​يا رأسي من الرئاسي

>
كل الذين كانوا يسافرون من الأرياف إلى عدن أيام زمان يفرحون بالسفر إلى المدينة لأنهم سيجدون الكهرباء والماء اللذان لا ينقطعان.

كانوا يأتون من قراهم الجنوبية أو الشمالية التي تفتقد للخدمة، فيستبشرون لحظات اقترابهم من المدينة برؤية عمود الكهرباء، وحين يصل المسافر عند المساء يرى المصابيح في أطراف المدينة، وكلما سارت به السيارة إلى مداخل المدينة رأى الأضواء والمصابيح واللوحات المضاءة، فيزداد فرحًا وشَجَنًا.

اليوم يفضّل كثير من أهل الأرياف البقاء في قراهم بدلًا من السفر إلى عدن للنزهة لعلمهم أن الكهرباء معدومة، وأن لوحات الطاقة الشمسية فوق سطوح منازلهم في الأرياف توفر لهم خدمة لا يجدونها في مدينة أُطلق عليها العاصمة المؤقتة.

أما الذين حكموا المدينة في تلك المرحلة الذهبية عهد " العمود اللاصي " فهم أشخاص بسطاء من أبناء جلدتنا، لم يؤتَ بهم من السويد أو فنلندا، وكان ضمير المواطن حيًّا كضمير المسؤول. فالموظف في الكهرباء يصدر الفاتورة ويتابع استمرار الخدمة والمواطن المستهلك يستلم ويسدّد، في مستوى عال من الوعي والثقافة والالتزام بالنظام.

يا مجلس الرئاسة.. إذا كان الرؤساء السابقون والحكومات أخفقوا في تقديم الخدمة للمواطن، فلِمَ تعجز أنت وقد جيء بك برعاية خليجية ودعم إقليمي وأممي لإنقاذ البلاد؟ ألستَ الأمل الأخير للحفاظ على الرمق الأخير؟
المواطن يهتف بحرارة.. "يارأسي من الرئاسي".. عندما يمكث طويلًا تحت برد المكيفات، بينما يحترق الملايين من قيض الصيف وحر شموسه في مدينة ساحلية كانت في عهدها الزاهر أنموذجًا في تقديم الخدمات بمختلف أنواعها وأشكالها، والمواطن القاطن فيها لا يحمل هَم الكهرباء ولا هَم الماء، أما اليوم فالمواطن في المدينة يصرخ من هول المأساة يخاطب الكهرباء شاكيًا وساخرًا، قائلًا لها:
حرِّقيني كلّما تشائين ذلك
حرِّقيني وافعلي بي ما بدا لك
حرِّقيني كل شيءٍ منك نارٌ
كلُّ شيءٍ يأتي منكِ مثل نارِك
كهربيني واشوي أطفالي الصغار
وارفعي ضغط المواليدْ والكبار
سهّريني واشربي كل العَرَق
واعصري كل المعاوز والخِرَق.
 يا قوم.. بعد سنين الجِدب والعقم والتيه، هل ستعود عدن إلى عهدها القديم؟
 المتفائل: نعم.. إذا عادت لها خدمة الكهرباء مثل أيام زمان، وعاد إلى البيوت ماء القصب العظيم.

السؤال الذي يفرض نفسه.. كم نحتاج من الوقت لتحقيق هذا الحُلم؟
الجواب.. نفس الوقت الذي نحتاجه لتغيير سلوك الحاكم والمحكوم.

الخلاصة: هناك ثقافة جديدة تم تكريسها منذ صيف عام 94 في وعي المواطن الجنوبي ونحن صامتون صيّرتهُ شريكًا في الفساد والظلم اللذان لحقا به فأصابته في مقتل.

وإن دافع هذه الثقافة التي فشت وانتشرت كان سياسيًا بحتًا بهدف السيطرة والهيمنة، وإلغاء الآخر، وليس إقصاءه فحسب، لكن حسبنا هذه اليقظة الجديدة وأن الشعب شبّ عن الطوق، وأن جنوب اليوم غير جنوب الأمس.

يا مجلس الرئاسة احسم أمرك، أصلح حال الرعيّة، فقد بلغ السيل الزُّبىٰ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى