كرش والقبيطة.. حراك بناء يصلح عقودا من الإهمال

> الحوطة «الأيام» أيّاد غانم:

>
  • مأمور المديرية استلم ختمًا بلا مكتب ويسابق الزمن ليمحو آثار حرب لم تنته
  • محاولات للنهوض بواقع مرير تغاضى عنه الأوائل وانشغل عنه الحاضرون
لن تغيب الصورة الحيّة من أذهان من عاشوا معاناة حقيقة، وإن تبدّلت أحوالهم يظلون دائمًا وأبدًا يتلمسون الفرق ويستشعرون التغيير الذي جاءهم بعد طول انتظار.

فعندما تتولد العزيمة يتم تجاوز الظروف والصعوبات، وبإرادة التحدي والإصرار يتم تحقيق الممكن وما يليه، هكذا بدت حكاية إحدى المناطق المنسية، التي ظلت منسية حتى وقت قريب، فشهدت الفرق وأحسّت بالتغيير الذي عاش الكثير من أبنائها وماتوا وهم ينتظرونه. إنها مديرية كرش والقبيطة، تلك التي تكونت بقرار جمهوري رقم (33) في 28/يوليو / 98م حيث ضم مركز كرش كعزلة تابعة لمديرية القبيطة على أن تكون المديرية مكونة من أربع عزل وهي (كرش - القبيطة - واليوسفين - والهجر هدلان) وضم مديرية القبيطة لمحافظة لحج، بعد أن كانت كرش مركزًا إداريًا مستقلًّا تابعًا لمديرية تبن.

للمديرية تعداد سكاني يصل إلى159 ألف نسمة، على مساحة تقدر بـ1054كم مربعا، يحتل الفقر 75 % منها، تعتبر المديرية ذات مساحة جغرافية واسعة وتضاريس جبلية ممتدة بين أطراف محافظة تعز غربًا ومديرية المسيمير شرقًا وطورالباحة جنوبًا، وتشكل كرش أكثر من ثلثي تلك المساحة. معظم سكان المديرية يعيشون هجرة داخلية ويعملون في أعمال تتنوع ما بين الزراعة الموسمية، ورعي الأغنام، وصناعة الفحم.

وتعرّضت المديرية وكافة بنيتها التحتية للتدمير بفعل حرب المليشيات الحوثية المستمرة فيها في ثلاث جبهات مشتعلة، في قلب المديرية وميمنتها وميسرتها، حيث مازالت المليشيات الحوثية تسيطر على أكثر من نصف مساحتها، وهي بعزلتي اليوسفين والهجر، وبسبب الحرب تعرضت العديد من خطوط الكهرباء للتلف والسرقة في العديد من مناطق وقرى المديرية فيما 50 % من مناطق المديرية لم تصلها خطوط الكهرباء للضغط العالي العمومي حتى اللحظة.

الدمار الذي خلفته الحرب لم يستثن المكاتب الحكومية ولا المدارس ولا المراكز الصحية ومشاريع البنى التحتية ولا حتى دور العبادة، بل طال الجسور ومنازل المواطنين ومحطات المحروقات، وبسبب أن الحرب لم تنتهِ بعد لم تتمكن قيادة المديرية من حصر الأضرار التي لاتزال في تزايد جراء الاعتداءات.

في شهر أبريل من العام 2016م، تسلّم عماد أحمد غانم، إدارة مديرية كرش والقبيطة، التي وجدها خاوية على عروشها إلا من ختم المأمور، فلا مكتب ولا طريق ولا حتى محضر، وبفعل الحرب طبعًا وجدت الكثير من المعوقات التي حالت دون الوصول إلى إصلاحات لوضع المديرية، لكن قيادة المديرية لم تستلم.. كانت البداية بأن لجأت السلطة المحلية ممثلة بعماد غانم، إلى استخدام مبنى إحدى المدارس الواقعة بكرش وتحويله إلى مجمع حكومي لعدد من المكاتب التنفيذية والأمن العام، التي لم تتوفر الإمكانيات لتأثيثها، إلا أن ذلك لم يقف أمامها في عقد اجتماعات المكتب التنفيذي الدورية والاستثنائية للهيئة الإدارية، بل تركزت نجاحات مدير عام المديرية في المتابعة لسير عمل المكاتب وأنشطتها الشهرية، ووفقًا للخطة السنوية للمكتب التنفيذي، والنزول الميداني لمدير عام المديرية لمناطق المديرية وزيارته لمدارس ومرافق صحية للاطلاع على سير عملهم، وإعداد الخطط لاحتياجات المديرية خدماتيًا وعكسها في خطط موجهة للمنظمات والصناديق الداعمة، والمشاركة في حلحلة المشاكل التي تعترض سير عمل المنظمات الإنسانية أثناء تنفيذ مشاريعها في المديرية.

وفي ظل الظروف الصعبة المتعددة المحيطة بالمديرية وعدم توفر الإمكانيات وتوقف الموازنات الاستثمارية والتشغيلية للسلطة المحلية ومكاتبها التنفيذية منذ العام 2014م حتى اللحظة إلا أنها لم تقف عاجزة أمام تحقيق إنجازات تنموية ونجاحات متتالية، ففي جانب المياه والإصحاح البيئي، سعت السلطة المحلية وبجهود حثيثة ومتواصلة لتنفيذ العديد من مشاريع المياه بما يتناسب مع تضاريس المناطق ذات الاحتياج في المديرية، حيث حصدت مديرية كرش والقبيطة في قطاع المياه(13) مشروعا من بينها (12)مشروعا في القرى ذات التضاريس السهلية في جوانب حفر آبار، وتأهيل آبار إلى مشاريع عامة تعمل بالطاقة الشمسية، ومشروع بناء خزانات حصاد مياه أمطار فردية في مناطق ذات تضاريس جبلية وتمثلت ببناء (145) سقاية.

وأنجز في مجال التربية والتعليم (14) مشروعًا تعليميًّا توزعت بين بناء مدارس وإعادة ترميم وتأهيل مدارس - وبناء أسوار مدارس - بناء حمامات لمدارس - وعمل تعاقدات - وتأثيث مدارس ودعم مركز محو الأمية بالمديرية ب(68) كرسيًا و(4) دواليب، وتنفيذ دورات تأهيلية للمعلمين في بعض المدارس وتوزيع الحقائب ومستلزمات دراسية لعدد من الطلاب.

ومن المعلوم بأن المديرية تقع في مناطق كبيرة منها في تضاريس جبلية وعرة، ولا يوجد فيها أي طرق مسفلتة لربط المديرية بعضها ببعض بقدر ما تتواجد طرق ذات طبيعة جبلية وعرة تعرضت أكثرها لأضرار كبيرة نتيجة الأعاصير والأمطار التي من الله تعالى بها على المديرية منها إعصاري شابلا وهيكا خلال الأعوام من 2019 - 2021م وتحتاج إلى إعادة تأهيل وصيانة وسبق أن تمَّ الرفع بكل تلك الأضرار في تقارير وخطط المديرية للمحافظة، ونظرًا للأوضاع التي تمر بها المديرية باتت هناك مبادرات ذاتية يقوم بها الأهالي وتكللت بإعادة إصلاح بعض تلك الخطوط والتي يتسبب تأثرها بالأمطار بقطع الاتصال بين أبناء مناطق المديرية فيما تكللت جهود السلطة المحلية خلال العام 2021م بإنجاز وإعادة تأهيل وتحسين ثلاث طرقات وهي طريق شوحط - وطريق بني حُمّد - السعادنة - الدخينة - وطريق ثوجان، وتكللت جهود مدير عام المديرية بالمتابعة مع المحافظة واستخراج مذكرة للمحافظ موجهة لوزير الأشغال والتي تم إيصالها للوزير بخصوص إعادة تأهيل وإصلاح جسر وطريق عقّان – الشريجة.

أما في مجال العمل الإنساني وبمتابعة وتواصل السلطة المحلية مع المنظمات الدولية ومؤسسات خيرية والتعريف بأوضاع المديرية وحالات وارتفاع حالات الفقر فقد حصدت المديرية خلال عام (9) مشاريع أبرزها بناء وحدة سكنية بعدد(153) منزلًا مع مسجد ومدرسة وحديقة ألعاب ومشروع مياه وسوبر ماركت ووحدة صحية والتي وضع المدير العام حجر الأساس لها في مارس 2021م وتم افتتاحها في نهاية ديسمبر 2021م والمقدمة لأسر فقيرة من أبناء منطقة البعسس بكرش، ومشروع بناء (6) منازل لأسر شهداء وأيتام، ومشروع بناء (20) منزلًا مع مشروع مياه بمنطقة العلوب بكرش لعشرين أسرة فقيرة وأسر شهداء، حيث تنوعت المشاريع بين إنشاء مشاريع إنشائية منها بناء منازل وبناء حمامات للأسر الفقيرة وتأثيث منازل للفقراء في مناطق عدة وبناء مساجد.

وفي إطار المشاريع المنفذة في القطاع الصحي، نفذ خلال العام الماضي 21 مشروعًا صحيًّا تنوّعت بين دعم المراكز والوحدات الصحية كرش وسوق الخميس والرماء ودياش ونجد ضمران والكعبين وذر وعلصان بأجهزة ومعدات طبية وأثاث، دعم المواقع الصحية والوحدات ببعض الأدوية والمعدات الطبية وجهاز ضغط الدم وأجهزة تعقيم وأسرة رقود وولادة وكراسي وطاولات، توفير عربتين متحركة مزودة بطاقم عمل (9) عمال وطبيب عام، وتدريب (51) متطوعة مجتمعية في مجال دعم الأمهات ومكافحة حالات سوء التغذية، توفير مصدر لعمل تعاقدات ودعم برواتب شهرية للعمال والمتطوعات في المواقع الصحية ثوجان - والصحبي والحنكة، توفير نفقات تشغيلية بواقع دعم (100) ألف للمركز الصحي و(60) للوحدات الصحية ذر وعلصان والجوازعة وادي ضمران والكعبين، تقديم أدوية طبية وسلة صحية ودعم ثلاثة أطباء و(36) عاملًا صحيًّا ومتطوعًا براتب شهري في المركز الصحي كرش، دعم متطوعين ومتطوعات في جوانب التوعية المجتمعية برواتب شهرية للمركز الصحي كرش، دعم مراكز ووحدات صحية بالأدوية والمعدات الطبية وحوافز شهرية لطبيب عام وعمال المواقع المستهدفة ثوجان والحنكة والصحبي، إلى جانب أعمال البناء وإعادة التأهيل لعدد من الوحدات الصحية.

ولا تزال المديرية تنتظر تجاوب وزارة الصحة والتفاعل مع مساعي السلطة المحلية لتأهيل المركز الصحي كرش إلى مستشفى، والذي سيوفّر للمديرية الكثير من المعاناة التي تلحق بأبنائها نتيجة عدم توفر مستشفى بالمديرية والذهاب بالمرضى إلى مشافي لحج أو عدن.
وتمكّنت السلطة المحلية من إنجاز 18 مشروعًا في الجانب الإنساني، تهدف إلى تحسين قدرات المجتمعات المحلية عن طريق أنشطة الأمن الغذائي الطارئ ومشروع النقد متعدد الأغراض والتغذية، وتوزيع كفالة أيتام وغيرها من المشاريع المشروطة بعمل وغير المشروطة.

وتحتاج المديرية حسب قيادتها، إلى قوام لواء أو كتيبة كأقل ما يمكن لتقوم بتعزيز الجانب الأمني فيها على أن يستوعب المقاومة الجنوبية فيها والتي يطمح أن تقوم بالواجب الأمني إلى جانب إدارة الأمن التي تعاني من ضعف لعدم توفر الإمكانيات، ولتأمين منافذ المديرية الحدودية مع مناطق تقع تحت سيطرة المليشيات الحوثية، إذ يجب تعزيزها بقوة سيمكنها من فرض هيبة النظام والقانون واستتباب الأمن والسكينة في المديرية، وسيتم تأمين منافذ المديرية الحدودية، والتي تشكل خطرًا أمنيًا على عاصمة محافظة لحج والعاصمة عدن والجنوب، حيث وأن كرش لم تعطَ حقها من التجنيد في السلك العسكري للحزام الأمني والصاعقة أسوة ببقية المديريات بعد أن كان يعول على اعتماد حزام أمني على الأرض إلا أنه تم تهميش كرش بهذا الجانب ولم يعط لها نصيبها أسوة ببقية المديريات، لهذا بات أمر تعزيز المديرية وأمنها ضرورة إذا نظرنا إلى إدارة أمن تفتقد لطقم مع الرشاش وفي ظل ظروفها لازالت تقوم بواجبها الأمني وفقا للمتاح والممكن أمامها، فبدون وجود أمن قوي معزز يستحيل تحقيق أي تنمية أو أي نجاحات.

رامي الزغير العنتري مدير إدارة الشباب والطلاب للمجلس الانتقالي مديرية كرش قال لـ"الايام" إن العام 2021 "كان عاما مليئًا بالتحديات في كافة الأعمال الإغاثية والإنسانية بالمديرية إلا أننا كان لنا شرف المشاركة مع السلطة المحلية والمجلس الانتقالي بالمديرية لتذليل الكثير من الصعاب والتحديات وإيجاد بيئة ملائمة تضمن استمرارية عمل المنظمات والمؤسسات والجمعيات العاملة في المديرية".

