الهبّة وحضرموت والقبضة

> في هذه الظروف الملتهبة يستغرقني التأمل كثيراً في مجرياتها العاصفة، ومعها دائماً ما يفرض العرّاب المتخفي وراء الكواليس نفسه وهو يتحكم بأدائها، هنا تستعيد ذاكرتي ملمح الممثل الأمريكي مارلون براندو في فيلمه (العرّاب) أواخر سبعينيات القرن الفارط، وهو يجسد شخصية زعيم المافيا التي أثارت الرعب في شوارع أمريكا آنذاك، فهو يأمر أتباعه بارتكاب الجريمة خلال لهوه البريء مع أحفاده في حديقة منزله.

في حضرموت هبّ الشعب غاضباً من العبث به، ومن النهب الشره لثرواته الطائلة وهو الجائع، والهبّة زلزلت مافيا النهب والعبث، وهكذا هم أهل حضرموت وكل جنوبنا، لكن للمافيا المحلية أذرعاً ومخالب تتكئ عليها محلياً وإقليمياً وخارجياً، وهذا ترابط مصالح أولاً، وثانيا هي سيناريوهات مرسومة في حركة المال ورسم شكل الأداء على الأرض في هذه البقعة أو تلك.

هذه الأدوار يلعبها العرّابون، وهذا منذ أمدٍ، فقد تشكّلت في حضرموت كما في غيرها كيانات ومكونات، ولكن يتبنّاها ويمولها ويشرف على أدائها عرابون بعينهم، وهي تخدم رؤاهم التي تدور في نفس فلك اللاعبين الكبار عالميا، وهؤلاء العرّابون يقدمون المدد الشكلي للمحافظة، ويتبنون تأهيل الكوادر النخبوية والمتميزة، وهؤلاء الأخيرون يصبحون من الصفوة وأيضاً الوزراء وخلافه، وهكذا يحكم هؤلاء العرابون قبضتهم على النخبة في المحافظة، وبالتالي على خيارات المحافظة عموماً.

لذلك تنتهي كل أشكال الغضب الشعبي إلى شيء من التسويات الهزيلة التي يصب النّزر اليسير منها في خانة الشعب، فقد تغيّرت قراءات التعاطي مع الثورات، وتغوّلت أساليب ترويض الثورات ولجمها في مهدها، وحديثاً لم نسمع مطلقاً عن أي شعب فجّر ثورة جِديّة لتغيير أوضاعه كما في الماضي، حتى الاصطلاحات والمفاهيم الثورية تغيرت جذرياً، وهنا أتمنى أن يصمد أهلنا في حضرموت هذه المرة، وأن يواصلوا موجة غضبهم المشروع ويصعدوه بعيداً عن هؤلاء العرابين وأتباعهم (البيادق) بينهم.

هذا درس من الحري بنا كجنوبيين أن نتمعن فيه ونتفهّمه جيداً، وحتى نتمكن من إجراء الحلحلة الحقيقية في أوضاعنا المأساوية، وأهمها كابوس هذه الوحدة المشؤومة، ففي حضرموت مثلاً: علينا أن نتأمل بعمقٍ ونستحضر من يتقمص دور العراب وينهض بأدواره التي أسلفنا، ولنقرأ بتمعن في أداءهم على الأرض بالأمس واللحظة، ولأن أداء العرابين بأنواعهم يتماهى في حضورهم وتبادلهم للأدوار في جغرافيتنا وغيرها، والأبرز أنهم يحكمون القبضة علينا، وبالتالي يتحكمون في مصائرنا، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى