المكلا مهددة بالغرق.. حواضر الجنوب تحت خطر ارتفاع مستوى سطح البحر

> عدن «الأيام» بسام القاضي:

>
  • دراسات: زيادة حدة الفيضانات الساحلية بنسبة 48 %
  • الشرج والمكلا القديمة والديس والخور والريان وبويش وفوة.. مهددة بالغرق
  • جامعتا عدن وحضرموت توصيان بتطوير استراتيجيات وطنية لمواجهة الكوارث
  • كاسر الأمواج ومنع البناء بمحاذاة الشواطئ.. مقترحات لتلافي غرق المكلا
بيّنت دراسة علمية حديثة، من خلال التحليل المكاني لبيانات الارتفاعات الرقمية (DEM)، بأن ارتفاع مستوى سطح البحر إلى 100سم، في سواحل مدينة المكلا حاضرة محافظة حضرموت جنوبي اليمن، سيعرض مدن عاصمة المحافظة، الريان، بويش، خور المكلا، المتضررين وفوة، للغمر بمياه البحر".


وأوصت الدراسة ذاتها، بتكثيف الجهود في مجال دراسة السواحل، لمدى الحاجة العاجلة للدراسة التحليلية والدقيقة لبعض قطاعات السواحل في المحافظات اليمنية وخاصة الواقعة على خليج عدن والبحر العربي نظرًا لتكرار المنخفضات الجوية والعواصف المدارية، إلى جانب الاستفادة من هذه الدراسة الجزئية وتبنيها كنواة لعمل جماعي.

وأكدت على ضرورة تشكيل فريق من المختصين في الجيولوجيا الجغرافيا والبيئة، وعلوم البحار لدراسة التغيّرات على السواحل اليمنية بشكل أوسع وأعم، والاستفادة من التقنيات الحديثة في هذا المجال، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بتلك الظاهرة، وإنشاء قاعدة بيانات جغرافية للرصد المنتظم لمستوى سطح البحر ومتابعة العواصف وحركة التيارات البحرية وملوحة التربة ودرجات الحرارة الساحلية والعوالق النباتية والتعرية الساحلية وأن تكون متاحة للباحثين في هذا المجال.


الدراسة التي أعدها الدكتور أمين عبدالقادر هشلة، أستاذ نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار من بُعد في جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا، هدفت لوضع تصور مستقبلي لشكل ساحل مدينة المكلا في حال زيادة منسوب سطح البحر من متر وحتى 5 أمتار، وما هي الأحياء المعرضة للغمر بمياه البحر، مشيرًا، بأن سواحل المدينة ستشهد تغيّرًا ملحوظًا بسبب التغيّرات المناخية، وارتفاع منسوب سطح البحر.

"تم اختيار مدينة المكلا، كدراسة حالة لأثر التغيّرات المناخية على مورفولوجيا ساحلها الذي يمتد حوالي 65 كم على بحر خليج عدن. والذي تشهد نموًّا حضريًّا مضطردًا، وتوسعها في اتجاه الشرق والغرب بمحاذاة الساحل" بحسب الدكتور هشلة، وهو رئيس قسم العلوم الاجتماعية في كلية التربية بجامعة حضرموت، والذي يفيد بأن التغيّرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر سيكون لها تأثير كبير على الحياة العامة في المناطق الساحلية، وفي المقدمة مدينة المكلا، ومنها المناطق التي تقع على خط الساحل ويقل التأثير كلما ابتعدنا عن الساحل.

وأكد الدكتور هشلة بأن مياه البحر، ستغمر فعلًا مدينة المكلا الساحلية، في حالة حدوث الفيضانات الفجائية وموجات تسونامي التي بفعل الزلازل في أعماق المحيط الهندي كما الذي ضرب إندونيسيا، وأن المخاطر المترتبة جراء ارتفاع مستوى سطح البحر على المدينة، تتمثل في غمر المياه للمساكن والمنشآت وما ينتج عنه من خسائر بشرية ومادية.

وزاد: "يمكن للجهات المختصة والمعنية ومراكز صنع القرار في حضرموت أن تستفيد من هذه الأبحاث والدراسات العلمية، حول الكوارث الطبيعية والتغيّرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر التي تهدد مدينة المكلا بالغرق، وذلك من خلال تبني المعالجات والتوصيات التي تم ذكرها في الدراسة، ومنها ضرورة إنشاء وحدة الإنذار المبكر من أخطار الفيضانات والأعاصير في محافظة حضرموت مهمتها مراقبة السواحل الواقعة على خليج عدن والبحر محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، وتزويدها بالوسائل الحديثة والتجهيزات وتدريب الكادر القادر على التعامل مع هذه الأجهزة واستخدامها بشكل سليم، وكذا تفعيل قانون أراضي وعقارات الدولة والخاص بتحديد الحدود العامة للأودية والمرافق العامة وعدم السماح بالاعتداء والبناء في بطون الأودية ومراقبة ذلك باستمرار وتطبيق القوانين الرادعة للمخالفين.


"يمكن مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها مدينة المكلا جراء ارتفاع مستوى سطح البحر، من خلال تنظيم استغلال المجال الحضري والتخطيط الحضري السليم المبني على دراسات استراتيجية ونظرة مستقبلية للتوسع العمراني ومحاربة العشوائيات في التخطيط بالإضافة إلى التوقف عن ردم مياه البحر واحترام مورفولوجيا الساحل والحد من العبث بها بحثا عن الريع العقاري" يقول الدكتور هشلة.

وفي معرض رده عن السيناريوهات المتوقعة لمدينة المكلا المهددة بالغرق، يفيد الدكتور أمين هشلة بأن الدراسة وضعت افتراضات للمناطق المعرضة للخطر وهي الشرج والمكلا القديمة والديس ومنطقة الخور إلى حدود وادي الغليلة، كذلك وادي امبيخة والمناطق التي حواليه بالإضافة إلى مناطق التقاء الأودية بمياه البحر كوادي فوة وبن سينا وحلة.

في المقابل، تشير دراسة نشرتها مجلة "ساينتفك ريبورتس" (Scientific Reports) منتصف العام الماضي، إلى زيادة حدة أحداث الفيضانات الساحلية بنسبة 48 %، ما قد يهدد الأصول التي تبلغ قيمتها 20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2100، في ظل ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة وارتفاع مستوى سطح البحر، وعدم وجود بنى تحتية لصد الفيضانات.


ومن المتوقع، بأن يرتفع عدد الأشخاص المعرضين لمخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر إلى 410 ملايين شخص، بحلول عام 2100م، وسيكون معظمهم في المناطق التي يقع 62 ٪ منها في نطاق العروض الاستوائية، وأن تغيّر المناخ تسبب في ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة تواتر العواصف وحدتها، وكلاهما يزيد من مخاطر الفيضانات في المناطق الساحلية، خاصةً أن معظم المناطق المهددة تقع في نطاقات قد لا تتوافر فيها إمكانات حديثة للتنبؤ بمخاطر الفيضانات وبيانات دقيقة لارتفاع مناسيب الأرض عن مستوى سطح البحر، بحسب دراسة نشرتها دورية "نيتشر كومينيكيشنز" (Nature Communications) أواخر يونيو المنصرم.

إلى ذلك توضح دراسة علمية أعدها فريق بحثي متعدد التخصصات من جامعات أسترالية وهولندية وألمانية، بأن "عدد سكان العالم المعرضين لمخاطر الفيضانات الساحلية يمكن أن يبلغ 287 مليونًا بحلول عام 2100، وهو ما يعادل 4.1 ٪ من سكان العالم. كما تقدر الخسائر في الأصول المهددة بالفيضانات بحوالي 14.2 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل 20 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي".


الباحث الرئيس في الدراسة ذاتها "إيبرو كيرزكي" من قسم هندسة البنية التحتية في جامعة ميلبورن الأسترالية، توقع " أن تحدث زيادة كبيرة في تأثيرات الظواهر البحرية المتطرفة على سواحل جنوب البحر المتوسط، التي تتضمن المناطق الساحلية المنخفضة في دلتا النيل بمصر، وكذلك سواحل الخليج العربي، مشددًا على ضرورة إجراء دراسات محلية تفصيلية على كل منطقة من المناطق المهددة، لتقدير حجم الخسارة المتوقعة في المنطقة بدقة، وتحديد الوسائل المُثلى لمواجهتها، لكون المناطق الساحلية معرَّضة بشدة لارتفاع مستويات سطح البحر وتغيُّر المناخ.

ومن أجل منع الآثار السلبية لتغيّر المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر على المدن الساحلية المنخفضة كعدن والمكلا والحديدة وغيرها من المدن اليمنية، فمن الضروري تطوير استراتيجيات وطنية، لمواجهة مثل تلك الكوارث الطبيعية بالتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية، كما يفيد بذلك خبراء المناخ والبيئة في جامعتي عدن وحضرموت بجنوبي اليمن.

يشير خبراء يعملون بعدة جامعات ومعاهد بحوث حول العالم، في دراسة نشرتها مجلة" نيتشر" لعلوم المناخ مطلع مايو بإشراف جامعة نانيونغ بسنغافورة- أن الدراسات السابقة بهذا المجال لم تكن قوية، ولم تعكس حجم الخطر المحدق بالكثير من الدول حول ارتفاع منسوب مياه البحر".

وكان ما يزيد عن 100 من خبراء التغيرات المناخية حول العالم، قد حذروا سابقاً من احتمال ارتفاع مستوى مياه البحر إلى متر بحلول عام 2100 وخمسة أضعاف بحلول عام 2300، إذا لم تلتزم دول العالم بتخفيض نسب الغازات الدفيئة في القريب العاجل، حسب المتفق عليه.


ويتطرق الدكتور وجدي باوزير أكاديمي في جامعة حضرموت ومدير مكتب السياحة بالساحل إلى الحلول الممكنة لتلافي كارثة غرق المكلا بمياه البحر نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات المناخية، منها عمل كاسر للأمواج مع حميات بالصخور والابتعاد عن البناء بمحاذاة الشواطئ.

وأكد باوزير بأنه في حالة غرق مدينة المكلا لا سمح الله سوف تكون هناك كارثة من حيث انهيار المباني الطينية وخراب في البنية التحتية وتعطيل مصالح الناس واحتمال وجود وفيات، مضيفًا لا اعتقد بأن المكلا قد تغرق بارتفاع مياه البحر.

تعتبر مدينة "المكلا" العاصمة الرئيسة لمحافظة حضرموت، ثالث أهم المدن اليمنية، بعد صنعاء وعدن. تطل على البحر العربي ويقسمها خور المكلا إلى نصفين، فيما يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة حسب إحصائيات العام 2005.

وبحسب السيناريوهات والدراسات التي عملت مدينتي، المكلا وعدن، بالإضافة إلى الحديدة بحكم مواقعها الجغرافية الهامة، على سواحل بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، فإنها تعد معرضة لكوارث ومخاطر بيئية، كما أن تقرير الهيئة الدولية الحكومية المعنية بالتغيرات المناخية تناول مجموعة من المدن الساحلية في العالم مهددة بمخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر وتأتي عدن في المرتبة السادسة عالميًّا والثانية عربيًا، تليها المكلا المهددة بالغرق أيضًا.

*صحفي علمي، مهتم بتغطية القضايا الإنسانية والمناخ والبيئة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى