الزج بقوات العمالقة الجنوبية في جبهة مأرب خطأ استراتيجي

> الخطوة التي أقدمت عليها دول التحالف العربي، المتمثلة في الزج بقوات العمالقة الجنوبية في أتون القتال المحتدم في جبهة مأرب تعد خطأ استراتيجيا وغير محسوب العواقب ستترتب عليه نتائج خطيرة على مسار الحرب وعلى سلامة قوات العمالقة التي أدخلها التحالف العربي في هذا المستنقع المحفوف بالمخاطر، وفي ظل بيئة اجتماعية وعسكرية مغايرة تماما لطبيعة البيئة السياسية والعسكرية والاجتماعية، التي قاتلت في ظلها قوات العمالقة في محافظة شبوة الجنوبية التي مثلت بالنسبة لها حاضنة حقيقية ،ساهمت بصورة إيجابية في سرعة تحقيق الانتصارات العسكرية خلال المعركة التي اجترحت مأثرها ضد مليشيات الحوثي، التي أسقطتها قوات العمالقة الجنوبية بالضربة القاضية، وألحقت بها الهزيمة العسكرية الساحقة في زمن قياسي وخلال فترة زمنية قصيرة، لم يتوقعها لا الأصدقاء ولا الأعداء.

لا ينبغي أن تتخذ دول التحالف العربي من الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات العمالقة الجنوبية في محافظة شبوة معيارا للانتصارات العسكرية التي من المنتظر أن تحققها قوات العمالقة في معاركها ضد مليشيات الحوثي في محافظة مأرب، وفقا لحسابات وتقديرات دول التحالف العربي، التي لم تراعِ في حساباتها العسكرية البيئة السياسية والعسكرية والاجتماعية والقتالية، التي ستزج في أتونها قوات العمالقة التي ستجد نفسها تقاتل في بيئة سياسية وعسكرية واجتماعية تختلف اختلافا جذريا عن تلك البيئة السياسية والعسكرية والقتالية التي خاضتها، واجترحت مأثرها في محافظة شبوة.

إن الرهان على قوات العمالقة وحدها في حسم معركة مأرب يعد واحدا من الرهانات الخاسرة، وواحد من التقديرات الخاطئة التي ستكلف التحالف العربي كثيرا وكثيرا من الخسائر التي قد تعرض مسيرة الحرب برمتها إلى انتكاسة خطيرة لا قبل للشرعية أو لدول التحالف العربي بتحملها وتحمل تبعاتها الخطيرة، التي سترتد عليهم، وستصب في صالح مليشيات الحوثي، المستفيدة الكبرى من جملة الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية التي أرتكبها خصوم الحوثيين خلال سنوات الحرب الماضية، التي لم يعد من الآن وصاعدا مسموح بإعادة تكرارها أو السماح لمثل تلك الشوائب التي ظلت عالقة في الجسد العسكري لدول التحالف العربي دون أن تجد من يقوم بتنقيتها أو محوها من خارطة العمليات العسكرية والقتالية، التي كبلت نفسها بقيود لا مبرر لها، وزرعت في طريقها الأشواك التي أعاقتها وأعاقت قواتها العسكرية عن التقدم في عدد من الجبهات العسكرية، التي أحاطت بها وبنفسها كثير من الأخطاء التي شكلت في ذات الوقت عائقا أمام أي تقدم عسكري أو ميداني، يستطيع أن يصنع معادلة عسكرية جديدة تعيد الأمور إلى نصابها وإلى الحالة العسكرية، التي كان ينبغي أن تكون عليه منذ بداية الحرب، التي وجدت فيها مليشيات الحوثي نفسها في حالة تراجع وتقهقر لفترة زمنية قصيرة، حتى أصيبت معظم الجبهات العسكرية والميدانية بجمود وسبات عميقين، تمكنت مليشيات الحوثي خلالها من التقاط أنفاسها والتسمر في مواقعها دون أن تتزحزح منها، خاصة بعدما تيقنت أن القوات العسكرية التابعة لدول التحالف العربي قد فقدت الحماس العسكري الذي ظهرت به في بداية الحرب عام 2015م.

حالة الجمود والتراخي التي أصابت عددا من الجبهات العسكرية، وخصوصا جبهة تعز وجبهة مأرب، مكنت مليشيات الحوثي من التقاط أنفاسها، ومنحتها فسحة من الوقت حتى تستعيد عافيتها، وتعيد ترتيب أوراقها العسكرية، وتعد نفسها لخوض بعض المنازلات العسكرية في الجبهات التي تختارها هي، وتختار طريقة وأسلوب الحرب التي تخوضها مع أعدائها وخصومها، الذين ركبتهم الأخطاء والعيوب التي اتسع نطاقها وزاد تأثيرها السلبي على مجمل الأداء العسكري والميداني لقوات الشرعية، ودول التحالف العربي، التي أخطأت حين تركت الحبل على غارب المتواطئين والمتعاطفين مع مليشيات الحوثي، يقررون مصير الحرب والمسار الذي ينبغي أن تذهب إليه الحرب، التي ظلت تحركها الأهواء والرغبات الشخصية دون حسيب أو رقيب، بعيدا عن الرقابة العسكرية التي تكاد تكون حينها مفقودة، مما نتج عنه اتساع مساحة التقصير في تأدية الواجبات العسكرية بين صفوف المقاتلين، الذين أصيبوا بحالة إحباط ويأس وتراجع معنوياتهم القتالية التي وصلت إلى الصفر نتيجة الفساد المستشري في أوساط القيادات العسكرية، التي تخلت عن واجباتها تجاه مقاتليها، الذين شاهدوا ويشاهدوا مستوى العبث والممارسات، التي بلغتها قياداتهم، التي حرمتهم من حقوقهم وحرمتهم في قوتهم ولقمة عيشهم، وفشلت في تقديم النموذج والقدوة في جبهات القتال، التي تركها الجنود بحثا عن مصدر رزق آخر يحقق لهم لقمة عيش كريمة لهم ولأسرهم.

حالة الجمود التي أصابت معظم جبهات القتال التي يديرها التحالف العربي تعود إلى غياب كثير من العوامل التي يمكن أن تسهم في زيادة فعالية ونشاط الجبهات العسكرية التي تراجع أداؤها القتالي نتيجة غياب الخطط العسكرية والميدانية التي تضع المقاتلين أمام مسؤولياتهم القتالية، وتبين لهم الطريقة والكيفية التي سيخوضون بها المعارك، فضلا عن حالة التبذير والاستحواذ على الأموال وعلى الدعم اللوجستي الكبير، الذي كان ولا زال يقدم من جانب دول التحالف العربي لصالح الحرب التي لم تنل من كل ذلك الدعم المادي والعسكري واللوجستي الكبير إلا النزر اليسير ليذهب بقيته إن لم نقل كله إلى جيوب الفاسدين وأمراء الحرب وتجار السلاح الذين أثرو على حساب الحرب التي أضحت لهم مجرد استرزاق وكسب المزيد من المال على حساب دماء الناس وعلى حساب تجويع الناس وإطالة أمد الحرب التي أضحت لهم هدفا بحد ذاته؛ بغية استنزاف دول التحالف وتدمير اقتصادها وإلحاق مزيد من الأذى باليمن.

إذا كانت دول التحالف العربي فعلا جادة في الخلاص من مليشيات الحوثي وإلحاق الهزيمة العسكرية بها، فإن عليها الإقدام على اتخاذ عدد من الخطوات والإجراءات التي من شأنها أن توحد كافة الجهود السياسية والاقتصادية والإعلامية والمادية والعسكرية، وتسخيرها لمصلحة الحرب ولصالح قتال مليشيات الحوثي، التي أثبتت سنوات الحرب الماضية أن الاستراتيجية العسكرية التي أتبعها التحالف العربي في حربه ضد مليشيات الحوثي لم تثمر عن إلحاق الهزيمة العسكرية بتلك المليشيات الحوثية، التي تفرض عليه وخلال العام الحالي على الأقل أن يعيد النظر في كل ما أعتمل خلال الحرب، وكل ما أعتمل في كافة المواجهات العسكرية والميدانية، وفي مختلف الجبهات العسكرية، ووضع تقويم عسكري دقيق، يبين نقاط الضعف ونقاط القوة التي لازمت مسيرة الحرب الماضية.

ومن ضمن القضايا التي ينبغي أن يركز عليها التحالف في الشق العسكري هي إعادة انتشار وتموضع القوات العسكرية في كافة الجبهات العسكرية، وأن تعطى الأولوية في هذا المضمار للجبهات المشتعلة، وفي الطليعة منها جبهة مأرب التي ينبغي أن يحشد لها التحالف كافة الإمكانيات المادية واللوجستية والعسكرية، وأن يعزز هذه الجبهة الحساسة بمزيد من القوات العسكرية التي لا تقتصر فقط على قوات العمالقة الجنوبية، التي ينصح بعدم وضعها في الصفوف الأمامية لمواجهة مليشيات الحوثي، بل يتحتم على دول التحالف العربي أن تفكر مليا قبل أن تقدم على اتخاذ مثل هذا القرار، الذي لن تجني من وراءه إلا الخيبة، ويتوجب عليها أن تعيد النظر في خططها العسكرية المتعلقة بمكانة ودور قوات العمالقة في جبهة مأرب أو في باقي الجبهات العسكرية الأخرى من خلال إحلال قوة بديلة لها من القوات المرابطة في محافظة حضرموت المنطقة الأولى ومن الألوية العسكرية المرابطة في محافظة شبوة، والزج بها في الخطوط الأمامية لجبهة مأرب، وتكليف قوات العمالقة الجنوبية بتأمين الخطوط الخلفية لهذه القوات المتقدمة، ومنع مليشيات الحوثي من القيام بأي اختراق لصفوف تلك القوات خلال سير المعارك، وخلال عملية مهاجمة مليشيات الحوثي التي لن تبارح مأرب إلا بوضع خطة عسكرية محكمة، والدفع بقوات عسكرية ميدانية كافية مسندة بسلاح الجو الذي سيظل نجاحه مرهون بمدى تقدم القوات البرية على الأرض التي من دونها سيبقى النصر العسكري مجرد حبر على ورق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى