ما معنى أن تكون رئيسا؟

>
هل أن تكون رجلا فاضلا؟ أو أنك أفضل من الجميع؟ أو أن تكون لديك معجزات خارقة ليست لدى الآخرين؟ أو أن يكون لديك مطبلون يطبلون لك آناء الليل ويتحدثون عن مناقبك آناء النهار؟

بالطبع لا هذا ولا ذاك، إذن لماذا صرت رئيسا؟ سؤال يحتوي على مبان عدة ومعان شتى، فالرئاسة بجميع معانيها تعني أن هذا الشخص هو أشدنا ألما وصراخا يوم القيامة لأنه تولى أمرنا فصار كلامه حكما وأفعاله قرارات وشطحاته مبادئ، وصار ينبغي على الجميع الإصغاء إليه وفرض التبجيل والاحترام لشخصه كائنا من كان حتى ولو كان حمارا على هيئة إنسان، وصار علينا أن نستشهد بكلامه ونضخم مزحاته ونفتح له آذاننا ونغلق عليه قلوبنا، وبتنا ننتظر منه ليغدق علينا من لكعاته ما تقشعر له أبداننا، نصبر على زلاته ونقول عسى أن يصلح الله حاله.

هذا هو حال الرؤساء بشتى مسمياتهم ابتداء من رئاسة المحكمة أو النيابة أو رئاسة قسم ومهما كثرت التسميات تظل هذه أوصافهم، فماذا نفعل إزاءهم؟ كيف لنا أن نخرس غرورهم ونقفل ألسنتهم ونقول لهم تبا لكم من أنتم حتى تعلموننا؟ كيف نحب ونعرق لأجل وطننا ونخلص نياتنا ونبذل الغالي والنفيس لأجل
إسعاد من وظفنا لنكون في خدمتهم ورهن إشارتهم؟

سؤال آخر: من أنتم حتى تعلموننا كيف نعمل وحب الخير مغروس في جذورنا شربناه بلذة من ثدي أمهاتنا وتعلمنا منهن مكارم الأخلاق وجئنا من بيوتنا لأجل تقديم الكثير من الجهد والعرق والتعب مقابل القليل من المال وذقنا أهوالا من الهم والتفكير والتخطيط لتقديم أفضل ما نملك من عمل لأجل من جئنا لخدمتهم؟

ماذا فعلتم أنتم؟ هل عملتم بجد، أم كنتم سببا لآلام ومعاناة الكثير الذين انتظروا الساعات لتطل عليهم بوجهك الموتور وكلماتك الجوفاء التي تفشي عن كبرياء؟

نفش الريش ليس له ما يبرره على من يفترض بك أنك في منصبك لخدمتهم لا لتعذيبهم وهم ينظرون إليك في خوف وتوجس وأنت تكشر عن أنيابك وتمتدح نفسك بأقوال ليست فيك، بل تختص نفسك بصفات هي بريئة منك براءة الذئب من دم يوسف والمواطنون صامتون مستنكرون ولسان حالهم يقول تعبنا ونحن منتظرون وتعبنا ونحن نستمع إليك. اشفق علينا خارجنا وأنت في كرسيك نافشا ريشك متعطشا ومتحرشا لتجد السبب المعقول حتى تطلق لسانك بالمديح لنفسك وعملك وممتنا عليهم بحضورك الغالي رغم أن ذلك الحضور هو صعب عليك وأنك تأتي متكلفا لأجل المواطن فتلقي عليهم خطبة عصماء تفتتحها وتختمها بـ «أنا»، وما بينهما ضيعت حقوق العباد.

إلى متى تغدق علينا الدولة بمثل هؤلاء الجهلة بمناصب خلطوا فيها بين الرئاسة الكبرى وهي رئاسة الدولة، ورئاسة المناصب الدنيا كرئاسة المحاكم والنيابات الابتدائية وما يقابلها من مناصب في الجهاز الإداري للدولة؟ فماذا ينقص هؤلاء ليتحلوا بالحكمة ولتكون إدارتهم إدارة ناجحة وكذلك أخلاقهم، لماذا كتب على العامة تذوق مرارة تعنتهم وتعطيلهم للأعمال والأصل أنهم جاؤوا إلى هذه المناصب لحل مشاكل الناس لا لتعطيلها، فأنا هنا أتوجه إلى هذه الدولة إلى كبيرها وصغيرها للمطالبة بتغيير مسميات هذه المناصب حتى لا يفهم شاغلوها أنهم فوق القانون وحتى لا تختبط عقولهم المتواضعة في التفريق بين المعاني العديدة لكلمة الرئاسة، فالرئاسة تجمع كل المعاني النبيلة من أخلاق وإبداع في العمل في رجل واحد يكون قدوة لزملائه ومثلا للعامة في أخلاقه ومخلصا في عمله لله ثم لوطنه.

نطالب الدولة بأن تأتينا بمثل هؤلاء لشغل المناصب القيادية فحينها فقط سأومن بأن الوطن بخير.
* قاضٍ جزائي جسيم بمحكمة صيرة الابتدائية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى