مصر تبحث عن مجال حيوي في المغرب العربي هروبا من المشرق

> "الأيام" العرب :

> تعزز الزيارة التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى القاهرة يومي الاثنين والثلاثاء انفتاحَ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على دول المغرب العربي، بعد أن ضاق هامش التحرك المصري في الشرق بسبب وجود قوى إقليمية منافسة، وسط تساؤلات عما يمكن أن تقدمه مصر إلى دول المغرب العربي لتأمين الدور الذي تريد أن تلعبه هناك.

ويقول مراقبون إنه بعد الانتهاء من الصور البروتوكولية لزيارة تبون إلى القاهرة سيسأل المغاربيون المصريين نفس الأسئلة التي طُرحت عليهم في الشرق، وفي مقدمتها: ماذا لديكم لتقدموه لنا حتى نقبل بكم؟ مشيرين إلى أن المنطقة المغاربية ليست بمنأى عن تنافس النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية؛ ففضلا عن فرنسا ذات الثقل التاريخي هناك دول أخرى -مثل الولايات المتحدة وتركيا ودول أوروبية- لديها أوراق توظفها في هذا الصراع.

ويرى المراقبون أن الحديث عن النفوذ ليس مجرد رغبة تعتري الرئيس المصري الباحث عن حلول إضافية لإخراج بلاده من الأزمة، بل يتطلب الأمر أوراقا كثيرة ومتنوعة، خاصة أن الجزائر المأزومة تريد صورة استقبال وتوديع لرئيسها في القاهرة، ولا تريد أي شيء آخر من مصر وليس لها ما تقدمه.

ولئن كانت الجزائر تعاني أزمة حقيقية في سعيها إلى تحديد أطر واضحة لسياستها الخارجية، فإن القاهرة تمر بأزمة مشابهة لتلك؛ ذلك أنه على الرغم من نجاحها في تعزيز أواصر العلاقات بينها وبين الشرق والغرب والشمال والجنوب والعرب والعجم، تظلّ معرفة خارطة الحلفاء والأصدقاء معرفة دقيقة أمرا صعبا، إذ تبدو مصر قريبة من الجميع وبعيدة عنهم أيضا.

وبدأت القاهرة تواجه مطبات وعراقيل في حركتها ناحية المشرق العربي؛ فالقضية الفلسطينية التي تمثل بالنسبة إليها بؤرة اهتمام باتت تراوح مكانها، وتطوير العلاقة مع إسرائيل لا يزال محكوما بثوابت تاريخية في العقل المصري، ولا تملك مصر تصورات نوعية للتعامل مع هذا الوضع الذي من المحتمل أن يظل متجمدا حتى إشعار آخر.
ويتعرض التحالف التقليدي بين مصر ودول الخليج إلى اختبار مكتوم بعد تزايد هجمات الحوثيين على الإمارات وقبلها السعودية، وازدادت حدة المخاوف من توصل إيران إلى صفقة مع الولايات المتحدة تجعلها أكثر قوة على المستوى الإقليمي.

وأصبح الخطاب المصري بشأن أمن الخليج والتأكيد على أنه خط أحمر يتعرض للتآكل السياسي بعد مواجهته تحديات على الأرض، فلم تُظهر القاهرة موقفا عمليا حيال طموحات طهران وهجمات الحوثيين، ما يتنافى مع ما رددته من شعارات سابقة مثل “مسافة السكة” حول استعدادها للدفاع عن أمن الخليج بشكل سريع.
وهناك تطورات تمنح تركيا وإيران وإسرائيل حضورا إقليميا قويا كان من المفترض أن يكون من نصيب مصر بتأكيد أنها القوة العربية الكبيرة والفاعلة في موازاة ما يملكه هؤلاء من مشاريع سياسية بعيدة، لكن الانكفاء الشديد ربما يضعها في ما يشبه العزلة، حيث تسعى كل دولة للدفاع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة.

وتواجه القاهرة أزمة هيكلية في توجهاتها المتعلقة بالمشرق العربي وعليها حلحلتها قبل فوات الأوان، فهي لا تقدر على استعادة حضورها السابق في المنطقة وليس من مصلحتها المبالغة في الانكفاء، لأن التطورات تسير بوتيرة متسارعة ويمكن أن تتجاوزها الأحداث كثيرا، فالبطء الذي يكتنف السياسة الخارجية المصرية لن يكون مناسبا لها.

ولا يعبر لجوء السياسة الخارجية المصرية إلى المغرب العربي عن تحول ملموس في التوجهات بقدر ما يعكس نوعا من الهروب المؤقت، فليبيا مأزومة وأمامها المزيد من الوقت لحل أزمتها المستعصية، وتونس تعاني من مشكلات داخلية، والجزائر تبحث عن نفسها، والمغرب يدير علاقاته بأسلوبه الخاص.
ويقول المراقبون إن الأزمات المعقدة التي تكتنف العلاقة بين المغرب والجزائر لن تمكّن القاهرة من القيام بدور يشير إلى أنها رقم رئيسي في منطقة محكومة بموازين قوى بعيدة عنها، حتى مقاربتها لتطويق جماعات الإسلام السياسي غير مضمونة النتائج.

وأكد نائب مدير مركز رع للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة أكرم حسام أن هدوء التفاعلات في منطقة المغرب العربي في فترة ما قبل اندلاع الثورات العربية جعل مصر تسير بوتيرة مستقرة لم تشهد نفس الزخم في الشرق المضطرب، وما طرأ على الأوضاع في ليبيا وتونس والجزائر أشعر الطرف المصري بأن هناك وضعا عاما مشتركا بينه وبين هذه المنطقة المغاربية.

وأضاف لـ”العرب” أن التدخلات الإقليمية في تلك المنطقة -بدءا بتركيا وصولا إلى تحركات الجماعات المسلحة- أجبرت القاهرة على أن تكون أكثر نشاطاً، ويستهدف التقارب مع الجزائر ضبط التفاعلات وإيجاد ذراع مساعدة للسياسة المصرية في الأزمة الليبية.
وذكر أن “هناك قلقا مصريا من اتجاه تركيا لنقل ثقلها من ليبيا إلى مناطق الصراع الحالية بين المغرب والجزائر في ظل التفاعل السلبي لأنقرة مع البلدين عبر اهتمامها بالتعاون العسكري وتصدير الأسلحة في توقيت حساس للغاية، وهناك تخوّف مصري من أن تدخل المناطق المتنازع عليها طور الصراعات المتفاقمة”.

وتحاول القاهرة تصحيح الصورة التي وضعتها دوما في خصومة مع الجزائر على وجه التحديد، ودول المغرب العربي بوجه عام، والتأكيد على أن التفاعلات مع الجزائر وتونس تخدم تحقيق الأمن والاستقرار في شمال أفريقيا وسد الفجوات التي دفعت نحو التلميح إلى وجود موقف جزائري من الأزمة الليبية يتعارض مع مصالح مصر.
وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسن هريدي إن “القاهرة تحرص على توطيد علاقاتها مع اتجاهات استراتيجية مختلفة بما يعود إيجابًا على دورها في المنطقة، ويصعب القول بأن هناك توجها إلى منطقة على حساب أخرى، ففي النهاية توجد مساع لتفعيل أدوار الدبلوماسية المصرية على المستوى الخارجي”.

وأشار لـ”العرب” إلى أن “دول المغرب العربي هي أول خط دفاع عن الحدود الغربية المصرية التي ظلت مهددة بالأحداث التي وقعت في ليبيا، ويتطلب تأمين تلك الجبهة اهتماماً ومتابعة لما يجري في المغرب العربي”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى