"جدتي مفتاح للخير" مشروع لإحياء صناعة الخوص وتمكين المرأة في حضرموت

> منى الأسعدي

> برعت المرأة اليمنية منذ القدم في عدد من الحرف التقليدية، كنوع من الممارسة المهنية المتوارثة أو من أجل الحصول على دخل يمكن الاعتماد عليه في تيسير الأمور المعيشية. وفي حضرموت شرق اليمن، امتهنت الجدات صناعة (الخوص) الذي يعتمد في مادته الخام على سعف النخيل، وهي صناعة تتطلب كثيرا من الصبر والخبرة والبراعة الحرفية العالية لإتقانها.

مؤسسة "التسهيل لتنمية المرأة" في حضرموت، قامت مؤخرًا بتنفيذ مشروع "جدتي مفتاح للخير"، بهدف الحفاظ على صناعة "الخوص"، وإعادته إلى السوق المحلية والخارجية كمنتج ذي جدوى اقتصادية، في خطوة نوعية ومسؤولة تجاه الموروث الشعبي واستغلاله اقتصاديًّا.
و"الخوص" هو سعف النخيل المنسوج يدويًّا لصناعة جعاب وتوارالخبز والمراوح والمكانس وسُفَر الأكل (المسرفة) والحقائب والسِّلال وغيرها من الاستخدامات، وله أشكال مميزة تعكس الذائقة الجمالية والفكر العملي لدى صنّاعه في مدينة حضرموت.

تمكين وحفاظ
ازدادت الحاجة لتمكين المرأة اليمنية اقتصاديًّا بسبب التدهور المستمر للوضع المعيشي جراء الحرب وارتفاع معدلات الفقر في البلاد. ويعتبر تمكين النساء اقتصاديًّا حقًّا إنسانيًّا، وإحدى الأهداف الأساسية لهيئة الأمم المتحدة في أهدافها المستدامة المتعلقة بالمرأة، خصوصًا النساء الريفيات وكبيرات السن اللواتي تقل الفرص أمامهن كثيرًا ولا يستطعن الوصول إليها.

عمر بازهير، مدير "مؤسسة التسهيل" المتبنية لهذا المشروع، يقول في حديثه لـ "خيوط": "سعينا في مشروع "جدتي مفتاح للخير" إلى ربط الجيل السابق بالجيل الحالي"، ولتحقيق ذلك ركز المشروع على مشاركة النساء الكبيرات في السن "فوق سنّ الخمسين" مع فتيات شابات، لنقل الخبرة وأساسيات المهنة إلى الجيل التالي.

ويضيف بازهير أن اختيار النساء المشاركات في هذا المشروع، اعتمد على "مسح ميداني لمناطق مدينة تريم والمناطق المجاورة لها"، وأن عملية المسح أسفرت عن الوصول إلى 700 امرأة من كبيرات السن اللائي يتقنّ أعمال صناعة الخوص، ومن بين هذا العدد من ترغب بتعلم وتعليم أسرار هذه المهنة.

ويشير إلى أن أهمية المشروع ظهرت من خلال إقبال عدد كبير من النساء للمشاركة فيه، خصوصًا كبيرات السن. ويتابع: "بعضهن يأتين إلى المشغل على عكاز وأُخَر على كرسي متحرك، والجميع ملتزم بحضور ساعات العمل كلها، التي تبدأ الساعة السابعة صباحًا حتى الـ12 ظهرًا"، لافتًا إلى أن كبيرات السن هن الأكثر التزامًا، مما يُحفز الشابات على "مبدأ العطاء والالتزام".

وعن آلية العمل في مشغل "الخوص" التابع للمشروع، قال بازهير إنه تم تقسيم النساء إلى مجموعات، كل مجموعة تضم ما يقارب 50 امرأة كبيرة وعددًا غير محدد من الفتيات والشابات. وما يلفت النظر - حسب مدير المشروع- هو ذلك الانسجام بين جيلين من النساء، إذ يتبادلن النكات والأمثلة الشعبية القديمة، مما يجعل التقاءهن مواتيًا لنقل خبرة حياة، وليس مجرد تعلّم صنعة قديمة، مشيرًا إلى أن ذلك يُحسن من مزاج الجدات والأمهات كبيرات السن، اللواتي فقدن الأمل والشغف بسبب البقاء لسنوات طويلة داخل المنازل.

فاطمة سالم، إحدى المستفيدات من المشروع، تقول لـ "خيوط" إنها استفادت كثيرًا خلال مشاركتها فيه، وإنها تأمل بتحقيق فائدة اقتصادية أيضًا من خلال بيع المنسوجات التي قال إنها تلقى طلبًا عليها، خصوصًا القفّة والمكانس ومحامل الخبز.

وحسب بازهير، هذه هي المرحلة الثانية من المشروع، وستستمر شهرين، إضافة إلى اعتزام مؤسسته إقامة بازار لتسويق المنتجات وعرضها في نهاية هذه المرحلة بغرض تصديرها إلى شرق آسيا، إذ يكثر الزوار من بلدان هذه المنطقة لمدينة تريم، كما يؤكد أنهم يسعون للتوسع بالمشروع؛ ليشمل إقامة مشاغل للخوص في محافظة حضرموت كلها. يقول بازهير: "نأمل أن يتم إعطاء أهمية قصوى لمشاريع تمكين المرأة، ذات الجودة التي تعود عليها وعلى المجتمع بالنفع".

آلية التعامل مع الخوص
ساعدت البيئة الغنية بأشجار النخيل في حضرموت، على انتشار هذه الحرفة قديمًا في المحافظة التي تبلغ مساحتها ثلث مساحة اليمن، وطالما اعتمدت النساء على السعف في صناعة ما يزيد عن 35 صنفًا من المنسوجات اليدوية.

يتم تجميع سعف النخيل الجاف وتقطيعه، ثمّ غسله ليصبح جاهزًا للحبك. وتقرر النساء الصانعات منذ البداية ما يردن صناعته من أدوات، حيث يقمن بصناعة "السفّة" التي تكون نواة لأي أداة يردن نسجها، ثم يبدأن بعمل الجدائل والغُرز المخصصة للأداة. ولا تعتمد النساء على ألوان السعف الأصلية فقط، بل يصبغنه بألوان مميزة تضفي جمالًا فائقًا على المنسوجات.

تقول أم محمد (50 سنة)، عن آلية تلوين "الخوص": "نضع الماء، والملح، والشاي، والصبغة الخاصة، ونخلطها جميعًا على النار، وعندما يغلي، نخرج الخوص ونهزه ونضعه في الماء البارد، ثم نخرجه ونجففه من الماء ونبدأ بالعمل عليه".

عادات قديمة
كانت الأمهات قديمًا في حضرموت يشترين الحصير و"المسفرة" وغيرها من منسوجات سعف النخيل لبناتهن من ضمن الجهاز الخاص بهن عند الزواج.

تقول أم باسل (55 سنة)، إن أم العروس في الماضي، كانت تحرص عند شراء منسوجات "الخوص" ضمن جهاز ابنتها، أن تكون بألوان بارزة لتتميز العروس بها. وعن المنسوجات التي كانت تستخدم قديمًا في جهاز العروس، وقلّ أو تلاشى استخدامها اليوم، تضيف أمّ باسل في حديثها "لخيوط": "كنا نستخدم الزِّنبيل، حيث نضع حاجاتنا فيه عند التنقل من منطقة إلى أخرى"، إضافة إلى الحصير أو "الحسير" الذي كان يستخدم في البيوت للجلوس عليه، و"المسفرة" أو السُّفرة الخاصة بتقديم الطعام. أما منسوجات "الخوص" التي ما زالت تستخدم إلى اليوم، فهي المكانس، والقُفّة: وعاء دائري الشكل مع غطاء، يستخدم لحفظ الأكل وتغطيته.

مع اكتظاظ الأسواق اليمنية بالأدوات والبضائع المستوردة، تلاشت معظم الصناعات المحلية والمنتجات القديمة، ويمكن لمشاريع مثل "جدتي مفتاح للخير" أن تسهم في تحسين اقتصاد الأسرة، وبالتالي الاقتصاد الوطني، خصوصًا تلك المهن التي تبرع فيها النساء؛ الفئة السكانية الأكثر هدرًا لطاقاتها في بلد يقاوم سطوة الحرب وانتشار الفقر سنويًّا بمعدلات متصاعدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى