من معارك المسلمين

>
معركة عين جالوت

لمّا فرغ التتار من بغداد سنة 656هـ، وقتلوا من أهلها ما يُقارِب المليون نسمة، وخرَّبوا وأحرقوا ما شاء لهم أن يفعلوا، توجَّهوا إلى بلاد الشام عن طريق الفُرات، ودخلوا حلب وغدروا بأهلها، كما دخلوا دمشق دون مقاومة، ثم أرسلوا إلى حكام مصر يطلبون منهم تسليم البلاد، ووصَلوا حتى غزَّة، فكان ردُّ الملك المظفر عليهم أن جمع جندَه، وتوجَّهوا للشام لقتال التتار.

وسار قائد جيش المغول (كتبغا نوين) - وكان من القادة المقربين لهولاكو - بجنده لقتال المسلمين بقيادة المظفر سيف الدين قطز ومساعده الظاهر بيبرس، والتقى الجمعان في "عَيْن جالوت" بفلسطين في الخامس والعشرين من رمضان بعد ظهر يوم الجمعة، فقال المظفر قطز: في هذا الوقت بعد الزوال تهبُّ رياح النصر، ويدعو لنا الخطباء على المنابر"، ثم أمر بالهجوم وكان بيبرس قائدًا للفرسان فقادهم بنفسه فنكَّل بالعدو وهزمهم وتابَع فلولَهم حتى شتتهم، وبرز في هذا القتال أيضًا مَلِك حماة المنصور، الذي كان مع جيشه في طليعة جيش قطز، فقاتل قتال الأبطال، وتحرَّرت بلاد الشام من التتار بعد هذه الموقعة، وهي أول هزيمة قاسية لهم بعد أن دخلوا بلاد الإسلام وشرعوا يُخرِّبونها كيف شاءوا، وقُدِّر عددُ قتلى المغول بأكثر من عشرين ألف قتيل؛ منهم قائدهم (كتبغا نوين) نفسه، وهرب التتار من المدن التي احتلوها إثر سماع الخبر.


ويُروى أن المعركة في بدايتها كادت أول الأمر في غير صالح المسلمين، ولَمَّا رأى ذلك السلطان قطز صعِد على صخرة، وخلع خوذته، ثم ركِب جواده وهجَم على الأعداء، وخلفه جندُه يقتحمون مثله ويفلقون هامات المغول، ثم قُتل جواده، فأسرع إليه أحد الأمراء ونزل عن فرسه وقدَّمها له، فأبى السلطان أن يفعل ذلك، وقال له: اركب وقاتل، فما كنتُ لأحرِمَ المسلمين في هذا الموقف من نفعك، ولم يزل صامدًا يقاتل حتى جاءه أحد غلمانه بفرس فركِبها، فقال له أحد الأمراء: أيها السلطان، لِمَ لَمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رأَوك لقتلوك وهلك الإسلام بسببك؟ فقال السلطان: أما أنا، فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام، فله ربٌّ لا يُضيِّعه، لقد قتل فلان وفلان وفلان حتى ذكر خلقًا كثيرًا من الملوك، فأقام الله للإسلام مَن يحفظه غيرهم، ولم يَضِع الإسلام، فمَن أنا حتى يضيع الإسلام بقتلي؟! وكان هذا ضربًا من قوة الإيمان والتواضع أيضًا الذي كان يتحلَّى به السلطان المظفر، وكانت نهاية المعركة للمسلمين، وانتصروا انتصارًا عظيمًا، وأُبيد جيش المغول بأكمله تقريبا.

معركتا دوين وتفليس

كان الكرج من النصارى المتعصبين، وبلادهم بلاد الأرمن الحالية، وكانوا قد تسلَّطوا على نواحي من أذربيجان، وأران، وأرزن، ودربند، حتى الجزيرة، فقتلوا وسفكوا وسَبَوا وخرَّبوا البلاد، في هذه الأثناء كان قد عاد جلال الدين منكوبري بمَن معه من الهند بعد هزيمته وجيشه من قبل التتار، فحشد الحشود، وتوجَّه إلى خُراسان، ثم قصد بلاد الكرج لِما سمع مِن تسلُّطهم.

وكانت عاصمة الكرج تفليس (حاليا تبليسي عاصمة جورجيا)، وتَحكُمهم امرأة، أما قائد جيشها، فكان (إيواني)، فتقدَّم جلال الدين وملك أذربيجان، بما يزيد عن سبعين ألف مقاتل، والتقوا في معركة (دوين) في شعبان 622هـ في أرمينيا، فكان القتال شديدًا عنيفًا، وصبر الفريقان على ما أصابهما، ثم أنزل الله نصرَه على المؤمنين، وهُزِم الكرج وهربوا مخلِّفين وراءهم عشرين ألف قتيل.. ثم اختبأ (إيواني) في قلعة للكرج، فحاصرها جلال الدين، وفرَّق بقية عسكره للإغارة، ثم أتاه خبرٌ من تبريز يأمره بالعودة إليها فعاد ولم يكمل حربه معهم، وكان هذا في سنة 622هـ، لكن في السنة التالية قصدهم جلال الدين مرة أخرى في ربيع الأول 623هـ، فحشدوا له جيشًا كبيرًا، وأتوا في عدد لا يُحصى كثرةً، فلقِيهم جلال الدين، ونصب لهم الكمائن ليُطبِق عليهم من كل اتجاه، ثم التقَوا واقتَتلوا فولَّى الكرج منهزمين، وأخذتهم السيوف من كل جانب بعد أن خرجت عليهم الكمائن، ودنَت ساعةُ استرداد "تفليس" التي احتلوها سنة 615هـ، فتقدم لها في ثلاثة آلاف فارس، وأخفى كمائنه، فلما رأَوا قلة جيشه فتحوا الأبواب وقاتلوه فأنسحب إلى مواقع جيشه المتخفي، فخرجت لهم الكمائن وأبادتهم، وتوجه قسم من جيشه إلى الأبواب ودخلوا المدينة فحرَّروها، وتعد تفليس من أمنع البلاد وأقواها آنذاك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى