​تغيير في قيادات الجيش السوداني يعكس مخاوف من التمرد

> الخرطوم «الأيام» العرب اللندنية:

> خطوة تعبر عن ارتباك في إدارة الأزمة وتؤثر على تماسك المؤسسة العسكرية.

أثارت التغييرات الأخيرة في الجيش السوداني تساؤلات حول الغرض من ورائها، خاصة أنها لم تكن الأولى التي نفذتها قيادة الجيش وسط مخاوف مستمرة من “مؤامرة” داخل المؤسسة العسكرية وفي نفس الوقت هاجس العجز عن قيادة البلاد بالرغم من وضع الجيش يده على الحكم.

أحدثت التغييرات الواسعة التي أجراها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في عدد من قادة الأفرع الرئيسية داخل المؤسسة العسكرية جدلاً سياسيًا واسعًا في الشارع الذي يترقب موقف قائدها بعد شهرين من إعلان انسحابه من الحياة السياسية وإتاحة الفرصة أمام المدنيين لتشكيل حكومة جديدة من دون أن يتم ترجمة ذلك إلى أفعال على أرض الواقع.

وأعلن البرهان مساء الخميس عن إجراء تعديل كبير في القيادة العسكرية للبلاد شمل قادة القوات البرية والعمليات والإمداد والمفتش العام للجيش، بعد أيام قليلة من إجراء تغيير مماثل في قيادة القوات الجوية والإدارة العامة للاحتياجات، بينما ظل رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول محمد عثمان الحسين في منصبه.

ويعد التغيير الذي طال العديد من الضباط هو الأكبر منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش في أكتوبر الماضي، وبمقتضاها أزاح القوى المدنية عن السلطة، وأصبح المكون العسكري على رأس قيادة البلاد التي تواجه انسداداً سياسيًا وسط أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية متفاقمة.

وقالت مصادر عسكرية لـ”العرب” إن التغييرات تستهدف تضييق الخناق على أي محاولات من شأنها إحداث قلاقل في الجيش بسبب التباين في الرؤى حول طريقة انسحابه من الحياة السياسية بما يحافظ على مكانته الوطنية.

وأضافت المصادر ذاتها أن الصعوبات التي واجهت الجيش الأشهر الماضية جعلت الأصوات تتعالى داخله حول الأهداف التي تحققت من وراء إبعاد المدنيين عن السلطة في ظل مخاوف حول مستقبل القوات المسلحة التي تواجه أخطارا من اتجاهات مختلفة، في مقدمتها عملية إعادة الهيكلة المؤجلة، وشكل العلاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي أخذت نقاشات عديدة داخل مراكز القوى.

ولم يوضح قائد الجيش السوداني الهدف من التغييرات، واعتبرها مراقبون تتجاوز الإجراءات التقليدية التي تجريها القيادة العامة دوريا للحفاظ على التسلسل الهرمي والتدرج الوظيفي للضباط، وطبقا لقانون ولوائح القوات المسلحة السودانية.

ويتفق البعض من المراقبين على أن القيام بتغييرات كبيرة في قيادات الجيش يعبر عن أوضاع غير طبيعية داخله، وأن هناك تمسكا بهياكل القيادات العليا والمقربين من البرهان بما يضمن تحصين موقعه، لكن ستكون للخطوة تأثيرات مباشرة على الأوضاع داخل الجيش وعلى المستوى السياسي العام في قمة هرمه.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إن الخطوة تعكس حالة من الارتباك السياسي والعسكري ظهرت تجلياتها في تصاعد الآراء الرافضة لتوجهات قيادة الجيش نحو الانقلاب على السلطة، وأن إعلان البرهان انسحابه من الحياة السياسة لا يرتبط فقط بالمشهد المتأزم، لكنه خطوة متعمدة لتهدئة الأوضاع داخل المؤسسة العسكرية، حيث يتحفظ كثيرون على التغول السياسي للجيش.

وظهر الارتباك واضحًا حينما أعلن البرهان انسحابه من الحوار السياسي الذي رعته الآلية الثلاثية، المشكلة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة الإيغاد، وأعلن إفساح المجال أمام القوى المدنية لتشكيل حكومة جديدة، ثم أقدم على إبعاد أعضاء مجلس السيادة الانتقالي من المدنيين وأبقى على قادة الحركات المسلحة، وظهر كشخص يعمل لإرضاء جهات مختلفة من دون أن يضع تفسيرات لقراراته.

وأوضح الدومة في تصريح لـ”العرب” أن العلاقة بين البرهان ونائبه في مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أصابها المزيد من التوتر جراء إصرار كبار القيادات على توحيد القوات النظامية مع عدم المساس بوضعيتهم داخل المؤسسة العسكرية، ما جعل هناك حاجة إلى البحث عن قيادات أخرى ليس لديها نفس المواقف المتشددة ويُعوّل عليها ليكون صوتها أقل حدة من السابقين.

الخطوة تعكس حالة من الارتباك ظهرت تجلياتها في تصاعد الآراء الرافضة لتوجهات قيادة الجيش نحو الانقلاب

ويفسر الدومة الغرض من إعادة هيكلة رئاسة هيئة الأركان المسؤولة عن القرارات العليا بالجيش وإقالة نواب رئيسيها وقادة الأفرع التابعين لها مع الإبقاء على رئيسها الفريق أول محمد عثمان الحسين، بأنه بعيد عن الأهداف التنظيمية داخل الجيش وثمة أبعاد ترتبط بمواقف الجيش الأخيرة السياسية ما جعل هناك حاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق.

وبموجب القرارات الأخيرة جرت ترقية كل من نائب رئيس هيئة الأركان للإدارة الفريق منور عثمان نقد ونائب رئيس هيئة الأركان للتدريب الفريق عبدالله البشير الصادق إلى رتبة فريق أول، مع إعفائهما وإحالتهما إلى التقاعد.

كما شملت القرارات إعفاء قائد القوات البرية الفريق عصام كرار وإحالته إلى التقاعد، وترقية اللواء أحمد عمر شنان إلى رتبة فريق وإحالته إلى التقاعد.

وأعادت القرارات تشكيل رئاسة هيئة الأركان، حيث أبقي على الفريق أول محمد عثمان الحسين رئيساً للهيئة، والفريق مجدي إبراهيم نائباً لرئيس هيئة الأركان للإمداد، والفريق خالد الشامي نائباً لرئيس هيئة الأركان للعمليات، والفريق عباس حسن نائباً لرئيس هيئة الأركان للإدارة، إضافة إلى الفريق عبدالمحمود حماد نائباً لرئيس هيئة الأركان للتدريب.

التغييرات تستهدف تضييق الخناق على أي محاولات من شأنها إحداث قلاقل في الجيش بسبب التباين في الرؤى حول طريقة انسحابه من الحياة السياسية بما يحافظ على مكانته الوطنية

وأشار الخبير العسكري السوداني اللواء محمد خليل الصائم إلى أن الأبرز في التغيير يتمثل في تمسك البرهان برئيس هيئة أركان الجيش بما يعني الثقة في العلاقة بينهما، وأنه عمل على إرضاء عدد من الرتب الصغيرة وتصعيدها إلى مواقع أكبر ترى أن لديها الحق في ترقياتها، وذلك قبل أن يتبلور غضبها ويوجه ضد قيادة المؤسسة العسكرية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن إلغاء هيئة الأركان المشتركة التي كانت ضمن هيكل الجيش الرئيسي قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير واستبدالها برئاسة هيئة الأركان الحالية تسبب في انحسار الرتب الكبيرة داخل القوات المسلحة وهو أمر كان ضمن مطالب القوى المدنية التي تخشى هيمنة أتباع البشير على الجيش.

وشدد على أن التغييرات لن تقود إلى تغيير ملموس في مواقف الجيش من الأزمة السياسية، وأن ترويج بعض القوى لوجود تدخلات خارجية أرغمت البرهان على الخطوة ليست في محلها.

ويفرق الخبراء في الخرطوم بين عملية هيكلة قوات الجيش وإعادة بنائه مرة أخرى، وأن التغيير جاء في إطار السياق الأول الذي يقضي بإدخال قيادات إلى مواقع مختلفة وفي توقيت زمني قصير لضمان عدم تشكيل مراكز قوى داخل الوحدات العسكرية من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في تركيبة الجيش.

ولدى البعض من السياسيين قناعة بأن البرهان يستهدف مغازلة الشارع الذي لديه ما يشبه اليقين بأن قيادات الصف الأول في الجيش محسوبة على الإسلاميين الذين عمد البشير إلى دفعهم للسيطرة على مفاصل المؤسسة العسكرية ما يمثل خطورة، مع استبدالهم بآخرين ليس لديهم نفس التوجهات السياسية لضمان القدر الوافي من الاستقرار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى