سريلانكا ولبنان.. هم السابقون ونحن اللاحقون..

> > نجد بين سيرلانكا ولبنان مقارنات وتشابهات عديدة ومختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية... إلخ.

ولكنَّ كِلا البلدين "يشتركان بقوة بقاسم مشترك واضح وملحوظ ومُتجذِّر.. إنَّه الفساد" بكافة أنواعه وأشكاله وأنشطته بصفة عامة، ولكن تحديدًا "فساد طبقة النخبة الحاكمة"

- فمنذ استقلال سيرلانكا (1948م) ولبنان (1947م) وإلى حينه، احتكرت الحكم / السياسة بصفة رئيسية عائلات وأحزاب مرتبطة معها وتتبع نهج هذه المكونات التقليدية. كما يضم وينقسم سكان كلا البلدتين إلى مجموعة عرقيات ومذهبيات دينية مختلفة، في سيرلانكا تتزعم عرقية السنهلية الأغلبية الأكبر بين السكان (75 %)، تليها التاميل (15 %). أمَّا في لبنان وعلى الرغم من عربيته المطلقة فإن هيكل الحكم يتوزع بين المسيحين المارونيين والمسلمين السنة والشيعة.

- ولعل وجود عرقيات مختلفة لها مصالح ووجهات نظر ترتبط بالسياسة والحكم كانت العامل الرئيس والذي أشعل حرب أهلية في سيرلانكا بين الدولة والتاميل استمرت نحو 3 عقودٍ انتهت بهزيمة التأميل، وهو كذلك كان الحال في لبنان الذي خاض حرب أهلية مُدمِّرة من العام 1975 إلى العام 1990م أتت على الأخضر واليابس وأنتجت قواعد جديدة للعبة السياسية ولكن لتُدار بنفس النُخَب والقوى الحاكمة التقليدية/ السابقة ويستمر واقع "الفساد" كَمًّا وكيفًا.

- ولقد كانت حصيلة هذه الحروب الأهلية غياب الاستثمار السيادي وتدهور تاريخي في مقومات وأساسيات في القطاعات الحيوية عامة (كالبُنية الأساسية والخدمات) والاقتصادية تحديدًا. مثال: كان قطاع السياحة في كل من سيرلانكا ولبنان يُعتبر واحدًا من أهم المحركات الاقتصادية التي تعتمد عليه كِلتا الدولتين في رفد خزائنها بالعملة الصعبة وتشغيل اليد العاملة، لسوء الحظ فإن هذا القطاع وفي كِلتا الدولتين لم يستعد سابق عهده الذهبي ; وإن يكن لجانحة كورونا سبب إضافي في ذلك.

- ونتيجة للفساد المتَجذَّر في أروقة ودهاليز الحكم (والعوامل الجيوسياسية المعروفة للقارئ الفاضل) ومنذ نحو 3 عقودٍ، نجد أوجه التشابه بين سيرلانكا ولبنان خاصة في ضعف وهشاشة الهياكل والمخرجات الاقتصادية؛ نوجز نتائجها، ولا نحصرها في الآتي: فساد إداري، اقتصاد يعتمد شبه كليًّا على الواردات لاستمراره (من غذاء، وسلع أساسية للبقاء والحياة والحركة.. إلخ). ظهور الاقتصاد الأسود ودوره التخريبي لكافَّة قطاعات الاقتصاد الرسمي. سياسات مالية ونقدية خطيرة جوهرها هدر أموال ومُدَّخرات العامة إرضاءً لكل أطياف/نخب النظام السياسي والإبقاء والمحافظة على نفوذها/ مصالحها ; حتى إذا لزم الأمر بهذا الخصوص طلب "التمويل/ الاقتراض" من الخارج بشكل قروض مباشرة أو "ودائع" أو سندات سيادية، وعليه، ارتفع الدَّين العام في سيرلانكا ولبنان (الداخلي والخارجي) إلى مستويات خطيرة تفوق حجم الاقتصاد الوطني- GDP. بل أن كِلتا الدولتين قد تعثَّرت وأعلنت "عدم قدرتهما على الوفاء/دفع" أي ديون مستحقة آجالها. قطاع مصرفي فقد مصداقيته..

- وكمحصلة لكل هذه التطورات السلبية وخلال الفترة الماضية تدهورت أوضاع وأحوال المواطن إلى مستويات قاتلة ومميتة أُصيبت اقتصاديات الدولتين بأمراضٍ فَتَّاكةٍ يصعب "ربما يستحيل" علاجها تحت إدارة ومباشرة من كان المتسبب الأول بها من النُخَب الحاكمة / السياسية. ولهذا خرج الشارع في كِلتي الدولتين وأعلن رفضه لاستمرار حال الأوضاع الاقتصادية القائمة مطالبًا بإبعاد النخب الحاكمة والسياسية فورًا دونما تأخير، مالم فسوف تستمر الاحتجاجات الشعبية.

- عملات كل من سيرلانكا ولبنان فقدت على التوالي نحو 50 و90 في المئة من قيمها. الدولة شبه مفلسة ولا يوجد لديها من العملة الصعبة ما يكفي لاستيراد الغذاء والدواء ومشتقات النفط لتشغيل خدمات أساسية كالكهرباء والمستشفيات.. إلخ.

بل حتى أن المواطن أصبح يقترب رويدا من تصنيفه جائع، لا يجد ما يسد به رمقه.

- الآن وبعد هذا التوصيف لأوضاع سيرلانكا ولبنان، ألا يجد القارئ الكريم كم أن " بلدنا" لها قواسم مشتركة كثيرة ومتقاربة جدا مع سيرلانكا ولبنان مع الاستثناء أن "شارعنا" مستمر في صبره.. الريال فقد أكثر من 80 في المئة من قيمته مقابل الدولار. نسبة التضخم الرسمي قاربت 50 % في العام 2021م و60 % في 2020م مع اختلالات اقتصادية أساسية كعدم انتظام دفع الرواتب. وفي قطاع الخدمات لا تتوفر بالحد الأدنى واللائق من كهرباء وماء واتصالات والصحة ومواصلات. أسعار الطاقة (بترول وديزل) تفوق تلك في الدول الغنية والأغنى.

ولكن "للصبر حدود" !!!… هي إذن، مسألة وقت.

- نقول سيرلانكا ولبنان السابقون، ونحن بإذن الله اللاحقون..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى