتى بلوغ سن المعاش وأكثر في مواقعهم، بلا تحرك لديهم ساكنا مشكلة مؤذية؛ لأن البقاء في السلطة مدة طويلة يتم عبر وسائل غير ديمقراطية، سواءً لعدم وجود قانون نافذ ينظم عملية تداول السلطة، أو لأنه يطبق بشكل مزاجي، بمعنى أنه يوجد قانون، لكنه في طي النسيان بسبب الحروب التي تتوالى في البلاد المجروحة.
نسينا القانون وكثيرا من الأنظمة واللوائح التي كانت سائدة في البلاد، نسينا أن تداول السلطة مكفول بالقانون، إلا أن السلطة تظل محتكرة على شخص أو حزب لا تتغير. ويتضح تأثير ذلك بوضوح، سواءً على السلطة أو الإدارة، ثم نجد الفتور يتسلل إلى روح المبادرة والابتكار عند الشخص صاحب السلطة، لشعوره بعدم وجود منافس له وأنه موجود على مقعده حتى الموت، وهذا ما هو حاصل في بلادنا، يظل الوزير أو السفير أو أي مسؤول كان في منصبه حتى الموت، لا يدرك هؤلاء القادة من المسؤولين أن استمرار الكبار في مقاعدهم يحولهم إلى جبابرة ومستبدين، وهذا شيء غير مناسب ولا معقول.
ونلاحظ أن مثل هذا التصرف ينتج عن ذلك سيطرة سياسية واحدة إلى الأبد دون تغيير، وفي نفس الوقت، استمرار هذا الشخص في السلطة يمنع بشكل تلقائي الآخرين من الوصول إلى مكانه، ويحول بالتالي دون تجديد دماء الوطن وعقوله المدبرة لشؤونه، فالسلطة المؤبدة حتى بلوغ المعاش. لا حرج من إلغاء وتفصيل وتغيير القوانين واللوائح ليستمر الحبايب من الأقرباء وغيرهم من المتلونين من اللاعبين بثلاث ورقات إلى الأبد. دعونا نتساءل: ترى كيف ينظر الشارع اليمني في شمال الوطن وجنوبه إلى هذه الظاهرة؟
ونرى الآن أنه يجب تغيير مثل هذه الأوضاع، يجب خلق عقد اجتماعي تحترم فيه القوانين وحقوق الأشخاص في الإسهام بأفكارهم في تقدم الوطن الجريح.
نقول هذا الكلام لأن بقاء أي مسؤول فترة طويلة يتنافى مع طبيعة الأمور، لأن الواقع بطبيعته متغير، وبالتالي، فبقاء المسؤول من العيار الثقيل أو غيره في منصبه فترة طويلة لا بد أن يؤدي إلى الجمود، لأنه مهما كانت قدرات هذا المسؤول ومكانته، فمن الصعب عليه متابعة التطورات المتلاحقة والأفكار الجديدة، وبالتالي، يكون هناك ميل لاتباع أسلوب واحد تقليدي طوال فترة وجوده في المنصب. وبقاء المسؤول لفترة طويلة، يعني عدم إتاحة الفرصة لجيل آخر للصعود والبروز، بل إصابة الأجيال الجديدة باليأس والإحباط، مما يفقدنا كوادر جيدة يمكن أن تشكل إضافة للعمل العام، وبقاء المسؤول لفترة طويلة يخلق حوله مجموعة من أصحاب المصالح المستفيدين من بقائه في المنصب، ويمكن أن تتحول هذه الدوائر إلى جماعات ضغط يحولون دون ظهور كفاءات جديدة يمكن أن تسحب البساط من تحت أقدامهم.