وأضاف قائلًا: "يتم التنسيق والتشاور بشكل مستمر مع السلطة المحلية والمجلس الانتقالي بالمديرية في كل ما من شأنه استمرار عمل المنظمات والمؤسسات والجمعيات والجلوس مع الأهالي لحلحلة كثير من الإشكاليات التي تعترض عملهم؛ وهذه مهمة كبيرة وثقيلة في ذات الوقت وتحتاج إلى تفاعل وعمل تكاملي من قبل كل شرائح المجتمع، ونعمل دومًا على إيصال احتياجات وهموم مشاكل المجتمع إلى السلطة المحلية وانتقالي المديرية والجهات ذات العلاقة لبحث حلول ناجعة لها، ونأمل أن يكون العام 2022 عام التكاتف والتعاون لأبناء مناطق المديرية وأن يتم مضاعفة الجهود لتسهيل خدمة المواطنين وإيصال همومهم ومشاكلهم إلى الجهات ذات العلاقة".

وتبذل إدارة الشهداء والجرحى للسلطة المحلية في المديرية جهودًا كبيرة حيث قامت بعملية الحصر والمتابعة والتوثيق لملفات شهداء وجرحى المديرية، والمتابعة المستمرة بالرفع واستكمال ملفاتهم والعمل على إيصالها للجهات ذات العلاقة، والمتابعة عن حقوقهم مع تلك الجهات.

وأكد مدير إدارة الشهداء والجرحى بالمديرية علي حمود يزيد، بأن عدد شهداء المديرية قد بلغوا (516) شهيدا بينما بلغ عدد الجرحى أكثر من (650) جريحا، مشيرًا بأن مكتبه يبذل جهودا مستمرة ويعمل لأجل ترقيم الشهداء والجرحى الموظفين في السلك العسكري والمدني، ومتابعة معالجة الجرحى، في ظل مواجهته لصعوبات كبيرة أبرزها عدم توفر أي ميزانية تشغيلية شهرية لتسيير عمل المكتب وعدم تأثيث المكتب والذي يشكل عائقًا أمام عملية حفظ بيانات الشهداء والجرحى، مطالبًا بنزول اللجنة التي وعدت بترقيم الجرحى المدنيين، ومتابعة معالجة الجرحى الذي يتعثر بسبب تأخر السفر للخارج.

صعوبات وتحديات كثيرة واجهت السلطة المحلية بالمديرية وتقف أمامها في تنفيذ المزيد من المشاريع وتحقيق النجاحات المطلوبة أبرزها عدم توفر مجمع حكومي للسلطة المحلية ومكاتبها التنفيذية في المديرية، وعدم بناء المجمّع القضائي الذي دمر ليعود عمل المحكمة والنيابة الذين يمارسون مهامهم حاليًا من عاصمة المحافظة الحوطة إلى المديرية وجميع المباني تأثرت وضربت بحرب المليشيات الحوثية، وحاجة المديرية إلى الدعم والتعزيز الأمني يمكن إدارة الأمن من القيام بواجبها في مواجهة الأعمال البلطجية المتمثلة بالاعتراض للمنظمات، والعمل على استتباب الأمن والسكينة في المديرية، وضع المديرية وتزايد معدلات حالة الفقر فيها وكثافتها السكانية جعلها بأمس الحاجة إلى تعاون المحافظة بالتواصل مع برنامج الغذاء العالمي بإضافة(10000) عشرة آلاف حالة للتخفيف من معاناة الأسر الفقيرة والأشد فقرًا، حاجة المديرية إلى إدراجها ضمن صناديق إعادة الإعمار وذلك لإعادة تأهيل ما دمرته حرب المليشيات الحوثية والتي طالت المصالح العامة والخاصة.

كما وتتطلب المصلحة العامة تعاون المعنيين في توجيه المنظمات والصناديق الداعمة للعمل في المديرية في مشاريع الدفاع عن التربة والأراضي والمدرجات الزراعية وذلك للحد من الأضرار التي لحقت بمواطني المديرية نتيجة الأمطار التي سقطت في المواسم من 2019 _ 2020م حيث وأن مساحات كبيرة من الأراضي والمدرجات الزراعية والطرقات باتت معرضة للانجراف في حال هطول أمطار غزيرة خلال الموسم الزراعي القادم.

ومع إطالة السرد وكثرة التعداد لما أنجز في هذه المديرية، لا بد من الإشارة إلى أن يد واحدة لا تصفق، وأنه إن كان هناك من إنجاز بفضل اجتهاد جهة بعينها فإنه سيتضاعف ويعم كافة المجالات محدثًا تغييرًا حقيقيًا إذا ما تعاونت كافة الجهات المختصة والداعمة مع المواطنين لإصلاح ما خرب وبناء ما هدم ومواصلة مسيرة الإنجازات المحققة لصالح المنطقة والمحسوبة لكن من ساهم في تحقيقها سواء ظل على رأس السلطة أم غادرها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى