أيها الغائب الحاضر، إن شعب الجنوب يسكن فيك ومدان بصمودك وتضحياتك لأجل عزته وكرامته.
كل ذلك أتى بفضل صلابة واستبسال فقيد الوطن هشام باشراحيل، وارث أسرة باشراحيل النضالي عموما.
إنها حقيقة لا بد من وضعها في ذاكرة الأجيال تخليدا لسيد الثائرين.
إيمانا مني أن هذه خطوة إنصاف للإبداع والمبدعين، وتشجيع نوابغ المجتمع في مجالات الثقافة، والعلوم، لخلق الإنسان الجنوبي العصري المتنور، بسلاح العلم والثقافة، والمعارف المختلفة في شتى المجالات، ذلك هو أقل ما يمكن أن نعطيه لفقيد الأمة الجنوبية وأمثاله «هشام باشراحيل».
لقد عرفت (ومثلي كثير) صحيفة «الأيام» قبل أن أعرف عميد الصحافة والصحفيين شخصيا.
قد يستقرب القارئ، إذا قلت إن معرفتي الشخصية عن قرب بالمغفور له أبي المناضلين والثائرين هشام باشراحيل طيب الله ثراه، كانت من اتصال تلفوني من الرئيس علي عبدالله صالح بعد التصالح والتسامح في 13 يناير 2006 في جمعية ردفان بأيام، فعندما كنت متوجها إلى نيابة تبن لمتابعة تعقب الجناة الذين اغتالوا ولدي الشهيد منتصر محمد فريد يوم الأربعاء الساعة العاشرة صباحا بتاريخ 21 سبتمبر 2005 من قبل عصابة عسكريين من محور العند، ضباط وأفراد بين منفذ ومخطط، للهجوم على مزرعة شراكة تابعة لأبناء ردفان كنت واحدا منهم، فيها قتلت هذه العصابة المافوية ولدي ظلما وعدوانا بدافع السطو على الأرض تحت ذريعة زائفة من كون الأرض تابعة للحزب الاشتراكي.
نعم رن جرس تلفوني وكان برفقتي الزملاء العميد عبد الدائم محمد صالح قائد لواء بارشيد حاليا حيًا يرزق، والشهيد عمر سعيد الصبيحي قائد لواء حسم وهما من مؤسسي الحراك الجنوبي، فكان المتصل الرئيس علي عبدالله فتحت سماعة التلفون لأسمع زملائي، وإذ به يقول: اعتبر أبنك أحمد علي، سحكمك، اعلم أن البيض، وهيثم قاسم وصحيفة «الأيام» ما ينفعوك في قضية مقتل ولدك.
فقلت له أنا رجل قانون وأطلب تجسيد القانون على حاكم ومحكوم، فالقانون للجميع وفوق الجميع، إن الجناة يا سيادة الرئيس عسكر في محور العند، رفضت قيادتهم تسليمهم إلى النيابة.
نعم لقد أفزعت الرئيس صحيفة «الأيام» في تغطيتها للحدث، وصارت بالنسبة لي الحضن الدافئ لاحتضان قضية مقتل ولدي، إذ باشرت الصحيفة من يوم واقعة القتل بالتحقيق الصحفي في جريمة مقتل الشهيد منتصر، والمتابعة أولا بأول لردود الفعل والاعتصامات والمظاهرات الاحتجاجية لهذه الجريمة البشعة بشاعة النظام، وكان النصيب الأكبر لجمعيات المجتمع المدني الجنوبية التي وصل عددها ثمانية عشرة جمعية تداعت للحدث من عموم محافظات الجنوب، وقد شكل انطلاق التصالح والتسامح، من جمعية ردفان نقطة الوصل لتداعي مؤسسات المجتمع المدني، ووجهات الجنوب من شخصيات سياسية وقبلية وصحفية، الأمر الذي أفقد النظام ضغينة الفتنة بين محافظات الجنوب استغلالًا لأحداث يناير 1986،ذلك سهّل وسرّع، تمدد خطة قيام فعاليات التصالح والتسامح في عموم محافظات الجنوب، فكسرت شوكة النظام بذوبان حاجز الخوف في لقاءات وتجمهر تسامحي، مكّن شعب الجنوب، إعادة اللحمة وتوسيع قاعدة الثورة الجنوبية التي كانت تحت مطرقة النظام من 1994 ومن تحت مظلة التصالح، تنفس شعب الجنوب وصارت قضيته في استعادة الدولة راسخة رسوخ الجبال إلى اليوم، رغم هستيريا النظام بفضل صمود صحيفة «الأيام» التي أفقدته توازنه.
لقد كان التصالح والتسامح الذي شكل المرحلة الأولى على طريق استعادة الدولة، قد اكتملت فصوله في منطقة لبعوس يافع في 2/7/2007 تلى ذلك مرحلة الخلاص بإعلان ثورة استعادت الدولة الجنوبية من ساحة العروض بخور مكسرفي7/7/2007 ولقد كانت صحيفة «الأيام» في هذا التدرج الثوري رمز كرامة الشعب الجنوبي وحريته، وهو المعتاد منها من 1958 إلى يومنا ،كانت واستمرت منبرا للجنوب والجنوبيين، وقبلة الأحرار.
نعم أيها الحي فينا «هشام» نم قرير العين، في ضريحك العَطِر بعبير مسك الجنة، ها نحن على درب نضالاتك واستبسالك، وثوريتك، سائرون. فمن فضائلك صرنا من الهدف على مقربة، سرنا سيرا حثيثا وفاءً لك وشهداء الجنوب عامة.
لقد بلغنا خط المسار صوب استعادة الدولة بما قدره 85 % وقد تأكد للعالم أنه لا خيار ثالث تجاه شعب الجنوب، فإما وحدة ترسمها إرادة الشعب الجنوبي عن طريق الاستفتاء، أو فك الارتباط واستعادة الدولة لانتشال شعب شاء القدر أن يساق إلى مقبرة 22 مايو 1990 في تابوت وحدة مع من لا يستحقها.
إن الندوة التي تبناها اتحاد أدباء وكتاب الجنوب مشكورا، تحت عنوان «هشام باشراحيل، صحوة شعب، وميلاد ثور» عنوان أحرفه من ذهب، فقد ترجم واقع وعطاء وارث الفقيد النضالي تجاه شعبة ووطنه الجنوب، بحق وحقيقة فلا ينكر إلا جاحد دور صحيفة «الأيام» وروادها سلف عن خلف من هذه العائلة المناضلة ،منذ تأسيسها بدءً على يد المؤسس المغفور له محمد علي باشراحيل في 1958 ومازالت تشكل بالنسبة للجنوب وأبنائه مدرسة صناعة الوعي الحقوقي، والسياسي، والثقافي للجنوب، فمهما كتبت الأقلام، وتزاحمت الكلمات عن إرث هذا المناضل الغائب الحاضر «هشام» لا يفي بحقه فيما قدمه للوطن والإنسان الجنوبي.
ولما كانت الندوة قد أقامها معلم من معالم الثقافة، والفكر والأدب (اتحاد أدباء وكتاب الجنوب)، فإن توصية الندوة استحقاق مشروع لهشام وغير هشام من مثله، والتي فحواها إقامة نصب تذكاري لفقيد الوطن والكلمة الحرة «هشام»، في الساحات، والحدائق العامة، ومداخل المدن، تخليدا له في ذاكرة الأجيال، بهذا الصدد أتقدم إلى قيادة الاتحاد لمنحنا مذكرة إلى جهة الاختصاص لطلب ترخيص بإقامة أول نصب تذكاري للفقيد في جولة ريجل (فندق عدن) كلفته على حسابي الخاص.