وادي حضرموت.."قبر النبي هود" زيارة سنوية يحضرها عشرات الآلاف من العالم الإسلامي

> سيئون«الأيام» محمد عبدالوهاب التوي:

>
  • سباق الهجن والشعبانية من عوالق موروث تريم
  • موسم تبادل ثقافي تجمله التهاويد والملابس البيضاء
  • أكبر تجمع ديني ومعرض تراثي يحتضنه وادي حضرموت..
في العشرة الأيام الأخيرة من شهر رجب، تظل مساجد وادي حضرموت تردد "التهاويد" تمهيدًا للزيارة. "هود يا نبي الله.. هود يا نبي الله"، تلك هي إشارة دنو موعد الطقوس الدينية التي تقام في بداية شهر شعبان من كل عام.

زيارة قبر النبي هود عليه السلام، هي واحدة من أكبر التجمعات الدينية السنوية في حضرموت إن لم تكن أكبرها، إذ يحضرها الآلاف من مختلف بقاع العالم الإسلامي، للمشاركة في طقوس الزيارة وما يتبعها من عادات.

الدخلة" وبدء الطقوس

في الثامن من شعبان تبدأ طقوس الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام متتالية، ومنها "الدخلة" وهي تحديد وقت معيّن لدخول أفواج الزوّار من بيوت "العلويين"، يتقدمها كبار علماء الدين والشخصيات الاعتبارية، رافعين شعارات تشير إليهم، ثم تقام مجالس الذكر والدعاء والمحاضرات الدينية والجلسات النقاشية.

موسم تبادل ثقافي تجمله التهاويد والملابس البيضاء
موسم تبادل ثقافي تجمله التهاويد والملابس البيضاء

يحدث ذلك في قرية صغيرة اسمها "شِعب هود" تتبع مديرية السوم، في وادي محافظة حضرموت، والتي تقع 80 كم شرق مدينة تريم. هذه القرية تظل مهجورة طوال العام، معمورة بالزوّار خلال الأسبوع الثاني من شهر شعبان، لإحياء مناسبة دينية سنوية تتمثل بزيارة قبر النبي هود الواقع في هذه المنطقة.

قبر النبي هود

المصادر التاريخية تفيد بأن النبي هود عليه السلام، دفن في تلك البقعة من الأرض، وأنها سميت بـ"شِعب هود" نسبة للقبر، حيث كانت تسمى قديمًا بأرض الأحقاف وهي عبارة عن وادي تحيط به الجبال، وفي سفح إحدى الهضاب المطلة على الوادي يوجد القبر، وتغطيه قبة كبيرة مصبوغة بالـ"النورة البيضاء".

ويوجد بقرب المكان مغارة "بَرْهُوت" الشهيرة الواقعة في الجزء الأسفل من الوادي كما تشتهر المنطقة بالصخرة المنسوبة لنبي الله هود، والتي قيل بأنه صعد عليها ودعا الناس للصلاة وأصبحت اليوم واقعة وسط المنطقة التي يزورها الناس.

موسم الزيارة والعادات السنوية


وتشهد هذه القرية في موسم الزيارة حضور عشرات الآلاف من الزوّار من مختلف أنحاء اليمن والعالم، كما أن موقعها كان سوقًا من أسواق العرب المشهورة في الجاهلية ويسمّى "سوق الشحر".

في يوم الفصل الخامس من شعبان، في مناطق مدينة تريم الغنّاء تزيين الجمال بالحناء الحضرمي، حيث تجمع الجمال في ساحة عامة تقصدها أعداد كبيرة من المواطنين الذين يصطحبون معهم أطفالهم ويتم إحضار الحناء ويقوم الشباب المتمرس والمبدع بعمل نقوش على ظهور الجمال وأرجلها وأعناقها وكتابة عبارات دلالية مختصرة يتم اختيارها، وتحضر المباخر التي تفوح بالروائح الطيبة بعلك اللبان وهو ما يجعل المشهد في غاية الجمال والأصالة.


وبعد إكمال أعمال الزينة وكسوة تلك الجمال بالأقمشة الفاخرة والقطع التاريخية ذات الدلالة المعنوية المعروفة لدى عشاق الإبل وتزينها بكل أنواع الزينة، تغادر قافلة الجمال في اليوم السادس من شعبان المدينة، متجهة صوب شِعب نبي الله هود شرق المدينة برفقة المئات من المواطنين وعشاق الإبل والمهتمين بالتاريخ والتراث الحضرمي، وتستمر رحلتها على مدى ثلاث أيام متنقلة بين المناطق وصولًا إلى شِعب النبي هود.


تبدأ أولى أيام الزيارة في الثامن من شهر شعبان وتنتهي في العاشر من نفس الشهر، وتتولى عملية الإشراف على جميع تلك الطقوس لجان خاصة ويساعدها في ذلك دار المصطفى للدراسات الإسلامية في حضرموت التابع للصوفية المرتبطين تاريخيًا بالطائفة العلوية نسبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولذلك يحضر العلويون بكثرة في مختلف محطات وطقوس الزيارة.

أكبر تجمع ديني ومعرض تراثي يحتضنه وادي حضرموت..
أكبر تجمع ديني ومعرض تراثي يحتضنه وادي حضرموت..

مجالسة العلماء وزيارة القبور

وتتنوع غايات الزيارة حيث يأتي البعض للتفرغ للعبادة ومجالسة مشايخ وعلماء الصوفية، في حين يأتي الآخرون للتنزه مع الأصدقاء والأولاد وشراء هدايا للأطفال والأهل من الأسواق الشعبية المقامة بمناسبة الزيارة. وتمنع مشاركة النساء في طقوس الزيارة الدينية هذه، التي تبدأ بزيارة مقابر مدينة تريم، ثم زيارة قباب "عينات"، وهي قباب قديمة على جانب الطريق المؤدي إلى موقع الزيارة ويتواجد بها ضريح الشيخ أبي بكر بن سالم أحد مشايخ العلم وأبنائه، ومن ثم يذهب الزائرون إلى الاجتماع بمسجد حصاة الإمام عمر المحضار في قرية شِعب نبي الله هود وهو موقع كان يجلس فيه المحضار للخلوة والعبادة. بعد ذلك يتوجه الزائرون إلى بئر "التسلوم" وهي بئر لا تزال آثارها باقية ويعتقد أنها ملتقى أرواح الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين.

ويصعد الزائرون إلى هضبة بها قبة بيضاء ويقع تحتها قبر النبي هود جوار حجرة متصدعة، كانوا يصعدون إليها مشيًا على الأقدام ولكن في الوقت الراهن تم تمهيد الطريق إليها، تذليلًا لطقوس للعبادات والقراءات الدينية المترنمة ليلًا ونهارًا. ويرتدي الزائرون على شرف المكان المراد زيارته الثياب البيضاء، وكوافي (طاقيات) بيضاء على رؤوسهم.

سباق الهجن والشعبانية من عوالق موروث تريم
سباق الهجن والشعبانية من عوالق موروث تريم

سباق الهجن والشعبانية

ويزدحم المكان بالزائرين الذين يؤدون طقوسًا خاصة لا تخلو من أعمال احتفالية تحضر فيها الطبول والأهازيج والرقصات الشعبية المعروفة بالمنطقة، ويتوزعون على خيام عدة أقيمت لبقاء الزائرين خلال موسم الزيارة.


ومن العادات السنوية المرافقة للزيارة، سباق الهجن الذي يتم في ختام الزيارة. وهو تقليد لا يزال مستمرًا منذ مئات السنين حين كان الناس يذهبون على ظهور الجمال، ويتم استقبالهم عند العودة على أطراف وضواحي مدينة تريم لمعرفة الوفد الواصل أولًا.

كما ترافق رحلة العودة ما تسمى "بالشعبانية " وهي الاحتفالية التي توافق الـ13 من شهر شعبان من كل سنة هجرية وفيها يقوم أهالي مدينة تريم والوفود القادمة من خارجها بزيارة القبور والدعاء لأصحابها.


وخلال احتفالية "الشعبانية" يقوم المحتفلون بأداء بعض الرقصات الشعبية منها ما تسمى "رَزيح البقّارة" ويتم فيها ترديد بعض الأهازيج الشعبية، ويتقدم الناس بعض الراقصين المتمكنين وهم يرتدون شعرًا مستعارًا على رؤوسهم.

"الشعبانية" بالنسبة لأهالي تريم عيد، فيلبسون الجديد من الثياب ويذهبون للتسوق في ساحات عامة، مثل "الجبّانة" ووسط المدينة، حيث تمتلئ تلك الساحات بالأسواق الشعبية وألعاب الأطفال وتتعالى فيها أصوات الأهازيج والأدعية المؤداة بنمط تقليدي يصور روح المدينة تريم.


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى