هنا لندن.. هيئة الإذاعة البريطانية

> كانت التفاعلات تفيض عن حجم التوقعات بإغلاق القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ضمن عملية إغلاق لكثير من الأقسام الإذاعية الموجهة بكثير من لغات الشعوب والأمم ممن كانت يوما ضمن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

و مع أن سُنة الحياة هي التغيير و التطوير و من أحشاء البالي يولد الجديد أو كما قال ( هيروقليطس ): الثابت الوحيد هو التبدل المستمر ، فإن الناطقين بالضاد من عرب و سواهم قد توارثوا عاطفيا و بمستويات متفاوتة حب الاستماع إلى الصوت القادم من لندن مدينة الضباب معلنا ( هنا لندن ) رسالة ربما تفصح عن نية انجليزية مبيتة تقول: أين ما يصل الصوت ( هنا لندن ) فهنا بريطانيا العظمى، لكن ذلك يجافي حقائق تاريخية، أن حقبة الاستعمار القديم قد ولّت و طُويت في بطون الكتب وإن كان الإرث الاستعماري باقيا.

الهيئة العتيدة "بي بي سي " منذ 1922م وعربيا منذ 1938م وإن كانت صوت بريطانيا المهيمنة استعماريا على ربع الكرة الأرضية تقريبا إلا أنها اكتسبت صفة الاستماع و المتابعة من غالبية الشعوب حتى تلك التي كانت تخوض نضالا سلميا أو مسلحا للانفكاك من بريطانيا نفسها، لأتباع هيئة الإذاعة البريطانية ( الموضوعية ) في طرح الخبر و تسويقه بالأثير حتى للثوار الذين شرعوا بنادقهم في وجوه الإنجليز أنفسهم ، مثلما حدث في الجنوب إبان الثورة المسلحة من العام 1963-1967م حيث كانت إذاعة لندن المصدر الأول للأخبار للمواطنين.

الأمر لا يتعلق بـ ( كم ) الديمقراطية التي تجري في عروق الإنجليز و لا بحيادية تامة 100 % تتبعها هيئة الإذاعة البريطانية و إنما الأمر مرتبط بنسق مهني ينقل الخبر بموضوعية و مصداقية و يكون من نتائج ذلك تثبيت علاقة وجدانية مع المستمع تقنعه بما ينقله ( الحديد الذي قرب البعيد ) كما قال أجدادنا عن الراديو أو المذياع في أول عهده.

و بعد تثبيت ناصية هذه العلاقة الوجدانية بين الراديو و الأذن العربية التي ( تعشق قبل العين أحيانا ) كما قال الشاعر الضرير بشار بن برد، من الممكن دس السم في الدسم اعتمادا على لغة عربية طيعة و مرنة و حاملة أوجه كما قال علي بن ابي طالب - كرم الله وجهه - فالخبر الذي بثته لندن العربية قبل أربعين عاما تقريبا عن ( تسمم طالبات ثانوية بير زيت بفلسطين ) يبنى الفاعل فيه للمجهول و لا يفصح عنه وهو ( اسرائيل ) بطبيعة الحال.

مذ نشأة القسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية من 3 يناير 1938 م واجهت الإذاعة عواصف عاتية تمثلت في مواجهة أثيرية - مذ البدء - مع إذاعات موجهة نازية و فاشية بصوت ( يونس البحري ) و سواه تبث من برلين و روما ، ومع أن ( الراديو ) كان حصان طروادة في الحرب العالمية الثانية 1939-1945م فإن الشاشة الفضية الصغيرة دخلت على خط المنافسة و استطاعت أن تكسب جماهيرية بسبب النقل الحي لحادثة اغتيال الرئيس الامريكي جون كيندي في دالاس بولاية تكساس عام 1963م، إلّا أن الراديو ظل يحظى بمريديه و مستمعيه بشكل أو بآخر.

واكتسب راديو لندن بالعربية نجوميته من مذيعيه الكبار و برامجه المتنوعة مثل ( أنت تسأل و نحن نجيب ) و ( قول على قول ) وغيرها من البرامج السياسية و الثقافية و الترفيهية.

لكن دقات ساعة ( بيج بن ) و نشرات الأخبار التي تعقبها كانت الأكثر احتضانا للمستمعين العرب من المحيط إلى الخليج.

وربما يذكر البعض أن المذيعة المتألقة مديحة المدفعي قد ترجمت مباشرة خبرًا وصل إليها وهي على الأثير تقرأ نشرة السادسة فحواه اغتيال محمد مصطفى رمـضان ( وهو زميلها في القسم العربي ) عقب خروجه من صلاة الجمعة في مسجد في لندن و انهارت المذيعة مديحة و أكمل فورا أحد زملائها قراءة ما تبقى من أخبار.

لن تكون الصحافة الورقية و الإذاعات المسموعة وربما المرئية سوى ذكريات من الماضي بسبب الثورة غير المسبوقة في فضاء تقنية المعلومات "سوشيال ميديا" بحيث يتبع ذلك مزاج جديد لمتلقي آخر من الأجيال الحالية و اللاحقة و غدا معها العالم غرفة واحدة في شقة.

بينما القادم يتنبأ بما هو أكثر تطورا و خطرا أيضا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى