​السلاح والسلام

>
من البديهي أن يثار موضوع السلاح والتشكيلات المسلحة عند البحث في خطوات وإجراءات تساعد على استئناف العملية السياسية بعد توقف دام سنوات، وفشل يكاد يكمل العقد الثالث، والجهود التي يقودها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيد هانس.

لموضوع السلاح في اليمن شأن ومكانة ودور يميزه عن بقية دول العالم، وتجارب مؤلمة ومريرة، والمثار اليوم وما يجري بحثه أن من أجل إثبات حسن النوايا وتأكيد القناعة بخيار التسوية السلمية، أن تقبل أطرافها بالتخلي عن التشكيلات المسلحة التي تتبعها وعن السلاح المتوسط والثقيل ليتم دمج التشكيلات في إطار المؤسسات الوطنية التي تتبع منظومة الحكم، أو الانتقالية ويتم تسليم السلام إما للدولة أو لطرف محايد.

المستهدف بالدمج والتسليم هي حصراً المؤسسات الجنوبية التي توجه من قبل الانتقالي، والمطلوب أيضا تسليم سلاحها، وعملياً فقد تم سحب سلاحها في وقت سابق تحت مبرر تنفيذ بنود اتفاق الرياض، مع أن البعض يسوغون روايات أخرى، إذ يعبرون أن سحب السلاح كان جزءًا من مخطط إسقاط عدن، أما التشكيلات المسلحة التي تضم أبناء القبائل فمن العيب أن يطرح موضوع سحب سلاحها، بل إن لا أحد يجرؤ على إثارة المسألة.

إن الدعوة لسحب السلاح ودمج التشكيلات المسلحة شكلاً واصطلاحاً، والخطير في مضمونه ونتائجه لا يعني في الواقع غير أنها تشكل استجابة لضغوط تيارات بعينها، بما فيها قوى الحرب وتجارها التي تريد من وراءها تفخيخ مسار العملية السياسية وإبقاءها في دائرة الفشل لتستمر الحرب، أو لتمكنها من تحقيق ما لم تحققه بالحرب والقوة، وبلوغ أهداف الحرب بوسائل غير حربية.

أشك تماما بأن تلاقي هذه المطالب استجابة من المستهدفين بها، لأن النتيجة بالنسبة لهم ستكون كارثية ومأسوية وقد عاشوها وتجرعوا مراراتها ولا يزالون يكابدونها، والمؤكد أنهم اكتسبوا مناعة وتعلموا من أخطاءهم الفادحة، وتمثلوا قول الحبيب المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).

التطرق لموضوع السلاح لا يعني أن لا وجود لمخاطر أخرى ومحاولات التفاف وسعي لفرض تسوية جائرة على حساب الجنوب تؤبد وتشير إلى نتائج حرب 94 والسياسات الاستعمارية وتضع حد لتطلعات الجنوبيين.

لفهم ما يدور اليوم بما فيه ما يخص الشق العسكري، أدعو للاجتهاد في البحث عن إجابات للأسئلة الثلاثة التالية:
الأول - هل توجد دولة مؤسسات وقانون تمثل الجميع وتحمي مصالح وحقوق الجميع، حتى يمكن الوثوق بها والإقرار بدورها ليتم تسليمها الأسلحة والدمج مع مؤسساتها؟

الثاني - هل يوجد جيش وطني وأجهزة أمن وطنية ومهنية في بنيتها ووظائفها حتى يتم قبول الذوبان فيها والتسليم لها وبأمرها، أم أن الموجود عبارة عن مؤسسات حزبية وقبلية وجهوية، كانت ولا زالت لليوم تعتبر الجنوب عدوها رقم واحد. بموجب العقيدة التي تؤمن بها؟
وأثق بأن مهما اشتدت الضغوط فلا يمكن لأحد أن يوافق على تسليم السلاح لعدوه ليذبح به، ولا أعتقد أن أحد سيكرر قصت حارس الضيعة مع السلاح والحرامي والساعة الجميلة.

الثالث - الحال لا يختلف عما تم عرضه بالنسبة للأطراف المحايدة التي تعتبر وهم وخديعة.
حقيقة الأمر أن بالنسبة للجنوب لا وجود لطرف محايد، الكل أكان من الداخل أو من الإقليم والمجتمع الدولي منحاز لغير صالح الجنوب وبالذات في هذه المرحلة وهو الوضع المرشح للتغيير، ولهذا ليس من مصلحة الجنوب اللهث وراء عملية سياسية اليوم، إذا كانت في غير صالة، وعليه ومن واجبه المراهنة على حدوث متغيرات دولية تحقق التوازن والعدل، أي مشاركة غير محسوبة، وفي ظل اختلال الأسس والانحياز تعني دفن للقضية الجنوبية.

تقودنا الأسئلة الثلاثة إلى سؤال جوهري آخر، ويتصل بالهدف الرئيس للعملية السياسية: هل يتمثل في إنقاذ اليمن من الحروب والعنف بإحلال السلام، أم إعادة فرض الوحدة بالقوة، ولو بغطاء سياسي مضٌلل وبأي ثمن بغض النظر عن النتائج؟ وتقع المسألتان على طرفي نقيض ولا يمكن الجمع بينها.

الوحدة بالقوة وصد من إرادة أحد أطرافها ومن فشلها وسقوطها والكوارث التي نجمت عنها، ويجيز سحب ومصادرة السلاح وحل المؤسسات العسكرية كما حدث عام 94، والمزيد من الحروب على الجنوب وسياسات التجويع والإفقار والإقصاء ، وهو هدف لا يقبل ولا يجيز الحديث عن السلام والأمن والاستقرار، والعكس إذا ما كان الهدف إحلال السلام الذي يتطلب تسوية عادلة شاملة يقبلها صاحب الحق والقرار وليس غيره إلى جانب أمور أخرى تختلف كليًا عن متطلبات الحالة الأولى.

 وعلى أساس التجارب التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه اليوم يمكن القول إن استمرار وجود توازن نسبي في ميزان القوى خلال مرحلة التفاوض وعند تطبيق مخرجاتها يعد أمرًا حيويا وضمانة لنجاح المفاوضات وتطبيق مخرجاتها.

إن تفرد طرف بعينه بالسيطرة على وسائل القوة، سوف يدفعه إلى الإنقاض على التسوية وعلى الشركاء في التسوية، وعودة الأمور للمربع الأول، وهذا الذي حصل مع اتفاقات الوحدة ووثيقة والعهد والاتفاق، ومع الجنوب وقرارات مجلس الأمن الدولي ومخرجات الحوار ونهجه، وأخيرا مع اتفاق الرياض الذي سوف يتكرر في المستقبل.

لا تكمن الأولوية اليوم في موضوع السلاح وإنما في بناء العملية السياسية وإصلاح عيوبها وتخليصها من اختلالات، وإعادة بناء أسسها وتحديثها لتواكب المستجدات، وجعلها تتسم بالتوازن، وقابلة للنجاح في بلوغ أهدافها.
وتتمثل الأولوية التالية في القيام بما هو ضروري لضمان حيادية رعاة العملية السياسية والمتدخلين من الإقليم والمجتمع الدولي، وهي الأطراف التي تمتلك حقا القوة وكل وسائل النفوذ والتأثير.

من البديهي أن يرفض الناس أي صفقة منحازة وجائرة، تهدر تطلعاتهم وحقوقهم وتؤيد عبوديتهم، وسيجدون كل الوسائل التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم ووطنهم وحماية حقهم في الحرية والكرامة وإحقاق تطلعاتهم.

لا ريب في أن التسوية السياسية التي تستجيب لتطلعات الشعبين في الجنوب والشمال هي وحدها التي ستحقق الأمن والاستقرار والسلام والتنمية، وتؤمن مصالح كل الأطراف، أما الصفقة الفوقية المفروضة التي تستهدف إعادة إنتاج الماضي فلن يتمخض عنها غير كوارث ومآسي الماضي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى