​من معارك المسلمين

> معركة حطين

أعدَّ صلاح الدين الأيوبي جيشًا قويًّا من نحو أربعة وعشرين ألف جندي بين نظامي ومتطوع، وقصد ممالك الصليبيين ليُحرِّرها من نيرهم، فكان قصده مدينة طبرية، وعلِم الإفرنج بذلك فجمعوا كل ما أمكنهم جمعه لخوض هذه المعركة الفاصلة، فبلغت جموعهم ما بين خمسين ألفًا إلى ثلاثة وستين ألفًا، ونزل الإفرنج في صفورية، أما صلاح الدين، فنزل على طبرية وحاصرها بجزء من جيشه، وتقدَّم بالجزء الآخر باتجاه الفرنج، لكن الإفرنج لم يبرحوا مكانهم رهبة وخوفًا، أما مدينة طبرية فسقطت بأيدي المسلمين، وبقيت قلعتها تقاوم، فلما علِم الإفرنج بذلك دبَّ الخلاف بينهم، فمن قائل بمهاجمة المسلمين لنجدة طبرية، ومنهم من يفضل التريث في المواقع، ثم اتفقوا على التحرك لمواجهة المسلمين، وكان المسلمون قد سيطروا على موارد المياه، والفرنج قد نفد عندهم الماء، والجو حر في شهر أغسطس آنذاك، وتلاقى الفريقان في حِطِّين في 25 ربيع الآخر من سنة 583هـ، (تقع حطّين الفلسطينية على بعد ثمانية كيلومترات شمال غرب بحيرة طبريّا في شمال فلسطين، تم تهجير سكانها البالغ عددهم حوالي 1480 نسمة من قبل المليشيات اليهودية عام 1948 ثم دُمّرت القرية ولم يبق منها سوى مبنى المسجد المهجور، لكن المأذنة ما زالت سليمة حتى اليوم)، وصوب الرماة دفعات كثيفة من السهام نحو الصليبيين، فقتل عدد من خيولهم ورجالهم، والصليبيون مندفعون في قتالهم ليصلوا إلى الماء في طبرية، فصدهم صلاح الدين عن مرادهم ووقف بالعسكر في وجوههم وحرَّض المسلمين على الثبات، فتقدم غلام

مسلم نحو الإفرنج وقاتل قتالًا عنيفًا عجِب منه الجميع، ثم تكاثَر عليه الإفرنج وقتلوه، فأثر ذلك في نفوس المسلمين، وثارت ثائرتهم وانقضُّوا على الإفرنج وقتلوا منهم عددًا كبيرًا من الجنود والضباط، وحاول الإفرنج شقِّ صفِّ المسلمين، فرأى القائد تقي الدين محاولة الإفرنج هذه، فأمر بفتح الطريق لهم فخرج القمص وأصحابه ثم التأم الصف، ثم أشعل المسلمون النار في الزرع اليابس فاحترق، وكانت الريح على الإفرنج فزادهم عطشًا على عطشهم، وبدأ الإفرنج يحملون على المسلمين حملات شديدة ويتصدى لهم المسلمون، فلا يرجعون إلا وقد نقص منهم عدد كبير، حتى أحاط بهم المسلمون وأخذتهم السيوف، ثم التجأ عدد منهم إلى تل حِطِّين، ونصبوا للملك خيمة وتَبِعهم المسلمون والأمر ما بين كرٍّ وفرٍّ، ولم تتوقَّف عليهم الحملات إلى أن رمَوا سلاحهم وأرهقهم التعب والعطش واستسلَموا، فكبَّر صلاح الدين وخرَّ ساجدًا لله، وكان من ينظر إلى القتلى، يقول: ليس هناك أسرى، ومَن ينظر إلى الأسرى يقول: ليس هناك قتلى.
 وكان من جملة الأسرى ملك بيت المقدس قائد الحملة، وأرناط حاكم الكرك، وأما صاحب طرابلس، فلما نجا من المعركة اغتمَّ فمات، كما قُتِل أرناط، لأنه غادِرٌ تَعرَّض لقوافل الحجاج، كما أراد التعرُّض لمكة والمدينة، وتُعَد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، حيث انهارت بعدها كثير من قلاع الصليبيين وحصونهم، وتقلَّص نفوذُ الصليبيين وقل عددُهم.

معركة حصن بَرْزَية

حصن برزية أو (ميرزا) كما يطلق عليها أحيانا
حصن برزية أو (ميرزا) كما يطلق عليها أحيانا

طاف صلاح الدين الأيوبي حول قلعة وحصن برزية، - وتقع على السفوح الشرقية لجبال اللاذقية وتطل على نهر العاصي - ليُحدِّد مكان الهجوم، فوجد أن أنسب جهة للهجوم هي من جهة الغرب، فنصَب المنجنيقات وأمر بالهجوم في جمادى الآخرة من سنة 584هـ وأمر بالرمي عليها؛ لكن الإفرنج في القلعة نصبوا منجنيقًا على القلعة، ورموا منجنيقات المسلمين فعطَّلوها، فقرَّر صلاح الدين مهاجمتهم واستغلَّ كثرة جنوده وقلة المدافعين في القلعة، فقسَّم جيشه إلى ثلاثة أقسام، وأمر القسم الأول بالهجوم فإذا تَعِب انسحب وحلَّ محلَّه الثاني ثم الثالث، وبدأت الفِرقة الأولى بقيادة زنكي بن مودود، فاقتربت من القلعة، فتلقَّت سيلًا من الحجارة التي إذا صدمت بالجندي قذفته إلى أسفل الوادي، فيصبح أشلاء ممزَّقة، وأمطرها المسلمون بالنشاب ليشلُّوا حركتَهم، واستمر الهجوم إلى ما قبل الظهر، وكان الوقت صيفًا والشمس متوهِّجة، ثم انسحب هذا

القِسْم، فقام القِسْم الثاني وأخذ مكانه في الهجوم، وهم من خواصِّ جند صلاح الدين، فأنشبوا القتالَ حتى الظهر، وأرادوا العودةَ فردَّهم صلاح الدين لتطويل مدة الزحف، ثم أمدَّهم بالقسم الثالث فنهضوا مُلبِّين وتكاثروا على القلعة، ولم يستطع الإفرنج مواصلةَ القتال، فتَعِبوا حتى عجَزوا عن حمل الحجارة الكبيرة التي كانوا يرمونها، ثم انضمت الفرقة الأولى بعد أن استراحت، فوصل المسلمون إلى السور وتسلقوه وهاجموا الإفرنج وهزموهم، فتركوا السور وهربوا إلى أعلى الحصن، وهو أشبه بالقلعة في داخله، وأخذوا معهم ما كان عندهم من أسرى المسلمين، والأغلال في أيديهم وأرجلهم، وطرَحوهم أعلى السطح، ودخل الفاتحون مكبِّرين، كما صعد القلعة جنودٌ من جهة الشرق، وطهَّروا تلك الأماكنَ من الإفرنج، وفقَد الإفرنج زِمامَ المبادرة، وفقدوا الاتصال فيما بينهم، ودبَّت الفوضى في صفوفهم، ثم إن المسلمين الأسرى لما سمعوا تكبير المسلمين في القلعة كبَّروا وهم في السطح، ليُعلِموهم بمكانهم، فظن الإفرنج أن أعلى القلعة قد سقط أيضًا، فخافوا وفتحوا الأبواب مستسلمين، فسقط هذا الحصن الحصين، وأراح الله المسلمين من شر ساكنيه.

 وقد فتح صلاح الدين أكثر من عشرين قلعة وحصنًا في هذه المناطق الجبليَّة، كلها بمثل هذه الحروب، مثل: حصن بكاس، والشغر، ودرب ساك، وبغراس، وسرمينية، وصفد، وكوكب... إلخ، فكانت بمثابة مخالب قاتلة موجَّهة من الصليبيين للمسلمين، فلا تستقر لهم تجارة ولا زراعة ولا تَنقُّل أو سفر بسببها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى