المستغفلون

> لطالما كانت قلة من الناس تستغفل الأكثرية في أمور كثيرة ومناحي مختلفة، فإن التاريخ البشري إلى جانب كونه تفاعلا لأمور كثيرة، فأنه سعي مستمر لاستغفال القلة للأكثرية. قلة تتمتع بقدرات وعزيمة أكبر في تجيير السلطة والنفوذ لصالحها. هذا الأمر يتكرر في كل زمان ومكان بأشكال مختلفة وبواسطة شعارات مختلفة. المستغفلون هم من يساعدون في الغالب بصمتهم أو بحماسهم السياسي الانتهازي، والعسكري المتسلط، ورجل الدين المتطرف، ورجل الأعمال المحتال.

إن النزعة الاستهلاكية التي يقودها الجهل تكون آثارها أكثر تأثيرا على أصحابها وعلى المجتمع بالمقارنة مع النزعة الاستهلاكية التي بالإمكان التحكم فيها وكبحها من خلال الوعي والثقافة.

يقال إن عندما ترى العوام يبالغ معظمهم بالحماسة لأمر ما، فاعرف أن هامش الاستغفال في هذا الأمر أكبر من غيره. الثورات الشعبية وتمجيد القادة ومنحهم مكانة أكبر كثيرًا من حجمهم الحقيقي والتطرف لقضية أو العداء والتقليل من شأن الآخر المختلف، كلها تكون في الأساس مدعومة بقوة من العوام، إما بالاستسلام للواقع أو بالتماهي معه، وفي الحالتين تكون النتائج فادحة، ويدفع ضريبة تلك النتائج أولا وأخيرًا العوام ذاتهم.

إن ما تغير في استغفال العامة والمجتمعات في عصرنا الحالي ليس الجوهر، ولكن الوسائل.
قديما كان الاستغفال يتم عبر الأديان ومن خلال تقديس الشخصيات وبث الكراهية غير المنطقية القائمة على الجنس واللون والهوية وأمور أخرى، اليوم لم يعد ذلك ممكنا على الأقل علنًا، لكن الوسائل الحديثة سريعة الانتشار أصبحت تعزز الاستغفال أكثر من أي فترة زمنية أخرى في التاريخ البشري.

حشد حماسة الآلاف وربما الملايين وتوجيههم نحو نزعة تدميرية أصبح يتطلب زمنا أقل بكثير في وقتنا الحاضر، إن السباق المارثوني لتطوير وسائل التكنولوجيا لمضاعفة الأرباح سيجعل من إمكانية استغفال المزيد من الناس أمرًا أكثر سهولة مما يحصل اليوم، ويكفي أن نعرف أن عدد الذين يمتلكون أجهزة الهواتف المتحركة في وقتنا الحاضر أكثر من عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى