ضرورة تزامن الإصلاحات الاقتصادية

> يمر اقتصاد البلاد بمرحلة صعبة للغاية، ولتجاوز هذه المرحلة يتطلب انتهاج جملة من الإجراءات والسياسات والبرامج الاقتصادية العاجلة، والتي تتناسب والوضع الراهن.

والغريب في الأمر أن الجميع في البلد لا يعمل بجد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الانهيار المتوقع.

إن الإنقاذ الاقتصادي يتطلب مساعي جادة من خلال تبني خطة شاملة وواضحة للإنقاذ.

*****تقييم الوضع الراهن

يتلخص الوضع الحالي في حالة استثنائية تشمل التدهور العام في كل مؤشرات الاقتصاد الكلي، ومؤشرات الحياة عمومًا، ويهمنا هنا إبراز أهم مؤشرات ودلالات الأزمة الاقتصادية من خلال التالي:

1. لازال وضع العملة الوطنية صعبًا للغاية، حيث لا توجد أي مؤشرات أو إجراءات جادة تدعم موقف العملة في سوق الصرف.

2. لا تزال مالية الدولة تعمل بدون ضوابط فلا ميزانية عامة ولا تتوفر معلومات رسمية حول الإيرادات العامة والنفقات العامة ولا حول طرق استخدام الموارد السيادية للدولة.

3. غياب التنسيق الضروري والواضح بين الحكومة والبنك المركزي، حيث يساعد غياب التنسيق على فشل أي جهود منفردة يقوم بها الطرفان لإصلاح الأوضاع المأزومة.

4. عدم تجاوب المانحين ودول التحالف في دعم الاقتصاد بسبب أحجام السلطات المختلفة عن القيام بتنفيذ شروط تلك الجهات في تنفيذ إصلاحات تهدف إلى تأمين قدر كافٍ ومعقول من النزاهة والشفافية والحد من الفساد في إدارة واستخدام الموارد المالية سواء كانت محلية أو خارجية.

5. انهيار شبة تام للخدمات المقدمة للسكان في مجالات الطاقة الكهربائية والمياه والصرف الصحي والتعليم والصحة.

6. زيادة الأسعار بشكل حاد وغير منضبط مما يتسبب في الزيادات الحادة في الفقر والمجاعة وتدهور الوضع الإنساني بشكل خطير للغاية.

إن تلك الدلائل الخطيرة تتطلب تحركًا سريعًا من كل سلطات وهيئات ومؤسسات الدولة لإصلاح شامل وفعّال ومتزامن.



****الإصلاحات العاجلة

إن الإصلاح الذي نطالب به يجب أن ينطلق من القطاعات والأنشطة الاقتصادية المفتاحية في اقتصاد البلاد والتي يمكن تحديدها في التالي:

أ. القطاع المالي والنقدي

تعرّض هذا القطاع لإهمال كبير خلال فترة الحرب، وبالتالي يجب أن ينطلق الحل منه من خلال التالي:

1. تنشيط وزيادة الإيرادات العامة وتوريدها إلى الحسابات المخصصة في البنك المركزي مع وقف الهدر والسطو والنهب من موارد الدولة السيادية.

2. إعداد الموازنة العامة للدولة للعام ٢٠٢٢م.

3. تحسين أساليب وطرق تحصيل الضرائب والجمارك ورفع جاهزية مرافقها وسيادة تحصيلها وضبط توريدها إلى البنك المركزي عدن.

4. وقف طباعة العملة المحلية وكل أشكال التمويل بالعجز مع ضرورة السيطرة على الكتلة النقدية بما يتناسب وحاجات الاقتصاد.

5. تنشيط وإصلاح دور المؤسسات المشرفة على القطاع المالي والنقدي.

6. التنسيق اللازم بين الحكومة والبنك المركزي والعمل المتناغم والمتزامن لحلحلة المشاكل المشتركة وفقًا للقوانين.

ب. قطاع النفط والمعادن

كون هذا القطاع هو المصدر الرئيس للموارد المالية للدولة فيجب تهيئته من خلال زيادة إنتاج وتصدير النفط واستئناف تصدير الغاز الطبيعي المسال وسيادة الدولة على تلك الموارد ومؤسساتها بشكل لا يقبل التأجيل.

ج. القطاعات المساندة الأخرى

وهي القطاعات الخدمية والتي تؤمن للاقتصاد والسكان الاستقرار سواء في مجالات الإنتاج والاستيراد والتصدير وأهم تلك القطاعات والأنشطة الصناعة والتجارة والطاقة الكهربائية والنقل والمواصلات والاتصالات وقطاع الزراعة والري والأسماك والمياه والصرف الصحي والخدمات الاجتماعية الأخرى.

إن تنفيذ الإصلاحات المأمولة في تلك القطاعات يتوجب أن تتم بإدارة حكومية وإشراف وتنسيق وتزامن تام ومشاركة إيجابية من المجتمع ابتداءً من وضع السياسات ومرورًا بالتنفيذ وفي مراحل الرقابة والتقييم والمراجعة من أجل مراجعة وتقويم أي اختلالات أولًا بأول.

****إدارة الإصلاحات

تقع على الحكومة مسؤولية التخطيط للإصلاحات الاقتصادية وإدارة وتنفيذ تلك الإصلاحات العاجلة.

وتتحمل الحكومة مسؤولية اعتماد خطة استثنائية تتضمن حزمة من القرارات الاقتصادية تهدف لتنفيذ السياسات اللازمة لحلحلة الأزمة الاقتصادية التي تضرب كل أركان اقتصاد البلاد ويتطلب ذلك تفعيل دور الحكومة ومؤسساتها وقياداتها وليس مجرد تواجدها في العاصمة عدن، كما يتطلب تشكيل مجلس وزاري مصغر لإدارة خطة الإنقاذ، يشمل وزراء القطاعات المفتاحية في اقتصاد البلاد وتتركز مهمة المجلس في تحديد أولويات السياسات والإجراءات والقرارات الحكومية ووضع مخطط للإصلاحات وإدارة التنفيذ ومتابعة نتائجه وآثاره وتصحيح أي اختلالات أولًا بأول.

إن أي تردد أو تقاعس في القيام بالإصلاحات العاجلة سيؤدي إلى مزيد من التدهور، بل والانهيار الاقتصادي التام، وليس ذلك فحسب، بل سيجعل من الصعوبة بمكان إدارة أي أنشطة أو استثمارات لإعادة الإعمار ومعافاة الاقتصاد في المستقبل.

إن اقتصاد البلد بحاجة ماسة لبرنامج إسعافي لوقف التدهور، وخاصة في قطاع المال والنقد وإنقاذ عاجل للعملة المحلية وزيادة الموارد المالية للدولة، ويجب أن تخط السياسات الاقتصادية في هذا المجال بتحديد نقاط تركيز تحظى بأولوية في الجوانب النقدية والمالية وإعادة الانضباط لهذه الأنشطة وفقًا لما كان معمولًا به قبل الحرب، ويتطلب ذلك في الأساس رفع كفاءة مؤسسات تخطيط وتنفيذ السياسات الاقتصادية الكلية في كافة مرافق قطاعات الاقتصاد الرئيسة، وفي هذا الشأن نقترح تشكيل فريق اقتصادي فني يساعد السلطات في وضع الإجراءات والسياسات ويساعد في التنفيذ وتجاوز أي إشكاليات تعترض ذلك وخاصة ردم الهوة بين بناء السياسات واتخاذ القرارات وتنفيذها.

إن الإشكال الواضح في عمل مؤسسات الدولة في الوقت الراهن هو عدم التماهي بين إصدار القرارات وتنفيذها، كما نأمل أن يساعد الفريق الاقتصادي في إدارة وتقييم نتائج السياسات أولا بأول وإحاطة السلطات بذلك، ونقترح أن يتكون الفريق من ممثلين عن الأجهزة الرقابة للدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميين المتخصصين.



****تزامن الإصلاحات

أن المقصود بتزامن الإصلاحات، هو بناء قاعدة بيانات ذات موثوقية ومصداقية تساعد متخذي القرارات على بناء مخطط عاجل وشامل للإصلاحات الاقتصادية وكذا وحدة وتزامن وضع خطة الإصلاحات بمشاركة من الحكومة والبنك المركزي والقطاعات الأخرى، والتنسيق في أهداف ووسائل وطرق العمل منذ جمع المعلومات وتصميم السياسات وإصدار القرارات وتنفيذها ومراجعة التنفيذ.

ونقترح البدء من إصلاح متزامن من تخطيط إصلاح السياسيات المالية والنقدية وسياسات سعر الصرف عبر التنسيق والتكامل بين البنك المركزي والحكومة ممثلة في وزارة المالية.

إن إعادة ضبط سياسات وأداء مؤسسات إدارة المال والنقد يساعد في احتواء مستوى كلفة الدين العام وخفض الضغوط التضخمية وخفض مخاطر الدين العام ومن ثم دعم الاستقرار الاقتصادي، وخاصة استقرار سعر صرف العملة المحلية، ومن ثم معافاة تدريجي لاقتصاد البلد.

إن الجهود المنفردة في إصلاح الوضع الاقتصادي المأزوم سيكون مصيرها الفشل الذريع.

أستاذ الاقتصاد الدولي المشارك

مجلة الرابطة الاقتصادية

العدد الثاني مارس ٢٢٠٢

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى