رائحة الجنوب

> في الصباح تلقى عدن هنا على كوب شاي "ملبّن" ومؤانسة على طاولة في مقهى عدني وجريدة "الأيام".

ومن ذكرى السَّفَر إلى المدينة تستوقفك "الشيخ عثمان" هذه الواحة الجميلة التي تتسع الجميع.

كان الناس الذين يأتون إلى عدن من مناطق اليمن ينزلون للاستراحة في هذه الواحة التي كانت إلى عهد قريب موردا للماء ومتنزها يطيب فيه المقام.

وحدهُ الجنوب من أعطى المكان هذا الزخم والحضور في ظل "الدولة" التي شَهِدَ لها الآفاق.

بقيت هذه المنطقة باب الخير وزاد المسافر، وقرأنا في التراث أن عدن ترسم في وجوه القادمين إليها من البادية والحضر والسهل والجبل فرحة بمجرد الوصول إلى الشيخ عثمان.

إنها تهبهم هذه "المحطة الأثيرة" والمتنفس الجميل، ويبدو المتأمل في هذا الوصل كأنه يجد ريحاً من عبق الماضي، فالشيخ عثمان قبل أكثر من 100 عام كانت محطة للقوافل يتزودون عندها بالماء والقهوة.

هذه الواحة مازالت منطلق المواصلات البرية من عدن إلى كافة أنحاء اليمن، لكن سيكون جاذباً للنفوس وراحةً للأرواح إذا وضعت لها سلطات المدينة لمسات موحية، وزانتها بصبغة من تاريخها الأصيل، كأن تهذب أسواقها وشوارعها، وتباعد عنها فوضى البيع والشراء وتحرك صندوق النظافة.

السلطات تقدر أيضاً أن تحيي الأسواق القديمة، وتنظم في طرقات المدينة حركة المواصلات، فقد ضاقت الأمكنة بالزِحام.

سيكون من المناسب أن نرى المنطقة تسترجع شيئاً من عبقها القديم كبوابة ومحطة واستراحة في ظل حركة إعمار مزدهرة.

المشتاقون هنا لدولة الجنوب تحرك في نفوسهم الشيخ عثمان ذكرى جميلة لبلد اسمه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سكن فيه الدبعي والشيباني والعبسي والزريقي والقدسي والخامري، لأن عدن لم تكن منقبضة على نفسها بل كانت مفتوحة ومحل وصال وهي قبلة المسافر والوافد والزائر من داخل اليمن وخارجها، وهي موئل أهل التجارة والكسب الحلال وهي باب الخير المفتوح لكل العالمين بدليل تعدد الأجناس التي تعايشت فيها عبر تاريخها.

كتب ابن فضل العمري في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" راوياً عن ابن البرهان، متحدثاً عن عدن قال: (وإليها مجمع الرفاق، وموضع سفر الآفاق، يحيط بها من الصين والهند والسند والعراق وعمان والبحرين ومصر والزنج والحبشة، ولا يخلو أسبوع بها من عدة تجّار، وسُفن، وواردين، وبضائع شتى، ومتاجر منوّعة، والمقيم بها في مكاسب وافرة، وتجارة مربحة، لا يبالي ما يغرمه بالنسبة إلى الفائدة، ولا يفكّر في سوء المقام لكثرة الأموال النامية).

هي عدن المزدهرة الغنية التي تحفل اليوم بطوابير وافرة للبترول والغاز.

هي عدن الغنية المزدهرة التي يصرخ فيها الناس من سعر الدقيق والزيت وغياب الخدمات.

هي عدن المزدهرة الغنية التي عزّ على أهلها حضور الروتي في وجبة عشاءهم، وهي المدينة التي أشبعت بطون الجياع عبر تاريخها.

يا قومنا "ردّوها علينا".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى