حديث الهيكلة

> الهدف من كل منظومة عاملة في أي جانب من جوانب الحياة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية أو حتى رياضية هو تحقيق الأهداف المرجوة من وجودها بانسيابية وسرعة كافية بالتفاعل المنظم التراتبي بين مكونات أو هياكل المنظومة للوصول إلى الوتيرة المثلى لعمل المنظومة المتمثلة في استخلاص المعلومات والتأكد من صحة تلك المعلومات وتقديمها لصانع القرار في الزمان والمكان المناسبين، الذي بدوره يتخذ القرار المناسب في كل شأن من الشؤون المناط به اتخاذ القرار فيها.

ما تقدم ينطبق على كل الهيئات والمؤسسات والتكوينات التي اتفق الناس على وجودها ودورها في حياتهم كجماعة أو مجتمع أو شعب. مثال لما قلناه، دعونا نستحضر المجلس الانتقالي كتكوين شعبي شامل، أولاهُ الشعب مهمة غاية في الجسامة، وبحجم وطن مترامي الأطراف وبحجم تضحيات آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمخفيين، المهمة هي استعادة وطن كان ضحية لنزق مجموعة قليلة من أبنائه بدمجه مع دولة أخرى، لا تشبهه إلاّ من حيث الاسم وحتى هذا الاسم موضوع جدل تاريخي وحالي وربما مستقبلي. لن نوغل هنا في ذكر التفاصيل فهي معروفة للجميع.

كان على هذا المجلس الانتقالي أن يبني هيكليته، ويحضّر أدبياته ويرتب هياكله الفرعية إضافة للهيكل الشامل الخاص به بالطريقة التي ارتأها القائمون عليه من داخله (أو من الخارج) وهو الأمر الذي نجح في تحقيق بعضه وأخفق في أمور مهمة أخرى، والمتفحص لما تم فعله سيجد أن القائمين عليه أو قيادة المجلس قد حاولت إيجاد ما يسمى ببرنامج الحد الأدنى أو ما يسمى بالإنكليزية(minimum programm) الذي يسمح لها بتنفيذ السياسات التي يمكن اتخاذها ويصبغها بالحد الأدنى والأساسي من الشرعية التي تم تجاوزها إذا ما اعتبرنا الشرعية هي الوثائق والأدبيات للمجلس، فذهب المجلس في طريق لا يشبه المتفق عليه، وهو الأمر الذي صنع فجوة ما بين الشارع والشعب عموما وما بينه ككيان يفترض به أن يكون صوت الأمة. (تفاصيل أكثر حول هذه النقطة تجدها في مقالتنا المنشورة في "الأيام تحت عنوان: (الأخطاء الخمسة للانتقالي).

حسناً، أكثر من خمس سنوات تراكمت فيها الأخطاء السياسية والتنظيمية، ليجد المجلس نفسه في مأزق حسب تعبير قائد المجلس ولتكتشف القيادة وجوب إجراء مراجعة أسموها بالهيكلية لبنية المجلس ونسمع ونرى أحاديث حول إعادة هيكلة المجلس، لكننا لم نشاهد بعد على صعيد الواقع شيئا. هذه المراجعة لهيكلية المجلس وهي شاملة للأفراد والدوائر والتقسيمات، وهي شيء طيب لا يسعنا إلاّ تشجيعه لكن لنا ملاحظات حول هذا الأمر.

ملاحظاتنا يمكن إيجازها في التالي:

إن إعادة الهيكلة للمجلس ينبغي أن تسبقها إعادة هيكلة للعقول التي تنجب السياسات الرعناء أو الحكيمة، وإيجاد الآليات التي تجعل المجلس أكثر انضباطًا وشفافيةً أمام الهيئات التي تمثل الأمة وهو السبيل الوحيد الذي يسمح لقيادة المجلس برفع صوتها والمجاهرة بحق هذا الشعب المظلوم بكل المعايير الشعب الذي يعاني من التجويع والتركيع من جهات كنا نعرف مسبقاً كمية ما تحمله لنا من ضغينة ومن كره وحقد رغم كل ما قدمناه كشعب من تضحيات لأجلهم.

إن إعادة الهيكلة التنظيمية لمكونات المجلس الانتقالي لن تكون بأي حال من الأحوال بديلا عن تصويب الأخطاء السياسية التي حصلت خلال خمس سنوات مضت.

إن الهيكلة (الميكانيكية) لمكونات المجلس لا يمكن أن تكون بديلا عن الاستماع للأصوات الجنوبية المتنوعة وتوحيدها في رؤية واحدة موحدة صلبة تقف بكل قوة أمام أي جهة داخلية أو خارجية تضع مصالحها قبل مصالح شعب الجنوب.

اكتفي بهذا القدر، راجياً أن يفهم القارئ الحصيف مغزى ما سبق قوله، والله وشعبنا الصابر من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى