أخطر من الحيوان

> لقد علمونا ونحن صغار -في حصة العلوم- أن الإنسان حيوان ناطق وذو عقل، في حين أنه أضعف الكائنات على وجه الأرض، فالحيوان والنبات ثبت بيولوجياً أن لديهما قدرة على البقاء والتكيّف مع البيئة المحيطة تفوق مقدرة الإنسان بمراحل عديدة.

ففي عالم الحيوان كالنبات يكون الصراع بمبرر الاحتياج للحصول على الغذاء والظفر كضمان لاستمرارية النوع، ويمكن القول إن هناك معاهدة فطرية بين الحيوانات تمنع قتل أبناء جنسها، فالذئب مهما بلغ توحشه فإنه لا يقتل ذئباً آخر، ولا يفترس في اليوم الواحد أكثر من عشرة خراف، في حين أن الرجل الواحد قد يتسبب بقتل آلاف المظلومين من بني جنسه بقذيفة واحدة.

الحيوانات المفترسة لا تتقاتل من أجل التراب وإنما يقنع كل منها بموضعه، فلم نسمع يوماً أن أسداً اعتدى على عرين أسد آخر، أي أن الحيوان لا يفكر في التعدي على حق الآخرين ولا تتنازع الحيوانات مع بعضها بسبب اللون، بل نجدها مع اختلاف ألوانها وأشكالها تعيش معاً جنباً إلى جنب، وكأن للحيوانات شريعة أخلاقية تعيش بموجبها وتتقيد بها، بالإضافة لذلك فإن لدى بعض الحيوانات تعاون وتعاضد يضربان بهما المثل يؤديان إلى بقائها. هذه الأمثلة تجعلنا نفكر بعمق.

ما سبب تدنى الإنسان بالجهل والتعصب للون والعرق والجنس والجنسية والدين والثقافة والفكر والرأي لدرجة تجعله يتهجم على مخالفيه ليمحو أثرهم من على الأرض كلها؟

يا ترى ما الذي يجعل للأحياء الأخرى مثل هذه المنظومة من السلوكيات الأخلاقية بينما تغيب تماماً من بعض المجتمعات البشرية؟

إذا كان للحيوانات مثل هذه الإحساسات الشريفة فكيف يجب أن يكون عليه الإنسان وهو أشرف الكائنات؟

كم هو جميل ورائع جواب عباس أفندي على هذا السؤال وتوضيحه لنا بقوله: "إن عالم الوجود كهيكل الإنسان، وهذه القوى المادية هي بمثابة أعضاء ذلك الهيكل وأجزائه، إلا أن جسد الإنسان لا بد له من روح بها يتحرك وبها يحيا ويعيش، وبواسطتها تبرز لديه القوة الباصرة والقوة السامعة والقوة الحافظة والقوة المدركة، ويسطع فيه نور العقل الذي يتمكن به من أن يكشف عن حقائق الأشياء ويحقق التقدم والترقي في العالم الإنساني، فإذا فقد الجسد الروح فإنه لا يمكن أن يصل إلى هذه النتائج مهما كانت صباحته وملاحته. إنّه عندئذٍ يكون رسمًا محرومًا من الرّوح والإدراك والعقل والكمال، وكذلك شأن جسد الوجود، فإنه مهما بلغ في الناحية المادية من الطراوة واللطافة إلا أنه لا روح له، وروحه هو الدين الإلهي، فالدين الإلهي روح عالم الوجود، وبه يصبح الوجود نورانيا، وتتزين الأكوان وتبلغ درجة الكمال.

ولهذا فكما تتجه أفكاركم إلى الترقيات المادية يجب أن تتجه إلى الترقيات الروحانية أيضًا. لا، بل يجب أن تسعوا في سبيل الترقيات الروحانية سعيًا أبلغ من سعيكم في المدنية المادية، وكما تهتمون بالجسد ينبغي لكم أن تهتموا بالروح، فإن جسد الإنسان إذا انعدمت منه الروح أصبح ميتًا، وما الفائدة التي ترجى منه؟ وكذلك الحال في جسد الإمكان إذا حرم من الترقيات المعنوية أصبح جسدًا بلا روح.

والإنسان يتفق مع الحيوان في الصورة إلا أن الفارق بين الإنسان والحيوان هو أن للإنسان قوى روحانية لا تتوفر لدى الحيوان، من ذلك أن الإنسان على علم بالله، والحيوان لا علم له به، ومنها أن الإنسان يدرك حقائق الأشياء على حين أن الحيوان غافل عنها وجاهل بها، ومنها أن الإنسان يكشف حقائق الموجودات المكنونة بقوة إرادته على حين أن الحيوان عاجز عن ذلك ولا نصيب له منها، ومنها أن الكمالات تظهر من الحقيقة الإنسانية ظهور الأنوار الساطعة من السراج. وكما أن النور سبب ظهور كمال السراج فإن الدين سبب ظهور كمالات الإنسان، وهذه هي الفضائل التي يمتاز بها الإنسان على الحيوان، وهذه هي نفحات القدس التي تهب له الحياة الأبدية، وعلى هذا فالعالم الإنساني إذا حُرم من روح الدين عاد جسدًا بلا روح، فظل محرومًا من نفثات الروح القدس، ولا نصيب له من التعاليم الإلهية، وقد بلغ من صدق حكم الموت على الإنسان المحروم من التعاليم الإلهية.

ومجمل القول: إذا اهتم الإنسان بالأمور الجسمانية واكترث بحياته المادية دون إيلاء الاهتمام لاكتساب الكمالات الروحانية وتطبيق الشؤون الرحمانية سيصبح من البهائم بل أخطر من أي حيوان مفترسٍ صامت، ودمتم سالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى