عيد استقلالنا الحزين

> نحتفل كل عام بعيد استقلالنا، ومن قسوة منعطفاتنا الخطيرة، توقف بعضنا عن تمجيده، وأصبحوا لا يخفون حنينهم لتاج الملكة (اليزابيث).

* أن تثور صنعاء التي كان يسكنها الجهل والمرض ويطاردها الفقر والقهر، أمر نستطيع فهمه، ولكن أن تثور عدن التي كان الناس يحجون إليها من كل فج عظيم، وكانت حينها تملك برلمانًا وشرعوا بكتابة وثائق حكمها الذاتي، وتلحقها سلطنات ومشيخات الجنوب التي كانت أشبه بدول صغيرة مستقرة وفي بداية اتحادها بدولة فيدرالية، فهذا أمر يجعلنا نقلب وجوهنا وأبصارنا وكفوفنا إلى يوم القيامة.

* القهر، أن الرفاق استلموا عدن عروسة يحسدنا عليها الجميع، فعندما كانت صنعاء تغلق أبوابها ساعة المغرب، كانت عدن مفتوحة على العالم ويضبطوا ساعتهم على توقيتها، وعندما كانت بعض الدول مجرد خيمة وبعير، كانت السكة الحديد تشق قلب عدن وتتفاخر بأرقى شوارع المنطقة، وعندما كانوا يغوصون ومصدر ثروتهم اللؤلؤ، كان (توني بس) يتربع على عرش أضخم إمبراطورية تجارية في الشرق الأوسط، وكانت أسرة (باهارون) تمتلك شركة طيران، وعندما كانت حياتهم شتات، ومدارسهم كتاتيب، كانت عدن تحتفل بفنونها، ومسارحها، ودور السينما، ووجهة لأشهر الفنانين، وكان صوت (ماهية نجيب) يسافر عبر أثير إذاعتها، وأسس فيها (لقمان) مطبعته الحديثة وبات (باشراحيل) صاحب الامتياز وناشر لصحيفتين، وكان التلميذ (باذيب) يكتب مقالاته في أشهر جرائدها.

* أعلنوا استقلال الجنوب، ومساحته أكبر من نصف دول الخليج، وتعدد سكانه بالكاد يتجاوز مليون مواطن، وقد كان يكفيهم ميناء عدن ومصفاتها ليعيشوا بترف جيل بعد جيل، ولكنهم عجزوا أن يحكموا الناس بالعدل، ولم يتركوهم يعيشون بسلام مثلما وجدوهم.

* بدلًا من استثمار البنية والعقول الموجودة، وتأسيس الدولة الوليدة بقيم العدالة والتسامح، قرروا هدمها بتهمة الرجعية ومخلفات الإمبريالية، وغسلوا استقلالها بالحقد والدم، وركبوا المد الثوري حتى الذروة، وجرفنا تيار يسارهم الشيوعي، حتى بلغ كفاحهم كوبا ونيكاراجوا، وجعلونا بلاشفة وطبقة كادحة ومركسونا أكثر من ماركس نفسه، وذكروا في مناهجنا أن لينين قدوة حسنة، وبعد أن سقط صنمه، ضرط حمار ما تبقى من الرفاق، وفي نشوة سكرتهم وقعوا على شهادة احتلالنا الثاني في صفحة واحدة.. طردوا رجعية الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، أدخلونا جحر رجعية (أبو زنة) الظلامية!.

* إذا كانت بريطانيا استعمرتنا، فإن جبهتهم القومية استحمرتنا، فالأقلية الذين حسبناهم هربوا من طغيان إمامهم، صدروا الثورة والصراع إلى الجنوب، وركبوا استقلالنا لتحرير أنفسهم، وأصبحوا ببطاقة الحزب وسلطته على رأس لجنته المركزية وحراس الثورة، وأمموا ممتلكاتنا وأيدلجوا حياتنا، وكانوا يأتون من القرية إلى موسكو ويعودون قيادة، بينما صادروا أموالنا وشردوا عقولنا، وباتت أحلام كثير منا أن يسجلوه (عسكري)!

* نصف قرن وأكثر، عشنا (عبط) إرهاصاتهم الثورية ودفعنا فاتورة صراعاتهم، و ذهبت أعمارنا في انتظار النهاية السعيدة، ومازالت وطنيتهم تحتفل بعيد استقلال حزين، سرقوا مجده ونكاد لا نرى منجزاته، وإذا كانت وطنيتهم شريفة، كانوا تعلموا من تجربتنا القاسية وفهموا الدرس من أول مرة.
* العدالة أن هناك من يستحقون المحاكمة على كل ما ارتكبوه بحقنا طوال الخمسين عامًا الماضية، ليس انتقامًا، ولكن رد اعتبار للجنوب وشعبه، فلا تكفي مذكراتهم واعترافاتهم الصورية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى