في ذكرى 2 أغسطس المشؤوم

> في 2 أغسطس 1990 م غزت العراق دولة الكويت بمبررات وأسباب يمكن حلها بجلسة مفاوضات .

ابتلع الرئيس صدام حسين الطعم الأمريكي، ظانا - كل الظن - بأن أمريكا ، و قد أخذ الضوء الأخضر من سفيرتها في بغداد، سوف تغض الطرف عن أي تدخل محتمل للعراق في الكويت باعتبار ذلك شأنا عربيا .

كان المشهد دراماتيكيا حقا ، فأمريكا لن تفرط في بلد نفطي يدخل و الخليج برمته ضمن استراتيجية الأمن القومي الامريكي ، وأمريكا لن تفرط في فرصة مواتية كهذه للدخول بقواتها إلى الخليج و ضرب العراق و التخلص من قواته العسكرية و تفتيته لصالح المخطط الصهيوني الرامي إلى شل القدرات العربية الرئيسة و تحطيمها لتأمين إسرائيل وتسييدها على منطقة عربية بدون أنياب .

وأمريكا من زاوية أخرى، تريد قرص أذن الكويت التي انتهجت منذ استقلالها عام 1961 م دورا قوميا عربيا تجاه إخواتها الدول العربية و مناصرة الحق الفلسطيني بلا هوادة.

كما أن الكويت مارست دورا حياديا على المستوى الدولي تجلى بوضوح في رفع سفنها للعلم السوفييتي إلى جانب علم أمريكا أثناء الحرب العراقية - الإيرانية و تأثيراتها على الملاحة في الخليج العربي.

وربما يكون السبب الاهم أن الكويت تعدت الخطوط الحمراء الأمريكية بتسخير مواردها المالية من النفط في شراء أسهم بعض الشركات الغربية ذات العلاقة بالتصنيع العسكري مما يمكنها من الاطلاع على أسرار تلك الصناعات.

فالمراد للمال النفطي أن يودع في البنوك الأمريكية و الغربية وإخراج نسبة منه للأمور الثانوية ولإضفاء حالة من الترف و البذخ لأصحابه الشرعيين .

كان الأمر كارثيا فجر الثاني من أغسطس 1990 م.

فالحاكم العربي لا ينظر إلى أبعد من أرنبة أنفه، و ربما في حالة انفعاله يصوب بندقيته على قدميه.

و ليس بعيدا أن يكون احتلال الكويت أمرا قد قر في صدور قادة البعث في العراق مذ أشهر سبقت قيام الوحدة في اليمن التي جرى التسريع بها لتتم في مايو من ذلك العام . لأن موقف دولة الجنوب سيكون حتما لنصرة الكويت التي ما بخلت يوما عليه بالمساعدات الإخوية النزيهة منذ استقلاله في 30 نوفمبر 1967 م.

في صباح ذلك اليوم الأسود هرولت إلى مقر اتحاد الأدباء و الكتاب اليمنيين على ساحل أبين بخورمكسر، وجدت الأستاذ عمر الجاوي منكبا على الكتابة فجلست قبالته دون أن ألفت انتباهه، وعندما فرغ ورفع رأسه إليّ محييا قال : "هذا بيان للتجمع الوحدوي عن قضية احتلال الكويت، وشرع يقرأ البيان بصوته المتميز وكانت إدانة العدوان و شجبه لامواربة فيها ولا مجاملة مقدما حلولا لتدارك الأمر بالانسحاب فورا من الكويت و عدم إعطاء أمريكا ذريعة لاحتلال المنطقة و تدمير العراق .

ناولني حزمة الأوراق طالبا مني تصويرها في غرفة السكرتارية .

ثم رد على التلفون و بصوته القطعي كان يرد على المتصل :

- أنا الأمين العام المخوّل بإصدار البيانات وأنت مجرد رئيس فرع صنعاء مجرد فرع وليس من حقك إصدار بيان، انتطروني أنا قادم إليكم الليلة.

والتفت الي قائلا : هذا أحمد الشرعبي أصدر بيانا يجامل فيه أسياده الواقفين مع صدام .

كان الأخ لطفي جعفرالجاوي ( ابن أخيه) قد دخل في تلك اللحظة فقال عمر :

- أوصلا أنت ولطفي هذا البيان و سلماه للسفارة الكويتية .

كانت السفارة بجانب المالية حاليًا في خورمكسر و لما تُنقل إلى صنعاء بعد .

أوصلنا البيان للإخوة الكويتيين ، والذي يعتبر أول بيان مناهض للعدوان يصدر على الإطلاق فنحن مازلنا في صباح ذلك اليوم المشؤوم .

علمت فيما بعد أن الكويتيين عرضوا على عمر الجاوي شحنة أوراق للطباعة الصحفية لصحيفته ( التجمع) كانت على متن سفينة قطعا لا تستطيع الرسو في ميناء الكويت المحتل ، واعتذر عمر عن قبولها .

فطلبوا الاشتراك في صحيفة"التجمع" بمقدار ألف نسخة من كل عدد فاعتذر أيضا و قال : ستقرأون نسخة و ترمون ببقية النسخ.

اشتعلت صنعاء بالمسيرات الموجهة لدعم العراق وكان قوامها من العسكريين و الأمنيين بلباس مدني، و لم تشهد عدن و الجنوب مسيرة واحدة من مثل ذلك .

اصطفت صحيفتا "التجمع" و "الأيام" إلى جانب الكويت البلد الشقيق الذي تعرض للغدر من جاره العربي القوي، و كان السفير الكويتي ضيفا يوميا مُرحبا به في ديوان "الأيام" بصنعاء.

وعندما حل الوفد الشعبي الكويتي في صنعاء برئاسة الأستاذ أحمد السقاف لشرح قضية بلاده العادلة و خاصة في البلدان المنحازة للعراق، استضاف الوفد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في ديوانه و دعا عمر الجاوي الذي حضر متأخرا و دخل المجلس المكتض محاولا الجلوس أينما وصل، لكن الأستاذ أحمد السقاف هب واقفا و وجه الحديث - في ما يشبه الخطاب -للشيخ عبدالله و الحاضرين معددا مناقب الجاوي و شجاعته في الانحياز للحق دون مهابة من حاكم أو غوغاء الشارع، ثم أفسح له مكانا للجلوس بجانبه.

مجموعة من الوفد برئاسة الدكتور أحمد الربعي غادرت إلى عدن و حضرموت فوجدت الحال على عكس ما في صنعاء من هياج مدفوع الأجر .

وفي حضرموت حضرت ثلة من الحضارم المغتربين في الكويت و معهم أمانات من حلي و أموال و ذهب.. إلخ من كويتيين هم أرباب عملهم وضعوها لديهم ثم غادروا - كعادتهم كل صيف - إلى خارج الكويت قبيل الغزو، على أن يسلمها الدكتور الربعي وصحبه إلى أصحابها الذين سيكونون في أمِّس الحاجة اليها في هذا الظرف.

ذهب العراق نتاج خطأ فادح ما كان له أن يحدث لو كان في العراق مراجعات داخلية عند اتخاذ القرارات المصيرية بنسق من الديمقراطية و الشورى ولو في الحدود الدنيا .

وتعرض العرب - كل العرب - لمخاطر جمة لازالت تداعياتها تصيبنا و أوَّلنا العراق ، سواءً من إيران أو تركيا أو إسرائيل وراعيها الأكبر أمريكا والغرب .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى