مقياس سعادة الروح

> إننا نعيش في زمن بات فيه من السهل قياس معظم الدرجات المهمة عند الإنسان، إن لم تكن جميعها، مثلاً من السهل قياس درجة حرارة الجسم ، سرعة نبضات القلب ، ضغط الدم ، نسبة السكر أو نسبة الدهون في الدم وغير ذلك من العلامات الكيميائية الحيوية المهمة بالنسبة للإنسان.

ولكن مهلاً!
كيف نحسب مؤشر سعادتنا الروحية؟

إن نبض السعادة الروحية يعلو ويتسارع مع عمق إدراكنا لحضور الله في حياتنا ونستطيع قياس درجة سعادتنا بحساب معدل وعي القلب وترحيبه بهذا الإدراك وانفتاحه أكثر فأكثر على المجتمع وسعيه بكل إخلاص لإسعاد الآخرين، إن العالم كله محضّر لله والله تعالى هو حاضر في كل مكان، قال الله تعالى:"وهو معكم أين ما كنتم".

يصف لنا عباس أفندي مقياس السرور والحزن بدقة في هذه السطور :

"جميع البشر معرضون لإحساسين : أحدهما السرور والآخر الحزن، وعندما يكون المرء مسروراً تطير روحه وتزداد جميع قواه، وتكبر قوته الفكرية، وتشتد قوة إدراكه وتترقّى قوة عقله في جميع المراتب وتحيط بحقائق الأشياء.

ولكن، عندما يستولي الحزن على الإنسان يخمل وتضعف جميع قواه ويقل إدراكه، ولا يفكر، ولا يستطيع أن يدقق في حقائق الأشياء، ولا أن يكشف عن خواص الأشياء، ويصبح كالميّت.

وهذان الإحساسان يشملان جميع البشر طُرّاً، من الروح، لا يتأتّى للإنسان أي حُزن، ومن العقل لا تحصل للإنسان أي مشقة ولا ملل ، أي

أن القوى الروحانية لاتسبب كدراً ولا تعباً، وإذا تأتّى للإنسان الحزن فمن المادّيات يتأتّى هذا الحزن، أن حُزن الإنسان وكدره يأتيان من عالم المادّيات، وإن اليأس والقنوط من نتائج عالم الطّبيعة، وعلّى هذا فمن الواضح والمشهود أن حُزن الإنسان ونكبة الإنسان ونحس الإنسان وذلة الإنسان كلها من المادّيات.

وأمّا الإحساسات الروحانية فلا يتأتّى منها للإنسان أي ضرر ولا خسارة ولا هم ولا غم، وجميع البشر عرضة للهم والغم والملل، فما من إنسان إلاّ وأصابه الحزن والألم والمشقّة والنّصّب والتعب والخسارة.

ولمّا كانت هذه الأحزان من المادّيات لم يكن أمامنا من سبيل سوى الرجوع إلى الروحانيات، فإذا ضاق صدر الإنسان من المادّيات ضيقاً شديداً وتوجه للروحانيات زال ذلك الضيق، وإذا وقع الإنسان فريسةً لليأس والقنوط والتّعب ثم تذكر الله الرحمن الرحيم سُرَّ خاطره، وإذا وقع في وهدة الفقر المادي الشديد ثم استروح الإحساسات الروحانية رأى نفسه غنياً بكنز الملكوت، وإذا مرض وفكّر في الشفاء شفى غليل صدره، وإذا وقع أسيراً لمصائب عالم الناسوت تسلّى بالتفكير في اللاهوت، وإذا ضاق ذرعًا بسجن عالم الطّبيعة ثم طار بفكره إلى عالم الروح سُرّ َ خاطره، وإذا اختلّت حياته الجسمانية ثم فكّر في الحياة الأبدية عادَ شاكراً مُمتنًا.

ولكن، ما الذي يُسلّي خاطر الَّذِين اقتصر اهتمامهم على عالم المادّيات وغرقوا في بحر الناسوت إذا الَمَّتْ بهم البلايا والمحن؟

وبأي شئ يتعلق أمل الذي يعتقد بأن حياة الإنسان محصورة في الحياة المادّية؟ إذا عجز أو إصابته مصيبة أو وقع في البلاء أو نفخ في بوق الرّحيل؟

كيف يجد الروح والرّيحان مَنْ لا يؤمن بالحي القدير؟

يقيني أنه في العذاب الأبدي والقنوط السرمدي.

إذاً فاشكروا الله، فأنتم لديكم الإحساسات الروحانية والانجذابات القلبية، وعيونكم مُبصرة ، وآذانهم سامعة ، وأرواحكم حية، وقلوبكم عامرة بمحبة الله ، ولديكم ماتتسلّى به خواطركم إذا ألمّتْ بكم مصيبة، واذا اختلّتْ المعيشة الدنيوية استبشرتم بالحياة السماوية، وإذا أحاطتْ بكم ظلمة الطبيعة سررتم بنورانية عالم الملكوت، وكل من يتوفر له الإحساس الروحاني تتوفر له تسلية الخاطر.

هذه هي مقاييس السعادة، فلنقِس سعادتنا في كل يوم بعد إدخال السرور إلى قلوب الآخرين مباشرة، بأخذِ نفسٍ عميق من الرضا والقناعة وراحة الضمير وصفاء النفس و نشكرالله تعالى على هذا الانجذاب القلبي. ونردد: الحمدلله دائماً وأبداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى