في ذكرى صدور "الأيام" الغراء.. عبقرية الأب المؤسس محمد علي باشراحيل (1919 – 1992م)

> تتربع "الأيام" على بلاط صاحبة الجلالة في المكانة الأسمى كما أرادها الأستاذ محمد علي باشراحيل، عند تأسيسها في 8 أغسطس 1958م، في فضاء الخمسينات المكتض بالمتغيرات العميقة في عدن.

كانت عدن تتفوق على نفسها في جوار قاحل وهي تعطي أنموذجا متقدما في المنطقة كدولة (كسموبوليتكن) بمعطيات التبدل الحاصل بعد الحرب العالمية الثانية ( 1939- 1945م)، حيث نشأت نقابات العمال والتنظيمات السياسية وتنويعات منظمات المجتمع المدني بما في ذلك النسوية مع بروز الأغنية العدنية والصحافة العدنية (1940-1967م) وهذه الأخيرة معطى متقدم ومبهر في بنيان عدن ونسيجها الاجتماعي والسياسي والثقافي وكأن (العدني) يتمثل حقا قول أحمد شوقي:

لكل زمان مضى آية

وآية هذا الزمان الصحف

والأستاذ الباشراحيل، ذو مقدرة هائلة في قراءة واقعه العدني، فقد تدرج في الحياة الاجتماعية والسياسية منذ عمله في البرق واللاسلكي الى الدخول في صخب المجلس البلدي بالتزكية أو الانتخاب وحتى الانخراط في العمل الحزبي المباشر من خلال رابطة أبناء الجنوب - ولو إلى حين - وتبوأ المكانة الرفيعة فيها، وكلها معطيات تجعل من امتهانه للعمل الصحفي نابعا من نفس تواقة إلى الالتحام مجددا بمتطلبات المجتمع وتطلعات المواطنين.

لكن المذهل حقا في الأستاذ المعلم أنه أدرك مهنة الصحافة وأسرارها وأبعادها المغرية والمهلكة ايضا، فمضى في طريقه الذي اختطه كما فعل منذ يفاعته كرجل عصامي لا يمتلك شيئا ماديا ليرتفع به إلى الأعلى سوى إرادة من فولاذ مكنته - مثلا - من امتلاك ناصية اللغة الإنجليزية نطقا وكتابا ليصبح أحد أبرز المنافسين لأبناء (التايمز) من أبناء عدن.

وكان إتيانه للانكليزية آتٍ من مثابرته على اقتناء الصحف اللندنية والسهر عليها ودراسة مفرداتها وألفاظها واختزالاتها، ليتمكن (ولا ادري كيف) من اجادتها بهذه الكيفية المدهشة التي يشهد له بها معاصروه.

وقد بذر بذرة باقية - إلى عمر طويل بإذن الله - عندما عكف على تدريسها لحفيده باشراحيل هشام، وهو في بداية مراحل دراسته الأولى وأصبح الحفيد اليوم امتدادا لجده أستاذا في الإنجليزية والصحافة معا.

وربما كان إلمام الأستاذ للغة الإنجليزية مدخلا لإصداره الصحفي الأول باللغة الانجليزية (The Recorder) قبل أن تتسيد "الأيام" شارع الصحافة العدنية وتضع حدا للمنافسة مع صحف أهلية وحزبية ونقابية أخرى لصالحها طبعا، بفضل مهارة الباشراحيل الذي جعل من صحيفته معنية بالخبر أولا، بمهنية استقباله والتحقق من مصدره وعدم التدخل في مضامينه ثم نشره.

ولا نتفاجأ بمقدرة الباشراحيل الأب عند استخدامه لغة (الضاد) في عمله كمحرر أو كاتب، فقد عرفته أروقة المجلس البلدي خطيبا مفوها طالب - في ما طالب به - اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في المجلس.

وشخصيا تتبعت كتابات الأستاذ في مجلدات "الأيام" وخلصت إلى حقيقتين:

الأولى: أن لغته العربية فصحى راقية ورائعة في آن لا تحتمل التعقيد والتقعر، وينطبق عليها مبدأ (السهل الممتنع) في الكتابة، ويكاد يكون الأستاذ قريبا من أسلوب محمد التابعي في الكتابة الصحفية.

الثاني: يتجلى موقف الأستاذ محمد علي باشراحيل السياسي والوطني والقومي من خلال كتاباته وضوحا لا مواربة فيه بانحيازه للقضايا الوطنية والقومية العربية بتجليات الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.

وقد قرأت في كتاب (رمال متحركة - Shifting sands) لرجل الاستخبارات البريطانية ديفيد ليدجر ما ينم عن عدم الرضا من استقبال الأستاذ محمد علي باشراحيل للزعامات العدنية و الجنوبية يوميا في دار"الأيام" وهي بنفسها بيت الأستاذ أيضا.

وذلك ما كرره نجلاه هشام وتمام - للأول الرحمة وللثاني طول البقاء - في طور "الأيام" الثاني ابتداء من الحرب العدوانية على الجنوب صيف 1994 م.

ذلك غيض من فيض من حياة الأستاذ المعلم والمؤسس الكبير محمد علي باشراحيل، حياة تستسهل الصعب وتتوق للشموخ وتنحاز للحق ولا تخاف في الله لومة لائم .

رحم الله الأستاذ محمد علي باشراحيل في ذكرى صدور صحيفته"الأيام" الغراء قبل أربع وستين سنة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى