الهوى الملون

> لمن نزل عدن وحط رحاله فيها من القديم، أنت في حضرة شهيرات الموانئ.

يا ثغرنا الأزلي ومجدنا الغابر، لو يعلم هانس جروند بيرج أنك عبر التاريخ في مصاف حواضر العالم، لما دبج في "الإحاطة" الصيغة الأُممية "بلا جنوب"، حتى كأنه المبعوث الحائر الذي أوصدت صنعاء أمامه الباب، فآوى إلى ظل شمسان وولى وجهه قبل البندر والمرسى.

لست أدري كيف ألهم الأديب الفنان هذه الجملة الشعرية الأنيقة (عدن عدن فيها الهوى ملون).

من الذي أحاطه بخبر المدينة قبل عشرة قرون بأن حارات اليهود والبنيان والهنود جزء أصيل في تاريخ عدن.

من أخبره أن أرباب الأموال كانوا من كل الأجناس والألوان وأن سكان المدينة من مختلف الشعوب.

روي أن السلطان محسن العبدلي حين قيل له: لماذا لا تُصهر هذه المدافع المركّبة على العربات -وكانت مصنوعة من الصُفر- على طول سور صيرة فتبيعها وتقبض الثمن؟

قال: "إن قلبي لا يطاوعني فأحرم عدنَ مما كان فيها من مجد وعظمة غابرين".

ويدور الزمن وتطمس اليد العابثة معالم وآثار مدينة السلام، خلال حقب من الاحتلال والغزو.

وفي قصة "حرب اليمن"، ذهب ساسة السنين السبع يبحثون عن الشمال في كُمِّ الإمامة من عدن، ويفتشون عن صنعاء في عمامة الخميني من الجنوب، وما شكروا للمدينة هذا العَرْض المجاني ولا وفّوا لأهلها هذا الترحاب الأصيل.

كله الوطن الآن في رقبة هيئة الأمم التي أربكها بوتين وخلط أوراقها في أوكرانيا.

كذا جاءت قصة "فيينا" وقصة "الناتو" في عالم غريب، وأغرب منه حرب اليمن التي طالت واستطالت، وسيكون في قمة الغرابة عندما تدعو الشرعية موسكو وكييف لوقف الحرب وضبط النفس.

ولأن الأحداث متصلة، دعونا نعرّج من الهوى الملوّن إلى هذا العالم الغريب بعد الغزو الروسي.

إن الذي سوف يصير الآن أن بعض الشعوب ستندب حظها من القمح والنفط.

وشيئاً ما سيكون مذهلاً، لأن بوتين لم يأبه لـ 193 دولة حول العالم وبدأ الغزو.

كذا كانت الساعة المذهلة التي قضاها جو بايدن وهو يعد لخطاب ما بعد الغزو.

إنها أسوأ ساعة في حياته، ماذا عساه أن يقول وقد وعد الدولة الحليفة بأن يحميها من الغزو؟، لكن أسوأ من ذلك لو قال رئيس أمريكا سنرد على روسيا فستكون الهاوية.

وعد إلى البدء، يا أبناء الشمال وحِّدوا شطركم المشطّر بين صنعاء وصعدة ومأرب.

إن مجلس الأمن شُغِلَ الآن بحرب شرق أوروبا والبيان الأممي سينسى اليمن وأهله وملف الأزمة سوف يضيع في دهاليز هيئة الأمم حتى تهدأ جبهة لوغانسك ودونيتسك، وينزل الرماة من تباب موسكو وكييف.

لقد اكتشفنا اليوم عالمنا الذي نعيش فيه أنه قلق حائر يهيم في وادي التيه، وأن الجملة الديبلوماسية الغامضة التي ينطق بها في شأن الحروب وفض النزاعات إنما توقد نارا.

يا ساسة السنين السبع، لو أنكم صنعتم حلاً للأزمة من الداخل لكان خيرا لكم من الانتظار تحت نافذة هيئة الأمم.. يا قومنا انتظروا إنّا معكم منتظرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى